هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الحالة المصرية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير يمكن أن تجد تقييمات مختلفة لما حدث في مصر، ويمكن أن تَرِد أفكارًا متعددة ورؤى متنوعة، هذا أمر وارد في تلك الأحداث الكبرى التي يمكن أن تشهدها البلاد، أما أن يكون الأمر متعلقًا بمعلومات أساسية ومشاهد مسجلة فإن الأمر هنا لا يعبر عن مجرد اختلاف في الآراء ولكنه يعد تشويهًا للحقيقة وتزييفًا للمعلومة، يحاول المستبد من خلال أجهزته الإعلامية وكذلك أذرعه الفنية تشكيل سردية خاصة نافيا لكافة السرديات الأخرى مؤكدا على سرديته المنفردة بلا منازع "متسمعوش حد غيري".
لم يكن لي أي فرصة ولا أريد، أن أشاهد أعمالا فنية تأتي مصاحبة للشهر الجليل (رمضان المعظم) ولكن في الحقيقة أن ما تقوم به أجهزة الدولة الأمنية والفنية والإعلامية ضمن هذا الزخم الكبير الذي يتعلق بعمليات خطيرة من غسيل المخ الجماعي، إنما يشكل في الحقيقة أمرًا خطيرًا تقوم عليه هذه الأجهزة في سياق بناء صورة ذهنية غير التي كانت في حدث كبير من جلاله وعظمته لا يمكن أن ينسى، فإنه يحفر في الذاكرة، ويؤكد الكافة على حدوثه، إلا المستبد وزبانيته فإنهم يحاولون فرض تلك السردية بكل أساليب التعتيم والتعويم والتغرير والتزوير ضمن عمليات لا أخلاقية تعبر عن هذه المنظومة التي تدهور حالها إلى الدرك الأسفل في التعامل السياسي والأخلاقي مع عموم المجتمع وناسه.
نجد ذلك واضحا في مشاهد عدة؛ فما يمكن أن تتابعه في تقييم أحداث ثورة يناير سواء في الثمانية عشر يومًا، أو ما بعد ذلك طيلة فترة الحكم للمجلس العسكري، ذلك أن هذه الفترة وقد شاهدنا أحداثها المتتابعة بأعيننا وكيف كانت التصرفات من خلال تلك المؤسسة التي حكمت من بعد تنحي المخلوع مبارك، ومن سلوكيات مثبتة، في واقع الأمر فإن هؤلاء وكأنهم أرادوا أن يجعلوا من سرديتهم سردية لا تُنافس من خلال ما يملكونه من أدوات القوى الصلبة والناعمة على حد سواء، وفي هذا المقام فإن ورود أوصاف معينة لثورة يناير على لسان المنقلب الأكبر الذي قام بانقلابه بعد عملية غدر كبرى، وبما أسموه عملية "خداع استراتيجي" فإن الأمر يكون بذلك ضمن استراتيجية لهذه المنظومة تحاول أن تكتب تاريخًا بقلم التزييف والتزوير مستغلة كافة القنوات الاتصالية في محاولة منها أن ترسم صورة زائفة متعمدة في ذلك على ما يمكن تسميته "طمس الذاكرة" والتمويه عليها.
من المهم أن نشير إلى أن هذه المنظومة ضمن عمليات التزوير الكبرى أرادت أن تصنّع حالة من الخوف ضمن صناعة كبرى لجُدُر يصعب اختراقها تشكل حجبا على الحقيقة، وتحاول من خلال صناعة الخوف تلك أن تقدم سردية استبدادها في ثوب قشيب؛ وتمنع كل سردية أخرى من خلال ممارسات بائسة في محاولة لإعادة تشكيل العقول والذاكرة..
يبدو ذلك دورا مرسوما سابق الإعداد والتجهيز لبعض الأجهزة الإعلامية التي تدور في ذات الفلك في سياق "اكتب ثم قل ما يملى عليك" من غير تبديل أو تغيير، مستغلا كل آليات توطين صنوف القهر المعنوي واستخدام كل صنوف غسيل المخ القذر للشعوب فيما يعرف بالحروب النفسية التي تمارس ضد العدو ولا تمارس داخل الوطن، إلا أن هؤلاء قد استقر بهم الحال على أن يختاروا عدوا من داخل الوطن، وأن يقوموا بكل ما من شأنه من عمليات الشيطنة والتشويه في سياق حالة الغدر الفاضحة ذلك أن "الغادر المستبد تطارده غدرته"، ومن هنا تبدو تلك الصورة على لسانه في محاولة لتشويه هذا الحدث العظيم في تاريخ مصر المعاصر والحديث.
وكذلك من المهم أن نشير إلى أن هذه المنظومة ضمن عمليات التزوير الكبرى أرادت أن تصنّع حالة من الخوف ضمن صناعة كبرى لجُدُر يصعب اختراقها تشكل حجبا على الحقيقة، وتحاول من خلال صناعة الخوف تلك أن تقدم سردية استبدادها في ثوب قشيب؛ وتمنع كل سردية أخرى من خلال ممارسات بائسة في محاولة لإعادة تشكيل العقول والذاكرة، فتقوم في هذا السياق بالترويج لروايتها ورؤيتها عبر ادعائهم بأن ما قامت به وعليه من قطع طريق على مسار ديمقراطي لم يكن إلا عملًا ضروريا وعظيمًا قامت به من أجل أن تتفادى حربًا أهلية، هكذا يصورون ويتصورن، ومن أجل ذلك قاموا بأفعال وآليات لتشييع ذلك الخوف ضمن ترسانة من التشريعات والممارسات تصب جميعًا في جعل هذه السردية المنفردة هي السردية الوحيدة التي يمكن تداولها.
