أفكَار

الدعم الغربي لأوكرانيا.. هل نحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة؟

روسيا أمام معركة وجودية في أوكرانيا وليست حربا محكومة بأهداف استراتيجية محددة..
روسيا أمام معركة وجودية في أوكرانيا وليست حربا محكومة بأهداف استراتيجية محددة..

  

                           عبد العلي حامي الدين.. أستاذ جامعي مغربي

 

في خضم الأحداث المتسارعة على الأرض، وفي غياب مؤشرات ملموسة لإنهاء حالة الصراع القائمة بين روسيا والغرب على خلفية التدخل العسكري في أوكرانيا، هل يمكن أن نفهم خلفيات الدعم الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا؟ وهل يمكن القول بأننا على أعتاب حرب عالمية ثالثة؟ 

من خلال مراقبة سلوك الدول الغربية يتضح بأن دائرة الانخراط العملي في هذه الحرب تتسع أكثر فأكثر، وتؤشر على أننا بصدد حرب مفصلية ستؤدي نتائجها إلى تغييرات جوهرية في النظام العالمي الراهن الذي تشكلت ملامحه في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

نفحص في هذه المقالة الفرضية الآتية:
 
إن الأمر يتعلق بحرب عالمية ثالثة، لكن ليس بالمنظور الذي نفهم به الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولكن هي حرب عالمية بالنظر للأهداف الاستراتيجية المرتبطة بها وبنوعية المنخرطين فيها وبالنظر للنتائج التي ستسفر عنها، وليس مهما هنا النظر إلى حجم المشاركين فيها أو حجم المساحة الجغرافية التي تغطيها الحرب..

إننا أمام حرب محكومة بسياقات وأسباب جيوسياسة خاصة، تجعلها أقرب إلى حرب استنزاف بالوكالة، ولكن الانخراط الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي فيها سيؤدي إلى تداعيات ونتائج عالمية بالتأكيد.

انخراط أمريكي وغربي متزايد ودعم عسكري نوعي مستدام..

من الواضح أن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ماضية في الدعم العسكري لأوكرانيا وتزويدها بنوعيات من الأسلحة من شأنها إطالة أمد الحرب واستدامة حالة الصراع المسلح بين الغرب وروسيا فوق الأراضي الأوكرانية، وهو ما يؤكد المخاوف الروسية من تمدد حلف الناتو شرقا..

الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى كييف رفقة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والتصريحات التي أدلى بها على هامش هذه الزيارة تحمل دلالات قوية بالانخراط الكامل للولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحرب، لقد قال أوستن أن "بإمكان أوكرانيا كسب الحرب مع روسيا إذا حصلت على المعدات المناسبة"، كما صرح لمجموعة من الصحافيين في أعقاب لقائه بالرئيس الأوكراني زيلينسكي أن "الخطوة الأولى للانتصار هي الثقة بإمكانية الفوز"، وقال بشكل صريح: "إن الولايات المتحدة تأمل في إنهاك الجيش الروسي في أوكرانيا، لمنعه من القيام بعمليات عسكرية أخرى في المستقبل" وأضاف: "نريد أن نرى روسيا ضعيفة إلى حد لا تستطيع معه القيام بالأشياء التي قامت بها مثل حرب أوكرانيا".
 
وتعهدت عدد من دول حلف شمال الأطلسي في الأيام القليلة الماضية بإمداد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة ومعدات نوعية، وهو ما يعني أن الاستراتيجية الروسية ستضطر للتكيف مع المتغيرات الجديدة، وستتعرض لتغيرات جوهرية -ربما – لم تكن في حسابات صانع القرار داخل قصر الكرملين عندما قرر القيام بعملية عسكرية خاطفة في قلب أوكرانيا.

روسيا أمام معركة وجودية وليست حربا محكومة بأهداف استراتيجية محددة..

إن المطالب الروسية بضرورة التزام أوكرانيا موقع عدم الانحياز والتخلي عن طموحاتها بالانضمام إلى حلف الناتو والتعهد بعدم استضافة قواعد عسكرية أو أسلحة أجنبية على أساس وضع شبيه بالنمسا أو السويد، مع ضرورة نزع سلاحها بالشكل الذي لا يسمح بتهديد أمن روسيا في المستقبل، أصبحت الآن رهينة بإثبات التفوق العسكري ليس اتجاه أوكرانيا ولكن اتجاه القوى الغربية التي تبدو مصممة على إضعاف روسيا وإنهاكها في هذه الحرب ودفعها للتخلي عن طموحاتها وتطلعاتها بالحفاظ على مكانتها كدولة عظمى لها كلمتها داخل النظام الدولي.

وهو ما يجعل روسيا بقيادة بوتين أمام معركة ذات طبيعة وجودية وليست فقط حربا محكومة بأهداف استراتيجية محددة ودقيقة.

وما يعزز هذا التحول أن الهدف الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية من إطالة هذه الأزمة أصبح واضحا ومعلنا وهو يتمثل في إضعاف روسيا وتقويض إمكانات الجيش الروسي، وهو ما يتضح بشكل جلي من خلال قرارات الرئيس الأمريكي المتمثلة في فرض عقوبات تهدف إلى منع موسكو من تطوير وإنتاج أسلحة جديدة، بالإضافة إلى حظر توريد ناقلات الطاقة الروسية.

