صحافة دولية

FP: لماذا تفشل حملة بايدن العالمية ضد بوتين؟

الولايات المتحدة قد هبطت إلى مستوى الديمقراطيات المعيبة- جيتي
الولايات المتحدة قد هبطت إلى مستوى الديمقراطيات المعيبة- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا أشارت فيه إلى أن غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا بدا في البداية بمثابة المبرر المثالي لحملة الرئيس الأمريكي جو بايدن الديمقراطية العالمية، "فأي تأييد يمكن أن يكون أفضل من مشهد ديمقراطية شجاعة تقاتل مستبدا وحشيا؟".

 

وأضافت في تقرير ترجمته "عربي21"، أنه كما قال بايدن في خطاب رئيسي ألقاه في بولندا في آذار/ مارس، كانت أوكرانيا الآن "في الخطوط الأمامية" في "النضال الدائم من أجل الديمقراطية والحرية". ولكن على الرغم من نجاح أوكرانيا على الأرض ضد جيش بوتين، فإن جهود البيت الأبيض في الأشهر التي تلت ذلك لتصوير الصراع على أنه معركة عالمية عملاقة بين الديمقراطية والاستبداد لا يبدو أنها تنجح بشكل جيد.

 

خارج الحلفاء الأوروبيين الغربيين وشركاء الولايات المتحدة القدامى مثل اليابان، فإن الكثير من بقية العالم ببساطة لا يشترون هذا التصنيف. فالمشكلة الأولى: معظم هذه البلدان إما ليست ديمقراطيات أو ديمقراطيات معيبة بشدة لدرجة أن الخطاب لا يثير إلهاما لديها. المشكلة الثانية: في نظر الكثير من العالم، فإن الدولة التي تقوم بالوعظ - الولايات المتحدة - هي ديمقراطية محطمة بشكل سيئ يجب أن تعالج نفسها أولا.

 

وتقول المجلة إن هذه المشاكل كانت واضحة في البيت الأبيض هذا الأسبوع، عندما رحب بايدن بقادة من رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ومعظمهم من المستبدين أو يمثلون دول الحزب الواحد التي لا تظهر أي مؤشرات على التحول إلى الديمقراطية. ومن بينهم: هون سين، رجل كمبوديا القوي منذ فترة طويلة ورئيس الوزراء التايلاندي برافوث تشان أوشا، وهو جنرال سابق استولى على السلطة في انقلاب عام 2014، والزعماء المستبدون في فيتنام ولاوس وبروناي. ولحسن حظ بايدن، أن رئيس المجلس العسكري في ميانمار، مين أونج هلاينج، وهو عضو آخر في رابطة أمم جنوب شرق آسيا، لم يكن من بينهم.


وفي يوم الأربعاء، اعترف كورت كامبل، كبير مستشاري بايدن في البيت الأبيض المختص بشرق آسيا، بأن المحادثات "ربما تكون غير مريحة بعض الشيء في بعض الأحيان" لكنها لم تتناول بشكل مباشر قضية ضعف الديمقراطية في المنطقة. وقال في منتدى في معهد الولايات المتحدة للسلام: "أعتقد أنه سيكون لدينا تبادل كامل ونقر بوجود اختلافات في وجهات النظر".

 

اقرأ أيضا: جيل بايدن تبعث برسالة إلى بوتين عقب زيارتها أوكرانيا

وتضيف المجلة أن معظم هذه الدول أشارت إلى عدم الانحياز في الصراع بين روسيا والغرب. حتى أن إندونيسيا، وهي عضو بارز آخر في آسيان وديمقراطية، دعت بوتين إلى قمة مجموعة العشرين التي تستضيفها في تشرين الثاني/ نوفمبر. تنضم دول الآسيان إلى دول عبر الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا - وهي دول تضم عددا من الديمقراطيات ولكنها تضم أيضا مجموعة شبه مارقة من المستبدين والديمقراطيين المشبوهين الذين يمثلون غالبية سكان العالم. وهم غير مقتنعين بأن روسيا، وهي مصدر رئيسي لإمدادات النفط والغاز، بحاجة لأن يتم قطعها عن النظام العالمي.


وعلق مايكل كوبيج، الخبير في التحول الديمقراطي في جامعة نوتريدام أن موقفهم هو "من أنت لتخبرنا ماذا نفعل أو تخبرنا ما هي حقوقنا؟ الأشخاص الذين يفوزون في التصويت الشعبي في بلدك لا ينتخبون حتى رئيسا. لذلك لا تقدم لنا المواعظ".


