تقارير

شهداء "يوم الأرض".. جزء من الهوية الفلسطينية

يوم الأرض استحال إلى جزء من هوية الفلسطينيين ومحطة في مسيرة كفاحهم للتحرر من الاحتلال
يوم الأرض استحال إلى جزء من هوية الفلسطينيين ومحطة في مسيرة كفاحهم للتحرر من الاحتلال

في وقت يستمر فيه الشعب الفلسطيني بكافة أشكال الكفاح على امتداد الوطن الفلسطيني التاريخي؛ أحيا الفلسطينيون في الثلاثين من آذار/ مارس الماضي الذكرى السادسة والأربعين ليوم الأرض الخالد؛ حيث أصبح يوما وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني؛ يعبر خلاله عن الوحدة الوطنية في الداخل الفلسطيني والمهاجر القريبة والبعيدة، فضلاً عن التشبث بالأرض والهوية الوطنية لمواجهة السياسات الإسرائيلية الرامية إلى طمسها وتغييبها؛ وفي هذا السياق نستحتضر سير الشهداء الستة الذين سقطوا دفاعاً عن الأرض التي تعرضت وتتعرض للقضم والتهويد المتدرج في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948. وشهداء يوم الأرض هم: خديجة شواهنة، خضر خلايلة، خير ياسين، رجا أبو ريا، محسن طه، رأفت الزهيري.

دلالة ومعنى

لهبة يوم الأرض معان ودلالات هامة خلال التاريخ الكفاحي للشعب الفلسطيني، وقد لخصها الشاعر الراحل، الحاضر دائما محمود درويش في قصيدته المعروفة (الأرض)، حيث قال: "في شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرضُ أسرارها الدموية. في شهر آذار مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بنات، وقفن على باب مدرسة ابتدائية، واشتعلن مع الورد والزعتر البلديّ. افتتحن نشيد التراب. دخلن العناق النهائي ـ آذار يأتي إلى الأرض من باطن الأرض يأتي، ومن رقصة الفتيات ـ البنفسج مال قليلاً ليعبر صوت البنات. العصافيرُ مدّت مناقيرها في اتّجاه النشيد وقلبي". ويحيي الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده في الثلاثين من آذار/ مارس من كل عام ذكرى هبة يوم الأرض العارمة. 

ومنذ اليوم الأول لإنشائها اعتبرت إسرائيل مجرد وجود عدد كبير من الشعب الفلسطيني في الداخل الفلسطيني شوكة في مواجهة الاحتلال، وطبقت بحقهم سياسات ممنهجة لجعلهم هامشيين في كافة المستويات، وقد مرّ فلسطينيو الداخل بثلاث فترات بين عامي 1948 و2022، وتميزت الفترة الأولى (1948- 1966) وهي فترة الحكم العسكري الإسرائيلي، بإصدار إسرائيل عشرات القوانين بغرض مصادرة الأراضي العربية، سواء تلك التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو من أصحابها الموجودين في إسرائيل الحاضرين الغائبين الذين يقطنون في قرى ومدن غير تلك التي طردوا منها. 

فعلى سبيل المثال لا الحصر يقطن جزء من أهالي قرية صفورية في قضاء الناصرة بالقرب من قريتهم التي طردوا منها عام 1948 ويمنعون من العودة إليها، ويقدر مجموع الحاضرين الغائبين بنحو 280 ألف عربي فلسطيني خلال العام الحالي 2022. وقد بلغت مصادرة الأراضي الفلسطينية ذروتها في آذار/ مارس 1976، فتمت سيطرة السلطات الإسرائيلية على 21 ألف دونم من قرى سخنين وعرابة وغيرها من القرى الفلسطينية في الجليل والمثلث، وعلى خلفية ذلك قام فلسطينيو الداخل بهبة يوم الأرض في الثلاثين من الشهر نفسه، وسقط خلالها ستة شهداء من القرى المذكورة، وأصبح هذا اليوم يوماً وطنياً في حياة وتاريخ الشعب العربي الفلسطيني في كافة أماكن وجوده.

 

منذ اليوم الأول لإنشائها اعتبرت إسرائيل مجرد وجود عدد كبير من الشعب الفلسطيني في الداخل الفلسطيني شوكة في مواجهة الاحتلال، وطبقت بحقهم سياسات ممنهجة لجعلهم هامشيين في كافة المستويات،

 


ومحاولةً منها لتهويد ما تبقى من أراضٍ بحوزة فلسطينيي الداخل، وضعت السلطات الإسرائيلية مخططات لتهويد الجليل وكسر التركز العربي في المنطقة المذكورة، وذلك عبر أسماء مختلفة؛ في المقدمة منها ما يسمى مشروع تطوير منطقة الجليل، ومشروع نجمة داود، هذا إضافة إلى ظهور مخططات لكسر التركز العربي الفلسطيني في منطقة النقب التي تشكل مساحتها خمسين في المائة من مساحة فلسطين التاريخية؛ ومن تلك المخططات مخطط "برافر"، الذي يسعى لمصادرة ثمانمائة ألف دونم؛ وتجميع فلسطينيي صحراء النقب البالغ عددهم 250 ألف عربي فلسطيني في مساحة هي أقل من مائة ألف دونم، أي على أقل من واحد في المائة من مساحتها. 

وفي قصيدة الشاعر الراحل الحاضر دائماً محمود درويش "عابرون في كلام عابر" دلالة ومعنى حول أهمية الأرض الفلسطينية والكفاح من أجلها.