صحيح أن جو بايدن صرح بعدم إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا، كما استبعد إمكانية فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، لكن حجم الدعم السياسي والعسكري والدبلوماسي وحجم القرارات والعقوبات الاقتصادية التي كانت وراءها الولايات المتحدة الأمريكية تعني أن الأزمة تحولت إلى مواجهة مباشرة بين القوتين، بين أمريكا وروسيا، لم يسبق أن عاشها الطرفان بما في ذلك في زمن الحرب الباردة.

لا اتفاق في الأمد المنظور وسيناريو الحرب النووية وارد..

لقد تابعنا بداية التدخل العسكري الروسي الذي كان يتطلع إلى تنفيذ هذه العملية الخاصة دون التسبب في خسائر لا داعي لها للأوكرانيين، وقامت روسيا بتسويق الاعتقاد بأنها تعتبر الأوكرانيين أشقاء سلافيين؛ وتريد بناء علاقات جيدة معها، ولذلك فإن قواعد الاشتباك الروسية كانت حذرة للغاية في البداية، ولم تنزلق إلى إثارة كل ما من شأنه تعميق قيم الكراهية والعداوة بين الشعبين، وتجنب الروس قصف النظام الكهربائي وأنظمة الإعلام، وأنظمة إمدادات المياه، والجسور، وما إلى ذلك.

لقد حاول الروس الحفاظ على البنية التحتية لأوكرانيا في حالة جيدة، ورأينا كيف أن روسيا هيمنت على المجال الجوي لكنها لم تدمر أنظمة السكك الحديدية ولم تدمر محطات الطاقة ولم تقصف المباني السيادية وسط كييف عاصمة أوكرانيا..

 

كان الهدف الوحيد للناتو هو الدفاع عن نفسه ضد الاتحاد السوفييتي، لكن هذا الأخير لم يعد موجودا، وحلف وارسو لم يعد موجودا، ولم يعد هناك هدف لاستمرار الناتو في الوجود، ومع ذلك، فإن الإبقاء على الناتو لا يفسره إلا الإصرار على الإبقاء على عدو مستقبلي، حاول في البداية أن يكون جزءًا من الغرب، لكن لم يسمح له بذلك، وهو ما أنعش الذاكرة التاريخية لروسيا..

 



لقد ظهرت الآلة العسكرية متحفظة بشكل غريب، وهو ما لا يمكن تفسيره إلا بالرهان على استسلام الطرف الآخر للشروط الروسية على أمل تحقيق اتفاق يضمن السلام لأوكرانيا ويحقق الأمن الاستراتيجي لروسيا.

لكن يبدو أن الحسابات الاستراتيجية للقوى الغربية وللإدارة الأمريكية على الخصوص اقتضت تحويل أوكرانيا لساحة مواجهة مباشرة مع العدو الاستراتيجي ألا وهو روسيا.. 

إن مؤشرات استمرار هذه الحرب واستدامتها أصبحت تتجاوز الأسباب التي تحكمت فيها منذ البداية، وهو ما يجعل إمكانية الوصول إلى اتفاقات سلمية مستبعدة جدا في الأمد المنظور ويفتح المجال أمام سيناريوهات مرعبة تمتح من نظرية " الدمار المتبادل الحتمي" التي جرى تطويرها في ذروة الحرب الباردة، والتي تعني أن إمكانية الانتقال من الحرب التقليدية إلى الحرب النووية المحدودة أو الشاملة واردة..

فمع تطور الأسلحة النووية وما تلاها من حيازة وتسلح بالقنابل النووية من قبل العديد من البلدان، فإن خطر المحرقة النووية سيبقى قائما، ومعه خطر التدمير الشامل لحضارة الإنسان فوق كوكب الأرض..
وهو ما يجعل السيناريو المثالي اليوم -من الناحية النظرية- لإنهاء هذه الحرب وتجنب الكوارث التي يمكن أن تنجم عنها تتمثل في الحسم العسكري لفائدة روسيا ولو بكلفة ثقيلة، وإلا فإن سيناريو الحرب النووية يدق على الأبواب..

إن صراعا من هذا النوع سيجعل خيار الاستمرار في هذه الحرب بالنسبة لروسيا خيارا وجوديا يتجاوز الحسابات الاستراتيجية الدقيقة المتمثلة في حماية أمن روسيا وتأمين مجالها الحيوي، وبالمقابل يجعل أوكرانيا رهينة الحسابات الاستراتيجية للقوى الكبرى..

وهو ما دفع روسيا إلى تغيير خططها العسكرية والانتقال من وصفة الحرب الخاطفة إلى حرب طويلة الأمد، وهو ما بدأت معالمه تتضح في الميدان.

بالمقابل يبدو أن الحسابات الاستراتيجية للقوى الغربية وللإدارة الأمريكية على الخصوص اقتضت تحويل أوكرانيا لساحة مواجهة مباشرة مع العدو الاستراتيجي ألا وهو روسيا.. 