وفقا لتقرير صادر عن فريدوم هاوس: "عكس تراجع الديمقراطية في الولايات المتحدة وسط 16 عاما من التراجع في الحرية العالمية، عانت الديمقراطية في الولايات المتحدة من تآكل خطير".

 

ووجد التقرير أن الولايات المتحدة قد هبطت إلى مستوى الديمقراطيات المعيبة مثل بنما ورومانيا وكوريا الجنوبية وخلص إلى أن "إضعاف الديمقراطية الأمريكية لم يبدأ بضغط الرئيس ترامب المباشر على المؤسسات الديمقراطية والحقوق، وخروجه من البيت الأبيض لم يضع حدا للأزمة".


ويقول المنتقدون إنه في حين أن تأطير إدارة بايدن للصراع يعمل بشكل جيد داخل حلف شمال الأطلسي والغرب - انضم إليهم حلفاء أقوياء للولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية - يحتاج الرئيس الأمريكي إلى إعادة التفكير في مقاربته إذا كان يريد حشد المزيد من الحلفاء في جهوده لعزل وإضعاف روسيا. ويقولون إن القضية الحقيقية التي يتم اختبارها ليست الديمقراطية في حد ذاتها، بل هي قضية يمكن لمعظم البلدان تفهمها بسهولة أكبر: قدسية حدودها بموجب قواعد ما بعد الحرب العالمية الثانية التي يدعمها القانون الدولي الذي أقرته الأمم المتحدة.


هذا يتعلق بالسلامة الإقليمية وعدم استخدام القوة لتغيير الحدود، إلى جانب المعايير الدولية. وقال بروس جينتلسون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ديوك ومستشار السياسة الخارجية السابق لنائب الرئيس الأمريكي السابق أل غور: "هذه هي القضايا الأساسية.. في هذا الصدد، إنها تشبه الكويت 1990،" عندما استطاع الرئيس جورج بوش الأب أن يحصل على إجماع دولي واسع ضد الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين. وأضاف جينتلسون أنه بينما كان لديه "إعجاب كبير" بقيادة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في زمن الحرب، فإن أوكرانيا نفسها معروفة منذ فترة طويلة بأنها "ديمقراطية مشكوك فيها" وواحدة من أكثر دول العالم فسادا.


وفي تصريحات من تشاس فريمان جونيور، دبلوماسي أمريكي كبير سابق، لمجلة فورين بوليسي: "نحتاج إلى العودة إلى المبادئ الأساسية للقانون الدولي التي وضعناها جانبا بحماقة، لكن هذه ستكون مشكلة". لقد قامت الولايات المتحدة برعاية وإنشاء وفرض ما يسمى الآن بالنظام الدولي الليبرالي بعد الحرب العالمية الثانية. إذن لديك ميثاق الأمم المتحدة، الذي يضع المبادئ الأساسية للقانون الدولي. لا يمكنك خوض الحرب بدون تبرير من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي كان لدينا [في 1990-1991]. لكن هذه كانت آخر مرة التزمنا فيها بتلك المعايير. بعد ذلك، انتهكنا كل مبدأ من مبادئ القانون الدولي كنا رائدين في صياغته".


قال فريمان إن العودة إلى تلك المبادئ الأساسية، مع اتباع مبدأ "الاعتراف بالخطأ" المناسب، قد يكون الطريق الوحيد إلى الأمام إذا أرادت الولايات المتحدة أن تكسب الكثير من العالم. وأضاف أن ما لن ينجح هو التبشير بأمجاد الديمقراطية - وهي عادة أمريكية قديمة، والتي يعتقد أن فريق بايدن يلجأ إليها لتحقيق منفعة سياسية محلية إلى حد كبير.


وأضاف فريمان: "لقد اعتقدت منذ البداية أن هذا مجرد هراء.. إنه غرور أمريكي كبير. ومن المفارقات بشكل خاص أن يبرز [هذا الخطاب] خلال فترة من الواضح أن ديمقراطيتنا في ورطة عميقة ولسنا متأكدين حتى من أننا سنحصل على نقل سلمي للسلطة في عام 2024".

