هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع اقترب شهر رمضان المبارك، تتصاعد مخاوف الاحتلال الإسرائيلي من تفجر الأوضاع في مدينة القدس المحتلة كما حدث العام الماضي، حيث اتخذت تل أبيب العديد من الإجراءات في المسجد الأقصى، لتبريد الأجواء.
ويحاول الاحتلال تجنب تفجر الأوضاع، ولأجل ذلك قام قادته ومن بينهم رئيس الحكومة نفتالي بينيت ووزير الحرب بيني غانتس، بزيارات عدة إلى واشنطن والأردن والإمارات ومصر، في محاولة لدفعها إلى العمل على تجنب اشتعال الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إجراءات إسرائيلية
وبهدف نزع فتيل الانفجار، خوفا من تكرار سيناريو رمضان الماضي الذي شهد "هبة القدس"، فقد تحدثت سلطات الاحتلال عن العديد من الإجراءات للتهدئة، من بينها السماح للصلاة في رمضان دون قيود، ورفع الحواجز من ساحة باب العمود وعن أبواب الأقصى، والسماح لأعمار مختلفة بالصلاة في الأقصى، إضافة إلى السماح بزيارات أسرى فتح من غزة، ووضع برنامج زيارات للعائلات في العيد بين الضفة وغزة والداخل المحتل بواسطة تصاريح خاصة.
وفي قراءته لمخاوف الاحتلال من اشتعال مدينة القدس والضفة الغربية المحتلتين في رمضان المبارك، ذكر الباحث البارز في شؤون مدينة القدس، زياد ابحيص، أن "تحذيرات الاحتلال وإجراءاته المتزايدة الناجمة عن الخوف من "انفجار الأوضاع" في رمضان يمكن فهمها بسبب "نجاح تجربة الإرادة الشعبية والمقاومة عبر معركة سيف القدس في كي الوعي الإسرائيلي، وتكريس معادلة الردع بأن العدوان على القدس والأقصى له ثمن ولا بد أن يحسب له ألف حساب".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أنه "رغم كل ما يحاول الاحتلال إظهاره من صلف ولامبالاة، إلا أنه بات يعتدي على القدس بيد مرتعشة أمكن دفعها إلى التراجع مرات ومرات حتى الآن، كما أمكن لها التقدم في مرات عدة كذلك".
اقرأ أيضا: مخاوف إسرائيلية من توتر أمني بالأراضي الفلسطينية في رمضان
وأوضح أن "الاحتلال اضطر للتراجع عن هدم قرية "الخان الأحمر" (حتى الآن) وضم كتلة "أدوميم" الاستيطانية لحدود القدس، كما تراجع عن محاولة قضم مقبرة "باب الرحمة"، واضطر للتراجع عن مشروع البوابات الإلكترونية وتفكيكها، وتبدد حلمه بالتقسيم المكاني للأقصى، انطلاقا من مبنى باب الرحمة واضطر للقبول بفتحه كمصلى".
ونبّه ابحيص، إلى أن "الاحتلال أيضا تراجع عن محاولة إغلاق ساحة باب العامود وتهجير حي "كرم الجاعوني" في الشيخ جراح في 2021، ثم تراجع ولو مؤقتا عن تهجير عائلة سالم في أرض النقاع غربا".
تراجعات كبرى
وأضاف إلى الأسباب التي تدفع الاحتلال للتهدئة، أن "هناك تقاطعا خطيرا بين "عيد الفصح العبري" وبين الأسبوع الثالث من شهر رمضان، وهو يجد صعوبة شديدة في ثني متطرفيه من جماعات الهيكل عن اقتحام الأقصى، ومحاولة فرض الطقوس التوراتية فيه، تزامنا مع رمضان، ولذلك فهو يحاول منع الرد على عدوانه عبر إشراك مختلف الأطراف، الأمريكيين والسلطة الفلسطينية والأردن ومصر".
وأشار إلى أن "مفهوم الاحتلال لنزع فتيل الأزمة؛ أنه يجب أن يضمن عدوانا بلا رد، وبما أنه في أسوأ ظرف دولي وداخلي منذ تأسيسه، فذهابه لهذا العدوان يجب عمليا أن يقابل بجباية ثمن مضاعف منه عبر الإرادة الشعبية والمقاومة، إذ إنه من الممكن اليوم أن تفرض عليه تراجعات تغير المشهد جذريا".
وأشار الباحث، إلى أن السبب الثالث "يتعلق بحالة الإرباك الإسرائيلية في قراءة المشهد والتعامل معه، فجيش الاحتلال يدعو لمنح "تسهيلات" للصلاة في الأقصى ودخول القدس، فيما شرطة الاحتلال تدعو لوضع قيود عمرية وتضييقات في الحركة على الوافدين إلى الأقصى من الضفة الغربية، واليميني المتطرف إيتمار بن غفير ينقل مكتبه إلى الشيخ جراح للمطالبة بطرد عائلة سالم في حين أن مفوض عام شرطة الاحتلال يعلن وقف إجراءات الهدم والتهجير ضد المقدسيين ومنازلهم في رمضان".