شهداء رموز للكفاح

أصبح شهداء يوم الأرض الستة أيقونات فلسطينية في كل بيت فلسطيني، يتم استحضارهم في كافة المناسبات الوطنية، وتنشد لهم الفرق الشعبية الفلسطينية بشكل لافت. فبين الساعة السابعة والثامنة من صباح الـ 30 من آذار/ مارس 1976، كان قاسم شواهنة، والد الشهيدة خديجة شواهنة يجلس مع عائلته على مصيف بيتهم في مدينة سخنين، عندما سمعوا صوت إطلاق رصاص في القرية، على الفور دخلوا جميعًا إلى البيت ليكتشفوا أن خالد، وعمره 8 أعوام ليس معهم. 

خمن الوالد، أن طفله يلعب خارج المنزل، وبسبب حظر التجول لم يخرج هو وقرر إرسال خديجة البالغة من العمر 23 عامًا آنذاك للبحث عن خالد، ظنًا منه أن جنود الاحتلال لن يمسوا صبية، ولن يعترضوا طريقها. وعندما خرجت خديجة، وعلى بعد خطوات معدودة من منزلها، دخلت كتيبة من الجنود إلى المنطقة، فحاولت خديجة العودة إلى المنزل من شدة خوفها، لكن رصاصة قاتلة سبقتها، واستقرت في ظهرها. 

كان خضر خلايلة، البالغ من العمر 27 عامًا آنذاك يجلس مع عائلته داخل منزلهم، وفي الخارج صوت إطلاق رصاص كثيف، أصابت الرصاصات جدار منزل العائلة، وسخان الماء على سطحه، سمع أفراد العائلة صوت صراخ امرأة من الشارع فخرج خضر مسرعًا وتبعه شقيقه أحمد. 

 

أصبح شهداء يوم الأرض الستة أيقونات فلسطينية في كل بيت فلسطيني، يتم استحضارهم في كافة المناسبات الوطنية، وتنشد لهم الفرق الشعبية الفلسطينية بشكل لافت.

 



يروي أحمد ما حصل يومها: "على بُعد 30 متراً من بيتنا كانت المعلمة آمنة عمر ملقاة على الأرض، بعد أن تلقت رصاصة في بطنها وتنزف بشدة، حاول خضر مساعدتها وأنا بجانبه، رأيت اثنين من جنود الاحتلال يصوبان سلاحيهما نحونا، أطلق أحدهما النار ولاذا بالفرار من المكان، وسقط خضر بجانبي مضرجًا بدمائه بعد أن أصابت الرصاصة رأسه". وكان خضر خلايلة ثالث شهداء مدينة سخنين في يوم الأرض. 

وفي مساء التاسع والعشرين من آذار/ مارس خرجت مسيرة احتجاجية في قرية دير حنا، قمعتها قوات الاحتلال بالقوة، وعلى إثرها انطلقت مظاهرة حاشدة في قرية عرابة، واستعملت قوات الأمن لقمعها الأسلحة النارية. استُشهد خير ياسين خلال المظاهرة في قرية عرابة بنيران الجنود الذين اقتحموا القرية. وفي أعقاب استشهاد خير، تمددت المواجهات مع قوات الأمن في عدة بلدات عربية. 

وعقب انتشار نبأ استشهاد خضر خلايلة في مدينة سخنين، خرج رجا أبو ريا مع عدد من الشبان مُتحدين أمر حظر التجول متجهين نحو موقع النصب التذكاري اليوم، وهناك اشتبكوا مع قوات الاحتلال، وأصيب رجا أبو ريا في وجنته اليسرى. 

وحاول سعيد أبو ريا، ابن عم الشهيد، نقله بسيارته الخاصة إلى مستشفى نهاريا، لكن جنود الاحتلال، أعاقوا وصوله مرة بعد مرة، وبحسب رواية سعيد، قال له أحد الجنود إنه لن يسمح له بالمرور حتى تأتي تعليمات بذلك، و"لا يهمني إن مات". وعندما حاول سعيد المرور رغمًا عنهم هشموا زجاج سيارته بأعقاب البنادق، وقال له أحد الجنود: "اليوم يوم قتلاكم"، ووصلوا إلى مستشفى نهاريا بعد ساعات، وأدخلوا رجا غرفة الطوارئ، واستشهد هناك. 

استشهد محسن في المظاهرة الحاشدة التي شهدتها بلدة كفر كنا يوم الثلاثين من آذار/ مارس، كان يبلغ حينها 15 عامًا عندما خرج من منزله مع صديقه للمشاركة في المظاهرة، وهناك قتله جنود الاحتلال برصاصة في رأسه. وكان رأفت الزهيري طالب هندسة معمارية في رام الله، وبحسب ما ترويه والدته، خرج رأفت (19 عاماً)، من بيته في مخيم نور شمس قرب طولكرم، متوجهًا إلى بيت أقاربه دون أن يخبرها شيئًا، وتوجه بعدها إلى مدينة الطيبة للمشاركة في مظاهرة (يوم الأرض). في مدينة الطيبة، وخلال التحضيرات للمظاهرة، داهمت قوات كبيرة من الجنود القرية، وبدؤوا بإطلاق الرصاص على الشبان، لتندلع مواجهات مع الشبان المتجمهرين، وأصيب رأفت الزهيري برصاصة في رأسه أدت إلى استشهاده. 

ومع استمرار الكفاح الوطني الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية؛ يمكن الجزم بأن معركة الأرض التي رسخها ستة شهداء في الثلاثين من آذار/ مارس 1976 ما زالت مستمرة بل إنها تحولت إلى معلم رئيسي في الهوية الفلسطينية.

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا 


التعليقات (0)