كتب

كيف تنتقل ثقافة البياض عبر الذوات المسلمة؟

صورة النساء المسلمات المقموعات ظهرت في أواخر القرن الحادي عشر
صورة النساء المسلمات المقموعات ظهرت في أواخر القرن الحادي عشر

الكتاب: النساء المسلمات في مواجهة الأنوثية البيضاء.. التماهي والمقاومة
المؤلف: حنين الغبرا
ترجمة: عبدالله البياري
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر


تقدم حنين شفيق الغبرا، الباحثة والمدرسة في قسم الإعلام بجامعة الكويت، كتابا تحليليا استثنائيا يركز على طريقة انتقال ثقافة "البياض" عالميا، عبر "الذوات المسلمة" التي تتبنى خطاب المستعمر وتتماهى مع مضامينه، ربما، بشكل غير واع. وتناقش بشكل خاص نماذج لنساء مسلمات يتحدثن باسم مجتمعاتهن ضمن الثنائية الغربية، التي تؤدي في المحصلة إلى "طمس" هذه المجتمعات، وتكريس الصورة التي رسمها الغرب لها على حساب الواقع والحقيقة. 

كما تحاول شرح كيف "تستقبل النساء المسلمات البياض، ويعدن إنتاجه حين يحاولن التحدث باسم مجتمعاتهن، وكيف يسهم ذلك في سيطرة/ سطوة الخطاب الإعلامي؟ وإلى أي مدى يظهر خطابهن رغبة دفينة في الوصول إلى البياض، التي تظهر في توجههن نحو الأنوثية والنسوية البيضاء، بعيدا عن هوياتهن الأصلية؟"وكيف قاومت الأنوثية المسلمة، أحيانا، الأنوثية والذكورة البيضاء؟ 

وتلفت الغبرا في مقدمة كتابها إلى أن وصفها للنساء، موضوع الكتاب، بالمسلمات لا يهدف إلى وصف هوياتهن الدينية بقدر ما يشير إلى انتمائهن إلى الثقافة الإسلامية، حتى وإن لم يكن متدينات بالضرورة، مؤكدة كذلك أن مضمون الكتاب ينطبق على النساء الملونات عموما، وكيف يتشربن الأنوثية والنسوية والذكورة البيضاء، ويعدن إنتاج كل منها.

تعرض الغبرا أمثلة لمسؤولات غربيات بيضاوات تحدثن باسم النساء المسلمات، في محاولة "لتطوير فهم حول التحدث باسم الآخرين، وكيف أنه يلغي بشكل غير قصدي المجتمع الذي نسعى للتحدث باسمه"، فتحلل نماذج لخطابات رسمية لمسؤولات مثل هيلاري كلينتون، وإليزابيث تشيني، ولورا بوش، لتبيّن الآثار السلبية لحديث المسؤولات البيضاوات باسم النساء المسلمات. ثم تنتقل إلى النساء الملونات اللائي يتماهين مع تلك"الخطابات البيضاء"، فتقدم ثلاثة نماذج "بدئية متباينة تحول كل منها إلى نموذج بدئي عالمي في الإعلام والثقافة الشعبية" تمثل ثلاثة أنماط مجتمعية؛ النمط المقموع، والنمط المناصر، ونمط قادة العمل الإنساني.

العولمة والنسوية الغربية

تحت عنوان "النسوية الغربية وتهميش نساء العالم الثالث" تستكشف الغبرا سرديات كبار المسؤولين في أمريكا، في خطاباتهم بشأن المرأة في دول العالم الثالث. وتقول إن استهداف السرد والحكاية هو الأداة التي يستخدمها هؤلاء، بغرض التمكن من الهدف السياسي وتبريره، وعليه، سد الأبواب أمام أي فرصة في مصلحة المرأة الملونة أو النسويات في بلدان العالم الثالث. وهذه هي اللحظات التي يسهم فيها الخطاب في توطيد الاستعمار، بينما تعززه النسوية البيضاء، فتبقى النسوة الملونات حبيسات تلك الثنائية المعولمة. 

وتضيف أنه على مستوى سطحي يظهر هؤلاء الساسة الأمريكيون بمظهر الجامع للعرق، والجندر، والطبقة، والقومية، إلا أنهم على مستوى أعمق يخلقون فضاء مهمشا للنسوية في العالم الثالث. وتتساءل الغبرا: هل نساء العالم الثالث بحاجة لمن ينقذهن؟ ومن الذي يحدد شكل الإنقاذ ذاك وأجندته؟ هل هي خطابات المسؤولين الأمريكيين الذين يرون أن النسوية الغربية ناجحة بالقدر الذي يبرر إخراس أي سردية نسوية أخرى؟ 

 

إن صورة النساء المسلمات المقموعات ظهرت في أواخر القرن الحادي عشر، إلا أن ذلك لم يتجل بصورته الكاملة قبل القرن التاسع عشر. وهذه السردية قدمت المرأة بصفتها خاضعة، ومقموعة وأقرب إلى المستعبدة.