 

اقرأ أيضا: دعم أمريكي لكييف بـ40 مليار دولار.. هل طريق بوتين مسدود؟

وترى المجلة أن مشكلة مصداقية بايدن تمتد إلى الدول الكبرى الأخرى التي لم تتماش مع حملته. قال راني مولين، الباحث في كلية وليام وماري، بالنسبة للهند، فإن القضية لا علاقة لها بالديمقراطية ولكنها تتعلق بأمن الحدود. زعيمها الاستبدادي، رئيس الوزراء ناريندرا مودي، شعبوي يؤجج الكراهية الطائفية، بينما يسعى لإقامة علاقات مع كل من موسكو وواشنطن. منذ بداية العام، عززت الهند بشكل كبير مشترياتها من النفط الروسي بأسعار مخفضة - وهو ما يحتاجه مودي بشدة لدعم اقتصاد الهند الضعيف.


وقال مولين إن موقف مودي يتعلق بالسياسة الواقعية. وهذا يعني الحفاظ على علاقات عملية مع روسيا حتى لا يشجع على شراكة أعمق بين موسكو والصين، المعتدي المحتمل الأكثر رعبا لدى الهنود إلى جانب باكستان، التي تتمتع بعلاقة حميمة مع بكين. بالنسبة لنيودلهي، فإن القضية الأكثر أهمية هي سلامة الحدود بموجب اتفاقية بانتشيل لعام 1954 (التي يسميها الصينيون "المبادئ الخمسة للتعايش السلمي") بين الهند والصين.


على نطاق أوسع، الحقيقة الصارخة التي يجب على بايدن مواجهتها هي أن الديمقراطية كانت في تراجع منذ الحرب الباردة. "انخفض مستوى الديمقراطية الذي يتمتع به المواطن العالمي العادي في عام 2021 إلى مستويات عام 1989. بحسب تقرير صادر عن معهد V-Dem أن الثلاثين عاما الماضية من التقدم الديمقراطي قد تم القضاء عليها الآن. "الديكتاتوريات آخذة في الازدياد وتؤوي 70% من سكان العالم - 5.4 مليارات نسمة". ووجدت الدراسة أنه يمكن الآن العثور على الديمقراطيات الليبرالية في 34 دولة فقط، بانخفاض عن ذروتها التي بلغت 42 دولة في عام 2012، والتي تضم 13% فقط من سكان العالم.


أحد العوامل الرئيسية في هذا الصراع العالمي حول المعايير الدولية هو الصين الاستبدادية، التي سعت إلى إيجاد حل وسط بين روسيا والغرب. يلتزم الرئيس الصيني شي جين بينغ بشراكته مع بوتين، لكن بكين قد التزمت في الغالب بالعقوبات الاقتصادية على روسيا. يقول المسؤولون الصينيون إن بلادهم تكره اختيار أي طرف، لكن واشنطن جعلت ذلك صعبا بتصوير الصراع على أنه صراع يتعلق أساسا بالديمقراطية على النمط الغربي وليس الأعراف العالمية.


وتطمع الصين بتايوان مثل طمع روسيا بأوكرانيا، ولكن حتى واشنطن لا تزال تتبنى رسميا سياسة "صين واحدة" التي تنتهجها منذ فترة طويلة، معترفة بأن تايوان جزء من الصين الواحدة. بكين غاضبة من تآكل هذه الدعامة الدبلوماسية أيضا، حيث قامت وزارة خارجية بايدن بإزالة مثل هذه اللغة من موقع التوجيه الرسمي الخاص بها، والذي لم يعد ينص على أن واشنطن "لا تدعم استقلال تايوان". ولم تعرض إدارة بايدن أي مبادرات جديدة لفطم بكين عن موسكو.


وفي النهاية، تقوم الدول الكبرى الأخرى، حتى تلك الديمقراطية، بإجراء حسابات تستند إلى عوامل لا علاقة لها بتهديد الديمقراطية. قال الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو مؤخرا إنه سيواصل دعم مشاركة روسيا في المنتديات الدولية، مثل مجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

 

التعليقات (1)
منصور
الجمعة، 13-05-2022 06:08 ص
الجواب ابسط من ذلك بكثير و هو انه بالرغم مما فعله بوتين في سوريا فلم يرقى الى قذاره الامريكان و جرائمهم التي تركوها اينما وضعوا قدما في اي منطقه من العالم و مما يزيدهم قذاره انهم يدعون الدفاع عن حقوق الانسان و الديمقراطيه و حقوق المرأه و الطفل و حتى الحيوان !! يضعون لذلك تقييما سنوي لكافه دول العالم و مع ذلك هم آخر من حق له بالكلام عن تلك المواضيع في حين بوتين لم يتكلم يوما عن تلك القضايا ولن ينصب نفسه مدافعا عنها