قضايا وآراء

ماذا تعلمنا من الحرب اللبنانية؟

عامر جلول
1300x600
1300x600

أُسس لبنان الكيان السياسي الحديث على أسسٍ معقدة وهجينة من حيث التلاحم الاجتماعي والتعقيدات السياسية المرتبطة بالمعيار الطائفي، مما أدى إلى نشوء كل فترة زمنية معينة أزمة سياسية تؤدي إلى صراعاتٍ كان أكثرها دمويةً الحرب الأهلية سنة ١٩٧٥. ولكن ما هو السبب؟ 

بكل بساطة عند خروج أي أمة أو شعب من الاستعمار والاحتلال يبقى رهينة للأفكار والثقافة التي نشأ عليها.. ويحتاج إلى صيرورة من الزمن للخروج من تلك السيطرة الفكرية، كان على الدولة اللبنانية بجانب اهتمامها بإنشاء الطرق والمرافق أن تنشئ مراكز لعلم الاجتماع كي تقوم بقراءة الواقع الاجتماعي وفهم طبيعة الشعوب وسلوكهم بعد استقلالهم ولكن سوف نتكلم عن هذا الموضوع في مقالاتٍ أخرى نشرح فيها أهمية هذه العملية.

13 نيسان من عام ١٩٧٥، كان يومًا أسود في تاريخ لبنان والمشرق العربي. في ذلك التاريخ، بدأت حقبة سوداء عُرفت بالحرب الأهلية اللبنانية، حيث انقسم فيها المشهد إلى يمين ويسار، وإلى مسلمين ومسيحيين.. كأن تلك الحقبة تجسد الصراع الطائفي بين الأفرقاء اللبنانيين على المستوى الداخلي، ولكن إذا أقمنا قراءة سردية ونقدية وموضوعية ندرك أن الحرب لم تكن طائفية بل كان خطابها طائفيا لتحقيق مصالح سياسية، فاليسار لا يمثل الإسلام لأنه خليط بين جميع المذاهب والفرق اليسارية، أما اليمين فهو قومي ينظر إلى الطرف الآخر على أنه عروبي يحمل في باطنه الإسلام وهذا غير دقيق.

لكن حدود الصراع آنذاك كانت أوسع مما يعتقده البعض، فلبنان رغم صغر مساحته، إلا أن موقعه الاستراتيجي وجغرافيته السياسية حوّلته إلى منطقة نفوذ وصراعات ضمن مشهد إقليمي ونظام عالمي تتصارع فيه إيديولوجيات متناقضة، وبسبب هجانة تركيبته الاجتماعية أصبح ساحة لرسائل دولية، مثل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والعراق وسوريا والاتحاد السوفييتي وفرنسا وغيرها، وأصبح لبنان من جهةٍ ساحة للصراعات الإقليمية بين البعث العراقي والبعث السوري، ومن جهة أخرى مساحة لصراعاتٍ دولية بين المعسكر الشرقي الشيوعي والمعسكر الغربي الرأسمالي.

قُتل في تلك الساحة المفتوحة عشرات الآلاف من المدنيين والأبرياء، وفُقِد الكثير، وشُرّد وهُجر الآلاف من قراهم ومدنهم، وتمّ تصفية الناس حسب انتمائهم الديني والطائفي.

لقد أفرزت الحرب المشهد السياسي الذي نعيشه اليوم، ونتج عنه هذا التدهور الأخلاقي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، كل ذلك بسبب أمراء الحرب المذكورة، فهم الذين قاموا بتقسيم المجتمع أفقيًا وعموديًا، ثم أصبحوا بعد التقسيم أمراء السلام ووزراء ونوابًا ورؤساء، إن تشرتشل الذي انتصر على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، خسر في الانتخابات بعد الحرب، لأن الشعب البريطاني قرر أنه من حقق النصر في الحرب، فلن يحقق بناء السلام! وتشرتشل كان قد حقق النصر لشعبه وبلده، بينما الأمراء في لبنان لم يحققوا سوى الدمار وإشاعة الفساد.