 



وتتابع أن على النساء الغربيات أن يعترفن بامتيازاتهن، وأن خطابهن وسردياتهن تحجب نساء العالم الثالث خارج الزمن. علينا أن نتقبل الاختلاف الذي يفرضه وجود نساء العالم الثالث، الذي يقضي أن ما تطلبه هؤلاء النسوة مختلف عما تطلبه النساء الغربيات. إن العولمة والنسوية الغربية لا تتركان مجالا لوصف وترسيم القمع الواقع على النساء والأطفال الذين يعانون بسبب الخطاب الرسمي الأمريكي. وبحسب الغبرا، فإنه بدلا من مساعدتهم يختصرون في كونهم مواد للتعاطف والشفقة، لغايات توسيع المد النيوليبرالي.

تقول الغبرا؛ إن صورة النساء المسلمات المقموعات ظهرت في أواخر القرن الحادي عشر، إلا أن ذلك لم يتجل بصورته الكاملة قبل القرن التاسع عشر. وهذه السردية قدمت المرأة بصفتها خاضعة، ومقموعة وأقرب إلى المستعبدة. وعلى العكس من النساء في أماكن أخرى، فإن قضايا المرأة المسلمة لطالما أثارت جدلا عالميا ومحليا، وهو ما خلق هوسا بالنساء المسلمات، والقول بأن تغطيتهن وتحجبهن هو لأغراض ذكورية خاصة بأزواجهن. وهي صورة باتت اليوم أحد أهم الأسلحة الأساسية للهيمنة السياسية والاقتصادية على المنطقة، إذ كانت الحرب على الإرهاب هذا القرن، مثلا، أحد أكثر أشكال الاحتلال إيلاما، وكانت الحرب تستغل بحجة استجلاب الديمقراطية والحضارة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق جنوب شرق آسيا، فإنه بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وباسم الديمقراطية، بدأت حملة استراتيجية عسكرية استعمارية دولية، كانت النساء في قلبها، بدعوة للتدخل الأمريكي على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية. وضمن هذه الاستراتيجية، كانت صور النساء المسلمات تدور في الإعلام، بالرغم من أن هذه المناطق هي موطن لعدد كبير من الأديان، ومنها المسيحية واليهودية.

البحث عن منقذ

تحلل الغبرا خطاب ملالا يوسفزاي في الأمم المتحدة عام 2013 التي تعتبرها نموذجا بدئيا للمعاناة والقمع، وتشير إلى أنها تعد اليوم وجها أساسيا للحديث عن حقوق النساء المسلمات وتعليمهن، وأنها بالإضافة إلى كونها رمزا يتردد صدى قصته في وسائط مختلفة، فإنها كذلك إحدى أهم الشخصيات السياسية الأمريكية. تقول ملالا في خطابها: "أقف هنا، فتاة ضمن الكثير من الفتيات، لا أتحدث عن ملالا وحدها، إنما باسم هؤلاء جميعا الذين لا يستطيعون التحدث. هؤلاء الذين يقاتلون من أجل حقوقهم، الحق في العيش في سلام، والحق في التعامل بكرامة، والحق في الفرص المتساوية، والحق في التعليم".

تعلق الغبرا بالقول؛ أن هذه السردية تدعم فكرة أن كل النساء المسلمات مقموعات ومحرومات من التعليم، إذ يعكس تصريح ملالا هذا مفهوم المساواة من وجهة نظر النسوية البيضاء الغربية، التي تنادي بتوفير الفرص لجميع النساء من دون النظر إلى التقاطعات والاختلافات التي تميز كل امرأة عن أخرى. وهي تعيد تأمل النساء من خلال عدسة النسوية البيضاء، فتلغي مشكلات الحصول على تعليم في الولايات المتحدة الأمريكية عبر التركيز عليها في الدول النامية، مع أن الحقيقة أن الكثير من الدول المسلمة لديها ارتفاع مستمر في نسبة محو الأمية. وتظهر ملالا قمع النساء المسلمات باعتباره أمرا داخليا، يظهر فقط في المجتمعات الإسلامية عندما تتحدث في جزء آخر من الخطاب عن أفغانستان وباكستان ونيجيريا والهند فتقول: "الفتيات يضطررن للعمل المنزلي، ويجبرن على الزواج في أعمار صغيرة. الفقر والجهل والظلم والعنصرية وغياب الحقوق الأساسية، هو ما يواجهه الرجال والنساء معا". من جهة أخرى، تلفت الغبرا إلى أن ثمة أوقاتا من "اللاتماهي" تقاوم فيها النساء المسلمات الأنوثية البيضاء، وإصرارها على ارتداء حجابها مثالا على ذلك. فهي ترفض ما يقال عن أن الحجاب رمز للقمع. وتقول: "أومن أنه من حق المرأة أن تختار ما تريد أن ترتدي، فكما تختار أن تذهب إلى الشاطئ ولا ترتدي شيئا، لماذا لا يمكنها أن ترتدي كل شيء؟".