أوكرانيا رهينة الحسابات الاستراتيجية للقوى الكبرى..

ينبغي الانتباه إلى استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية والتي جرى استخدامها في مناطق أخرى من العالم، وهي استراتيجية تتمثل في استخدام وكلاء في الحرب، بما فيها إمكانية توظيف جنود بالوكالة من أشد الإرهابيين شراً كما حدث في سوريا على سبيل المثال مع تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات المتطرفة، وهذه الحقائق وردت على لسان الكولونيل الأمريكي ريتشارد بلاك ، الذي خدم 31 سنة في مشاة البحرية والجيش ، ثم أصبح سيناتور بمجلس المندوبين في فيرجينيا من 1998 إلى 2006 ، وفي مجلس الشيوخ بفيرجينيا من 2012 إلى 2020 ، والذي يؤكد في حوار طويل أن أهداف البيت الأبيض لا تنحصر في إنهاك الجيش الروسي وجره لمستنقع حرب طويلة، ولكن الأمر يتعلق باستراتيجية ابتدأت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وهي تهدف إلى تفكيك روسيا نفسها وإضعافها والعمل على استغلال ثرواتها خصوصا وأنها تتمتع بموارد طبيعية أكثر من أي دولة أخرى على وجه الأرض، فهي منتج رئيسي للحبوب والزيت والألمنيوم والأسمدة، وعدد هائل من المقدرات التي ترتبط بالاقتصاد العالمي بأكمله، وهناك جاذبية حقيقية هناك تغري بالسيطرة عليها، على غرار ما جرى ويجري في أوكرانيا التي تم إلحاقها بالمصالح الأجنبية والاستيلاء على مواردها الهائلة.

ما يؤكد هذا التحليل هو إصرار الإدارة الأمريكية على بقاء حلف الناتو رغم انهيار حلف وارسو.

لقد كان الهدف الوحيد للناتو هو الدفاع عن نفسه ضد الاتحاد السوفييتي، لكن هذا الأخير لم يعد موجودا، وحلف وارسو لم يعد موجودا، ولم يعد هناك هدف لاستمرار الناتو في الوجود، ومع ذلك، فإن الإبقاء على الناتو لا يفسره إلا الإصرار على الإبقاء على عدو مستقبلي، حاول في البداية أن يكون جزءًا من الغرب، لكن لم يسمح له بذلك، وهو ما أنعش الذاكرة التاريخية لروسيا وسمح ببروز الأطروحات النظرية والفكرية التي تؤمن بالخصوصية الحضارية والثقافية لروسيا الاتحادية وبالتناقض الاستراتيجي مع الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وقدم جميع الإشارات على نزعاته الهيمنية والتوسعية..

ولذلك فإن التقدير الاستراتيجي لهذه الحرب أن أوكرانيا لا تملك قرار السلام أو الحرب، الذي يجري اتخاذه في واشنطن العاصمة، وطالما تريد الإدارة الأمريكية استمرار هذه الحرب ، فستستمر مستخدمة الأوكرانيين كوكلاء ، مهما بلغت كلفة هذه الحرب ومهما كانت آثارها التدميرية مادامت مندرجة في إطار الرؤية الأمريكية التي ترغب في تسجيل انتصار استراتيجي على الأرض بأي ثمن، ولذلك فهي لا تتردد في ضخ كميات هائلة من الأسلحة فوق الأراضي الأكرانية، ليس فقط الأسلحة الدفاعية ولكن الهجومية أيضا، فهناك ارتفاع هائل في صناعة الصواريخ والطائرات الحربية من قبل الشركات المتخصصة من قبيل Raytheon ، و Northrop Grumman، مما يؤكد أننا بصدد مواجهة عسكرية طويلة الأمد و بأبعاد عالمية واضحة..


التعليقات (2)
د. محمد سعيد
الأربعاء، 11-05-2022 08:33 ص
العزيز عبد العلي، كل ما قلته في العمق، لقد جمعت خلال شهرين كل ما فعلت وقامت به فيكتوريا نولاند، وهي وزوجها من المحافظين الجدد ومع ذلك بقيت مسؤولة عن الملف الأوكراني في إدارة أوباما وبايدن مع الرئيس بايدن. وقابلتها في 2014 في كييف وهي في الميدان. وطالما أكدت: لا يمكن ضرب القوة الروسية إلا بأوكرانيا. وقد قررت عدة مرات تغيير وزراء أوكرانيين . وأشرفت شخصيا على طريقة توزيع المساعدات العسكرية الأمريكية
عبدالله محمد
الثلاثاء، 10-05-2022 12:14 م
منطقيا اذا كانت روسيا غرقانة في اوكرانيا مع ان الغرب يساعد اوكرانيا فقط فماذا لو دخل الغرب مبا?رة بثقله مباشرة ضد روسيا المشكلة في عقلية الديكتاتور الذي بنى جيشه على الاخلاص له و ليس على الكفاءة ثم يعتقد انه قادر على حرب خارجية كما يحارب شعبه الاعزل