 

 

لقد أفرزت الحرب المشهد السياسي الذي نعيشه اليوم، ونتج عنه هذا التدهور الأخلاقي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، كل ذلك بسبب أمراء الحرب المذكورة، فهم الذين قاموا بتقسيم المجتمع أفقيًا وعموديًا، ثم أصبحوا بعد التقسيم أمراء السلام ووزراء ونوابًا ورؤساء

 



بعد انتهاء الحرب، ترسخت الطائفية السياسية أكثر فأكثر وأصبحت ثقافة حياة لا تقتصر في المشهد السياسي حتى في الترابط الأسري والعلاقات العائلية وفي العمليات التجارية وغيرها، ولكن السلوك لم يكن طائفيا إنما الخطاب الذي أدى إلى بسط نفوذ هؤلاء، والذين حوّلوا الدولة إلى شركة محاصصة واضمحلت الدولة وتكرس مفهوم النيوليبرالية، حيث الكل شريك، وله فيها أسهم وأرباح، فيما لا يحصد الشعب إلا الخسائر على كل المستويات.

 


عندما وضعت الحرب أوزارها، تبين أن الجميع قد فاز، إلا لبنان، فقد كان هو الخاسر الأكبر! حققت إسرائيل مبتغاها من خلال طرد الفلسطيني من الجنوب، وجعله محاصرًا في المخيمات، وطُرد ياسر عرفات، واستطاع النظام السوري أن يبسط سيطرته السياسية والعسكرية على لبنان لمدة طويلة، أما على الصعيد الداخلي فقد سيطرت الأحزاب على مرافق الدولة، في حين خسر الشعب كثيرًا من مواطنيه وهاجرت العقول والنخب، وفقد بقيتهم بيوتهم، وهُجروا في وطنهم، وتم تدمير اقتصادهم، ولا ننسى الذين فُقدوا في السجون السورية.

وعلى الرغم من كل تلك التجارب القاسية، التي يجب أن نتعلم منها، لا زلنا على ما نحن عليه! بينما رواندا، كمثال، البلد الذي قتل فيه ملايين البشر بسبب صراع إثني عرقي، استطاع أهله أن ينهوا الصراع، ويحوّلوا بلادهم إلى جنة سياحية، بعد أن نما نموًا سريعًا وقياسيًا. 

هل تعلمنا من تلك الحرب المخيفة؟ وإن تعلمنا فماذا تعملنا؟ بعد وصول هتلر إلى الحكم، خطب خطابه الأول في الرايخ ستاد، قال فيه: (يجب علينا ألا نعتمد على أحد أبداً، فلا تظنوا أن أي أحد يريد أن يساعد ألمانيا!).

تلك كانت ردة فعل الشعب الألماني، بعد الحرب العالمية الأولى، فهل تعلمنا نحن من الحرب الأهلية؟!

هل تعلمنا أن التنوع الطائفي والديني هو غنى فكري وثقافي وحضاري؟!

هل تعلمنا أن الإسلام والمسيحية هما شريعتان سماويتان، فيهما اختلافات عقدية، لكن بينهما قواسم مشتركة كثيرة؟!

فلنترك الخلافات، ولننظر إلى القواسم، ولنعلم أن المواطنة هي الحل، من أجل بناء دولة، تعتني بالإنسان، من باب الإنسانية، وليس باعتبار طائفته..

إن صراع الأديان عموماً، وبين المسلمين والمسيحيين صراع جدلي لن ينتهي أبداً، ويبقى علينا أن ننظر إلى نماذج، حيث يعيش الإثنان في أمان وسلام، وعلينا أن نتعلم أن هذا الصراع الثقافي والحضاري هو قيمة مضافة للوطن. فهذه الأرض أرضنا جميعاً، وواجبنا أن نعيش مع بعضنا، ضمن مبادئ أخلاقية وإنسانية وحضارية، تحت سقف القانون، حيث يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات، وقتها نكون قد خطونا الخطوة الأولى نحو بناء لبنان كوطن للجميع.


التعليقات (0)