التماهي والمقاومة

في فصل آخر من الكتاب، تبحث الغبرا في الأداء النصي لآيان هيرسي علي في كتابها "الكافرة"، المسلمة من أصول صومالية، واللاجئة في هولندا التي أصبحت عضوا في برلمانها بعد ذلك، ثم المهاجرة إلى الولايات المتحدة. وتقول الغبرا أصبحت هيرسي رمزا لدعم حقوق المرأة والدفاع عنها عالميا؛ ففي الوقت الذي نادرا ما ينأى فيه خطابها عن النسوية الغربية البيضاء والتغريب عموما، تستقي فاعليتها الخطابية من كونها متحدثة لا تحتاج إلى من ينقذها على العكس من ملالا. بدلا من ذلك ولأنها ترفض بشكل كامل السرديات التي تساند الإسلام والنساء المسلمات، فهي تصوّر على أن لها فاعلية أكبر كامرأة منفصلة عن هؤلاء. وبحسب الغبرا، فإن هذا التقمص الكامل للتفوق الأبيض والنسوية البيضاء الذي تمارسه هيرسي، يزيد من فاعلية الخطاب الغربي؛ فكلما رفضت الإسلام وتماهت مع البياض، سنحت لها الفرصة للتحدث بحرية، وترشحت لجوائز الكتابة، وازداد بروزها كشخصية عامة.

كنموذج آخر يمثل قادة العمل الإنساني، تنتقل الغبرا بالتحليل إلى نموذج الملكة رانيا، ملكة المملكة الأردنية الهاشمية. "فالملكة رانيا التي عرفت بجهودها في العمل الإنساني، وأناقتها، وجمالها، وملابسها الحديثة، أصبحت رمزا عالميا للكثيرات، فبات صوتها أقدر على التأثير. وباعتبارها تمثيلا للأمومة والإنسانية-تقول الغبرا-: بات من المهم دراسة نموذجها باعتبارها موقعا لتقديم الأنوثية البيضاء وتأمينها عالميا". لكن الغبرا تسعى كذلك "لتعريف اللحظات التي جعل أداء الملكة رانيا فيها للأنوثية البيضاء ، من أسلوبها في المقاومة، نموذجا مقبولا على مستوى العالم بسبب تقمصها لتلك الأنوثة البيضاء". 

 

إن قضايا المرأة المسلمة لطالما أثارت جدلا عالميا ومحليا، وهو ما خلق هوسا بالنساء المسلمات والقول بأن تغطيتهن وتحجبهن هو لأغراض ذكورية خاصة بأزواجهن. وهي صورة باتت اليوم أحد أهم الأسلحة الأساسية للهيمنة السياسية والاقتصادية على المنطقة.

 



تقول الغبرا؛ إنه بصعود الملكة رانيا إلى المقدمة في الساحة العالمية، فإن أحد أهم العوامل التي تعزز الأنوثية البيضاء هي الحداثة الاستعمارية والملكية التي تتبناها الملكة. فمن خلال استنساخ نماذج عالمية بيضاء، كالأميرة ديانا، تعزز الملكة رانيا أشكال الحداثة الأدائية تلك وتعيد إنتاجها. إن الجانب الأبيض للملكة، الذي يتجلى في لون بشرتها، وأدائيتها للأنوثية البيضاء كإتقانها للغة الإنجليزية بطلاقة وحداثة أزيائها، يسمح لها بالعبور بين الشرق والغرب. مثلا في لقاء تلفزيوني مع وكالة فوكس قالت الملكة: "الأمران الذي أرغب أن يفهمهما الناس، أن الإسلام لا يقبل بالتطرف، وتلك التصرفات الهمجية، كقطع الرؤوس على العلن، والاغتصاب والاستعباد، والقتل الجماعي. أعلم أن البعض يقول؛ إن ثمة آيات في القرآن تحيل إلى العنف، لكنني أرد بالقول؛ إن ثمة آيات أخرى كتلك في الإنجيل أيضا. إذا أخرجنا الشيء من سياقه لخدمة أجندات بعينها، فهؤلاء أناس ليس لديهم أي وازع أخلاقي، ومن ثم فهم يفعلون أي شيء". 

تجد الغبرا أن الملكة رانيا تستخدم كلمات بعينها لتصف العرب مثل"بربري" و"همجي"، وهو ما يقوي الصورة النمطية الدارجة عن العرب منذ قرون. لكنها في الوقت نفسه، ترفض الفكرة القائلة بربط العنف بالإسلام تحديدا. هي تخلق سردية مقابلة من خلال أدائها للأنوثية البيضاء. لو أنها كانت امرأة ترتدي برقعا على وجهها، ما كان لها أن تلج إلى الفضاء العام للبياض. وهذا الولوج مع أنه مكنها من نشر جوهر البياض، مكنها أيضا من تقديم سردية مقاومة.


التعليقات (1)
مسلم
الجمعة، 15-04-2022 12:40 م
الاساس في الاسلام الايمان بالله و التقوى و العمل الصالح و المساواة لذلك لا يجب الصاق عادات و تقاليد و نزوات شخصية بالاسلام من باب تشويه الاسلام و هذا اصبح شائع