وما يؤكد حالة الإرباك التي يمر بها الاحتلال -بحسب ابحيص- أن "وزير الأمن الداخلي يحاول توجيه الشرطة بمنع اقتحامات أعضاء الكنيست للأقصى، لكن المدعية العامة ترد عليه بأن ذلك ليس من صلاحياته".
اقرأ أيضا: الشاباك يحذر من تصعيد أمني محتمل بالأراضي الفلسطينية
ورأى أن "هذا الارتباك يمكن أن يكون مفتاحيا في منع الاحتلال من درء الخطر عن نفسه رغم أنه يراه، ويزيد من احتمالات فشله في منع الرد على العدوان وفرض تراجعات كبرى، وربما يكون هذا السبب الفعلي وراء زيارات رئيس "الشاباك" ونائب رئيس هيئة الأركان ورئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية للولايات المتحدة؛ حيث جرت العادة أن تطُلع القيادات الأمنية والعسكرية القيادة السياسية على المعطيات، والأخيرة هي التي تتولى التنسيق مع الحلفاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة".
وقدّر أن "ذهاب قادة الأجهزة الأمنية للتنسيق المباشر مع نظرائهم الأمريكيين بهذه الكثافة، ربما يعبر عن قناعة مشتركة بينهم جميعا بعدم أهلية القيادة السياسية للتصدي لهذه التحديات، وأن حديثهم مع نظرائهم الأمريكان مباشرة ربما يكون أكثر جدوى، وهذا إن صح يجلي أزمة بنيوية يمكن تعميقها في حال اندلعت المواجهة في رمضان المقبل".
تثبيت معادلة ارتباط غزة بالقدس
من جهته، نبّه رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية التابع لجامعة القدس، أحمد عوض، أن "الاحتلال غير معني بانفجار الوضع في القدس ولا في الضفة الغربية، لأسباب كثيرة، منها ارتباط غزة بالقدس ما شكل معادلة جديدة، كما أن اشتعال الضفة والقدس سيؤثر على استعداداتها وخططها، وسيهز الأوضاع الهشة أصلا، ما سيؤثر على إسرائيل وغيرها".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "هناك أيضا طلب أمريكي وإقليمي بعدم انفجار الأوضاع في الأراضي المحتلة، لأن واشنطن تريد الهدوء، خاصة بعد أزمة أوكرانيا، كما أن الإدارة الأمريكية تريد أن تدعم السلطة الفلسطينية التي تعاني من ضعف كبير، بالتالي فإن انفجار الأوضاع ليس في مصلحة الإدارة الأمريكية وحساباتها المستقبلية".
وأكد عوض، أن "إسرائيل تعاني من ارتباك بين المستوى السياسي والأمني، والأخير يدرك تماما أن الأوضاع في الضفة الغربية والقدس قابلة للانفجار، ولكن المستوى السياسي يريد استغلال الأوضاع لأجل البقاء في السلطة، وهذا يظهر تعارضا بين المستويين لدى الاحتلال".
وقال: "لأجل ذلك قدم الاحتلال "تسهيلات" مزعومة، وكأنه يتفضل علينا بحقوقنا"، معتبرا أن "ما يتحدث عنه الاحتلال من "تسهيلات" هو جزء من الفكر العنصري والاستعلائي الاحتلالي الذي يسعى الاحتلال إلى تسويقه لدى الغرب والعرب، بأن تل أبيب قامت بما عليها، وعلى باقي الأطراف القيام بتهدئة الأوضاع في الضفة والقدس".
ولفت الخبير، إلى أن "ما يجري هو عملية شراء وقت، لأن ما يتحدث عنه الاحتلال ليست حلولا حقيقية، بل التفاف على المشكلة ومحاولة تبريد الأوضاع"، منوها إلى أن "إسرائيل طلبت من أطراف مختلفة تهدئة الأوضاع، في ظل استمرار قتل الاحتلال للفلسطينيين وهدم منازلهم واقتحام الأقصى واستمرار حملات الاعتقال، وكل هذه الأمور تجعل الأوضاع قابلة للانفجار".
وبين أن "لعبة الاحتلال مكشوفة تماما"، لافتا إلى أن "المقاومة الفلسطينية خلقت واقعا جديدا، وأصبحت هناك حسابات جديدة للمحتل، وأثبتت المقاومة أنها ليست متوقعة، والاحتلال لم يتوقع ردة فعلها في معركة سيف القدس".
وذكر عوض، أن "الكل اعتقد أن المقاومة لن تنفذ ما وعدت به (صد عدوان الاحتلال على المقدسيين)، ولهذا فإن موقف المقاومة يؤخذ بعين الاعتبار؛ عند إسرائيل وغيرها... وتحسب أطراف كثيرة حسابات مختلفة لرد فعل المقاومة وفي مقدمتها إسرائيل".