ولعل ذلك صحبه سلسلة من المحاكمات الملفقة والأحكام المبالغ فيها حتى وصلت إلى صدور أحكام إعدامات بالجملة من المؤسف حقا أن يتم تنفيذ بعضها بين الحين والآخر، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إن هؤلاء تفتقت أذهانهم لعقاب كل من أسهم في هذا الحدث من ثورة عظيمة وانقلاب غادر؛ هؤلاء لم يتوانوا لحظة في مطاردة ومحاسبة كل من تحدثه نفسه بسردية مخالفة، حتى لو كانت بالكلمة أو الأغنية، أو بغير ذلك، ومن المؤسف حقا أن تُحكَم وتُستَفتح حلقة التخويف تلك بمجموعة من المجازر البشرية قامت عليها تلك المنظومة ـ العصابة؛ أسميناها في حينه "مجازر رابعة وأخواتها، سابقتها ولاحقتها"، وبدا الأمر أن كل من شارك في هذه الثورة مؤمنًا بها مقدرًا إياها مشروع اتهام، صار مهددًا بالمطاردة أو الاعتقال، وبات هذا أمرًا خطيرًا يخرج عن حد العدو الذي اصطنعوه والخصم الذي اختاروه، فامتد الأمر إلى كل من أسهم في هذا الحدث الذي أرادوا طمسه وتشويهه، وعمدوا من جملة مطاردتهم أن يقوموا بطاردة الذاكرة ذاتها والشهود عليها بادئين بحذف ذاكرة الحدث من وسائل الإعلام والصحف المصرية ترسيخا لهذه السردية ضمن حالة من تمكين الفرقة المصطنعة حتى لو مست عصب المجتمع الأساسي في اجتماعه وفي شبكة علاقاته الاجتماعية ولحمته الوطنية "أنتو شعب واحنا شعب".
إننا بالفعل أمام معركة الذاكرة مبنى ومعنى ومغزى، وأن الذاكرة هذه لا تتعلق بفصيل بعينه وإن اتخذه هؤلاء مادة في تزويرهم ذلك، ولكن الأمر يتعلق بتاريخ مصر، وتاريخ وطن ومسيرة العسكر فيه، وكيف أنهم لوحوا ويلوحون دوما بأسلحتهم كافة صلبة كانت أم لينة،
باتت كل هذه الأمور الخانقة بهذه الشبكة المرعبة مُناخًا تٌصنّع فيه سردية وحيدة، جعلت طرفًا منها يتعلق بتسيير محاكمات اتسمت بالتلفيق الفاضح، وبنوعية قضايا ما أنزل الله بها من سلطان، حاول هؤلاء أن يلصقوا كل تهمة بهذه الفئة التي اختاروها وبالرموز التي توقفوا عندها ضمن هذه المحاكمات الانتقامية، ومن جبروت تحكمهم الفاجر في هذا المقام أن أقاموا هذه المحاكمات ضمن صناديق زجاجية مانعة للصوت لضمان عدم وصول صوت أي من هؤلاء المظلومين والواقعين تحت وطأة سجون غير آدمية بما يخالف هذه السردية، حتى أن الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي، رحمة الله عليه، قد طالب ذات مرة بجلسات مغلقة لأن لديه ما يقوله يمس أمن البلاد والعباد، وهو ما كان يشير إلى سردية أخرى يمكن أن تُروى، وبات وصف كل من يتحدث عن هذه الثورة وعن هذا الانقلاب بما لا يتوافق مع سرديتهم هارب أو مارق أو خائن.
في ظل هذا المناخ تأتي تلك الصناعة لتلك السردية المتفردة "متسمعوش حد غيري" التي أرادوا لها أن تهيمن على المشهد، ولا بأس أن يكون ذلك ضمن عمل درامي يمارس الكذب مرتكبا كافة الخطايا والذنوب في نهار رمضان ولياليه، ولكن لا يمكن أن نرى هذا الأمر الذي يطلق عنان هذا البهتان ضمن هذه السردية المتفردة، إلا باعتبار أننا بالفعل أمام معركة الذاكرة مبنى ومعنى ومغزى، وأن الذاكرة هذه لا تتعلق بفصيل بعينه وإن اتخذه هؤلاء مادة في تزويرهم ذلك، ولكن الأمر يتعلق بتاريخ مصر، وتاريخ وطن ومسيرة العسكر فيه، وكيف أنهم لوحوا ويلوحون دوما بأسلحتهم كافة صلبة كانت أم لينة، ومن خلال جوقة إعلامهم وشلة من مادة استعمالية من الفنانين الذين يتقربون إلى السلطة بقرابين تضمن وجودهم في الصورة ضمن سياسات وأدوات من قبل عصابة تدير مصر كلها لحسابها فتسيطر على الاقتصاد ومعاش الناس، وعلى الإعلام وعقول الجماهير وعلى كل ما يتعلق بعالم صناعة الصورة التي تقع في مناخ من أحوال الغدر وتشييد جدران الخوف وصناعة الكراهية حتى يمرروا سردية زائفة مزورة محاولين طمس ذاكرة عشنا عالم أحداثها ورأيناها بأعيننا، هكذا؛ المواطن في عرف هذا النظام الانقلابي الفاشي المستبد ذاكرة فارغة أو مفرغة يملأها هو بما يريد وكيفما يريد، مواطن بلا ذاكرة.