قضايا وآراء

لعبة السياسة وخسارة الشعوب

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
السياسة هي فن الممكن ولغة المصالح التي لا وجود للمبادئ داخلها، ولا مكان للأخلاق والتمسك بالمواقف أو الالتزام بمبادئ اللعب السياسي النظيف.

عداوات تتبدل، ومواقف تتغير، وأصدقاء يتصافحون أمام الكاميرات وكل منهم يمسك خنجره وراء ظهره، أعداء اليوم هم أصدقاء الغد والعكس صحيح.

يخبرك هذا الرئيس أنه داعم المظلومين، ونصير المقهورين، يعدك بالدعم والنصرة والوقوف مع الحق الذي تؤمن به في وجه الظالمين وأعوانهم، تصدقه عاما تلو الآخر، حتى إذا ما بدأ يخسر بدعمه لك، تنازل عنك وتركك وحيدا وذهب ليصافح أولئك الظالمين.

مهلا لا تحزن إنها السياسة يا صديقي.
عداوات تتبدل، ومواقف تتغير، وأصدقاء يتصافحون أمام الكاميرات وكل منهم يمسك خنجره وراء ظهره، أعداء اليوم هم أصدقاء الغد والعكس صحيح

وهذا أمير آخر، رأس حربة الشر وعمود خيمة الثورة المضادة، ما دخل بلدا إلا وأفسد أهلها وقسّم شعبها ودمرها تدميرا، يتهمك ومن يدعمك بالإرهاب والتطرف وبأنكم سبب الخراب وأس البلاء الذي وجب التخلص منه، ثم يفاجئك باستقبال أسطوري للرجل الذي كان يهاجمه ويتهمه بكل نقيصة قبل أيام.

تلك أيضا هي السياسة وما أقبحها.

وذاك جنرال، قال عن دولة عربية إنها صغيرة تحاول أن تكبر، أطلق أذرعه الإعلامية تنهش في سمعة أميرها ووالدته ورجال حكمه، ما ترك شيئا إلا واتهمهم به وطالب بالتخلص منهم وشارك في حصارهم، حتى إذا ما شعر بأهمية التقارب معهم ذهب إليهم وذهبوا إليه متصافحين متعانقين يبتسمون أمام الكاميرات، في لقطات تتكرر وتعاد مرة تلو الأخرى دون جديد يذكر أو قديم يعاد.

تلك إذا هي السياسة، يستقبل الرئيسُ التركي رجب طيب أردوغان وليَّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد في أنقرة، يوقع معه اتفاقيات اقتصادية قيل عنها إنها جاءت لإنقاذ تركيا من أزمتها الاقتصادية، فيرد ابن زايد باستقبال أسطوري لأردوغان مع طلقات المدافع للترحيب، وعلم تركيا يزين برج خليفة، وحسين الجسمي يغني باللغة التركية، ها هم أعداء الأمس قد صاروا أصدقاء اليوم.
تلك سياستهم هم، أعني الحكام من هم على رأس السلطة ممن تحركهم مصالح بلدانهم، أو حتى أكون دقيقا مصالحهم الشخصية للبقاء على كراسي الحكم لأطول فترة ممكنة، ولكن ماذا عن الشعوب المقهورة التي تخرج دائما من لعبة السياسة خاسرة؟

يتغيرون ويتبدلون ويقومون بالشيء وعكسه دون غضاضة، يقابل السيسي أمير قطر، ويقابل ابنُ زايد أردوغانَ وتحتار معهم الأذرع الإعلامية والذباب الالكتروني، فما عادوا يعرفون مَن العدو ومَن الصديق، من يهاجمونه ومن يدافعون عنه، اختلط الحابل بالنابل وبات على عمرو أديب وأحمد موسى وسكاي نيوز عربية والعربية؛ أن يضبطوا بوصلتهم على متغيرات السياسة الجدية.

تلك سياستهم هم، أعني الحكام من هم على رأس السلطة ممن تحركهم مصالح بلدانهم، أو حتى أكون دقيقا مصالحهم الشخصية للبقاء على كراسي الحكم لأطول فترة ممكنة، ولكن ماذا عن الشعوب المقهورة التي تخرج دائما من لعبة السياسة خاسرة نفسها وقيمها ومبادئها ومواقفها التي تحاول أن تحلق بمتغيرات السياسة دون جدوى؟

القاعدة النبوية تقول في الحديث الشريف: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما، فعلى الشعوب أن تفكر قبل أن تنصاع للعبة السياسة وتمشي وراء حكام لا يفكرون بشعوبهم وبأضرار لعبة السياسة عليهم.
على الشعوب أن تعي أنه لا مكان لها في لعبة السياسة، فلتُعمل العقل ولتتريث في إصدار الأحكام على هذا أو ذاك. تقارب الدول والحكومات ليس من أجل الشعوب، ولذلك وجب على الشعوب أن تعي الدرس مما يجري في منطقتنا العربية الآن

يتصالحون هم ويتركون شعوبهم مقسمة في حيرة من أمرها، فكيف بالإمارات التي سبّت تركيا ورئيسها لسنوات طويلة أن تقدمه للإماراتيين في شكل الصديق والحليف المنتظر؟ وكيف لهذا الشعب أن يتعاطى مع انفصام في الشخصية كهذا؟ هل هو زر سيتم الضغط عليه ليتم التحول من حالة الكراهية لحالة الحب والترحاب؟ وكيف لمصر أيضا التي لطالما سبت تركيا واتهمتها بكل نقيصة أن تتحول فجأة للترحيب والثناء على أردوغان وزيارته للإمارات؟

على الشعوب أن تعي أنه لا مكان لها في لعبة السياسة، فلتُعمل العقل ولتتريث في إصدار الأحكام على هذا أو ذاك. تقارب الدول والحكومات ليس من أجل الشعوب، ولذلك وجب على الشعوب أن تعي الدرس مما يجري في منطقتنا العربية الآن، فحالة الانقسام التي صنعتها الإمارات والسعودية مع تركيا وقطر وحولتا بموجبها العالم العربي إلى معسكرين متضادين؛ لم تضر أكثر من الشعوب التي تعاملت مع المعادلة وكأنه معسكر حق وباطل، والواقع يقول إنه لا حق إلا حق الشعوب في الحياة الكريمة ولا باطل إلا باطل لعبة السياسة التي يخرج منها الحكام دوما فائزين.

twitter.com/osgaweesh
التعليقات (0)