هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
خلص تقرير "مؤشر السعادة العالمي" لعام 2022، الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، والمدعوم ببيانات "جالوب" للإحصاءات، إلى أن مصر تأتي بالمركز 129 عالميا في مستوى سعادة الشعوب، ضمن قائمة احتوت على 148 دولة.
واعتمد تقرير السعادة العالمي في تصنيفه، على مجموعة عوامل منها: "نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط الدعم الاجتماعي، ومتوسط العمر المتوقع الصحي، وحرية اتخاذ خيارات الحياة الخاصة به، وكرم عامة السكان، وتصورات لمستويات الفساد الداخلي والخارجي".
— شبكة رصد (@RassdNewsN) March 19, 2022
وفي سياق متصل، احتلت مصر المرتبة الأولى عربيا من ناحية معدلات الانتحار، بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، متفوقة في ذلك على دول تشهد نزاعات مسلحة وحروبا أهلية، حيث شهد عام 2019 وحده انتحار 3022 شخصا.
مؤشران خطيران
وفي هذا السياق، قالت المستشارة الأسرية والتربوية منال خضر، إن "المؤشرين لا ينفكان عن بعضهما ووجود أحدهما يعني وجود الآخر، ولعل فقدان الأمل وتفكك الوحدة الأسرية، وزيادة عدد الفقراء وحالة الغلاء وضغوط الحياة اليومية على الأسر المصرية تخلق أسرا مضطربة اجتماعيا واقتصاديا".
وأفادت خلال حديثها مع "عربي21"، بأن "هناك بعض الآباء لا يستطيعون المكوث في بيوتهم هربا من مواجهة أولادهم وزوجاتهم بمتطلبات الحياة من طعام وشراب وعلاج وتعليم وكسوة وغيرها في ظل ضعف الأجور".
واعتبرت أن "الأسوأ هو تسرب التعاسة إلى الشباب الذي فقد شريحة كبيرة منه الأمل في الحصول على وظيفة أو مؤهل عال دون وساطة"، مشيرة إلى أن "تآكل الطبقة الوسطى بشكل تدريجي، أدى إلى تزايد الحقد بين الطبقات".
ونوهت إلى أن الإعلام، الذي يعطي نماذج خاطئة للثراء الفاحش، ولا يصور المجتمع المصري الكادح على حقيقته، له دور كبير في زيادة هذا الحقد، الذي يزداد يوما بعد يوم بين الأغنياء والفقراء.
وأضافت: "إن غياب الأمان في العمل ولقمة العيش، هو أهم سبب من أسباب التعاسة والانتحار"، محذرة من أن "فقدان الإيمان بالمستقبل وغياب العدالة وانصراف المجتمع عن مساعدة بعضه البعض إلى جانب غياب دور الأسرة والمجتمع المدني ومؤسسات الدولة في زيادة الوعي، قد يلعب دورا هاما في زيادة هذه الأمور".
اقرأ أيضا: مصر الأولى عربيا في حالات الانتحار بـ2021.. ما هي الدوافع؟
الانتحار.. ظاهرة مجتمعية وتجاهل حكومي
وعلى صعيد متصل، شارك "المعهد المصري للدراسات"، تقريرا، رصد فيه وضع حالات الانتحار في مصر خلال الثلاثة أعوام الماضية، موثقا ما يقرب من 1511 حالة انتحار في هذه الفترة، وقال: "هذه الإحصاءات تؤكد أن هذه الظاهرة في تزايد خاصة بين قطاعات عمرية معينة صغيرة السن، وكذلك بين قطاعات العزاب، ثم المتزوجين، وتزيد بشكل أكبر معدلاتها بين الذكور بنسبة الثلثين في أغلب الأوقات".
ونوه إلى أن الحكومة المصرية لا تتعامل بشفافية مع هذه الظاهرة، فلا تصدر وزارة الصحة أو الداخلية إحصاءات واضحة بعدد حالات الانتحار، مشيرا إلى أن هذا يدل على عدم الجدية في معالجة الظاهرة من ناحية، ويفتح الباب من ناحية أخرى أمام اجتهادات المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني في تقدير حالات الانتحار.
ودعا التقرير "المؤسسات الحكومية إلى مواجهة خطر تزايد هذه الحالات، في ظل توجه الدولة إلى التخلي عن مسؤوليتها في توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، ومن أهمها الحق في الصحة والتعليم والعمل، والحق في السكن وغيرها".
تكالب التعاسة والانتحار
وتعليقا على ذلك، قال الباحث العمالي والحقوقي بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، كريم نوبي: "تعددت أسباب التعاسة والانتحار في المجتمع المصري، وعلى رأسها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ولا نستثني النفسية، كلها أسباب تجعل أصحابها أقل سعادة وتعساء".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "على سبيل المثال، فإن غلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار يوما تلو الآخر لا تنشر السعادة ولا تجلب إلا التعاسة، ربما تكون الحكومة لا ترى ولا تقرأ تلك التقارير الدولية".
وأشار إلى أن "مظاهر الانتحار ارتبطت مع مظاهر التعاسة. الإنسان عندما يشعر بفقدان الأمل في شتى النواحي مثل البطالة والجهل والمرض والجوع فماذا تبقى له؟".
دور حكومي و إعلامي سلبيان
من جانبها، وصفت الكاتبة والصحفية ورئيسة مجلس إدارة الاتحاد العالمي للنساء وممثلة المرأة المصرية، إلهام عبد الله، تلك التقارير بالمقلقة، وقالت: "تذيل مصر مؤشر السعادة وارتقاؤها في قائمة الدول العربية الأكثر انتحارا مؤشران خطيران لا يمكن غض الطرف عنهما، وأغلبها يعود إلى أسباب تفشت بشكل كبير في المجتمع مؤخرا".
وأوضحت في تصريحات لـ"عربي21": "من بين تلك الأسباب الفقر والتفاوت الطبقي وفقدان العقيدة ونقص الإيمان والبعد عن الدين، والترويج في الإعلام للأفكار العدوانية، وتقديم دراما تعتمد على البذخ وأعمال البلطجة في المسلسلات والأفلام في الوقت الذي لا يجد البعض قوت يومه، فيتحول الفقر إلى حقد وغل وحسرة وفقدان الأمل وهذا يرجع لنقص الإيمان والاضطرابات النفسية خاصة الاكتئاب".