هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تعرضت هذا الاسبوع ورشة رئيس الحكومة التونسية الأسبق حمادي الجبالي للتفتيش والمداهمات المتكررة والرويع للعملة والجيران وخاصة لعائلة الجبالي عبر استعمال عشرات السيارات وأستعراض للاسلحة المختلفة أمام مرأى الجميع.
الغريب أن السيد حمادي الجبالي كان اختار العمل بعرق جبينه لتوفير حاجياته وحاجيات عائلته ورفض الحصول على الامتيازات التي كانت تسمح بها الوظيفة، وليس لديه من دخل مادي غير عمله بالورشة التي تساهم في إدخال العملة الصعبة للبلاد عبر تصدير منتوجاتها التي أصبحت معروفة في عدد من البلدان.
المداهمة تأتي أياما قليلة فقط بعد إعلان الجبالي دعمه لخيار الحوار الوطني والتشاور، الذي دعا له الكثيرون ويشرف على تنزيله فريق عمل بزعامة المناضل المعروف أحمد نجيب الشابي.
الغريب في حادثة مداهمة ورشة الجبالي ليس التحقيق في سلامة المصنع وخضوعه للشروط القانونية المعمول بها، فتلك من الشروط المطلوبة لأجهزة الدولة، ولكن في الطريقة أولا، ثم في التضليل والتلبيس على الناس ثانيا بل واختلاق تهم ومحاولة إلصاقها بالجبالي وإشاعتها بين الناس، قبل أن تقول الدوائر الرقابية المعنية كلمتها.. وهو ما يؤكد أن الأمر برمته سياسي بامتياز.
معلوم لدى الجميع إيمان السيد حمادي الجبالي بسنة الحوار والتشاور وموقفه ليس موقفا طارئا، وإنما هي قناعة عبر عنها يوم كان رئيسا للحكومة، عندما دعا إلى حكومة تكنوقراط تكون نتيجة لحوار تشاركي، ثم يوم استقال من حركة النهضة التي دفع من أجل قيامها الجزء الأكبر من عمره.
ولست أدري ما إذا كانت الصدفة هي التي تفسر أن عملية مداهمة الجبالي وترويعه وعائلته وترهيب جواره بتلك الطريقة المافيوزية، جاءت في عهد المراسيم والإجراءات الاستثنائية التي يشرف عليها الرئيس قيس سعيد، أم أن الأمر نتيجة طبيعية لمسار سياسي يأبى أن ينسجم مع أشواق غالبية التونسيين والعرب إلى الحرية وتكريس سنة التداول على السلطة..
ربما الكثير من الناس لا يعرفون أن رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي هو من مكن قيس سعيد من أول "دور سياسي ورسمي معلن" وكان يتباهى به قيس سعيد في مناسبات عدة واستعمل أنصاره تلك الصفة بكثافة عند تساؤل الناس عن خلو تاريخ قيس سعيد من أي دور وطني معروف.
ففي شباط / فبراير 2013 كان قيس سعيد في غاية السعادة والزهو ـ وهو يحضر بدار الضيافة بقرطاج بجانب شخصيات وطنية مرموقة كان استدعاهم حمادي الجبالي في إطار "مجلس حكماء" من أجل تقدير الوضع القائم في البلاد حينها ولتقديم المقترحات التي تكفل الخروج من الأزمة السياسية.
كان قيس سعيد شديد الحرص للوقوف إلى جنب الرجل الوطني العملاق مصطفي الفيلالي الذي كان يتحدث عن أهمية ترسيخ سنة التشاور بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية والمدنية بالبلاد وكان يومها دعا الأحزاب السياسية إلى ما أسماه "استفاقة الضمير" .
لست أدري ما إذا كانت الصدفة هي التي تفسر أن عملية مداهمة الجبالي وترويعه وعائلته وترهيب جواره بتلك الطريقة المافيوزية، جاءت في عهد المراسيم والإجراءات الاستثنائية التي يشرف عليها الرئيس قيس سعيد، أم أن الأمر نتيجة طبيعية لمسار سياسي يأبى أن ينسجم مع أشواق غالبية التونسيين والعرب إلى الحرية وتكريس سنة التداول على السلطة..
لا أنسى بأن سعيد كان يومها ينظر بإعجاب واضح إلى السيد حمودة بن سلامة وهو يعلن بأن في وقت الأزمات تحتاج البلاد إلى منطق الحكمة والتعقل، ولهذا ثمن مبادرة رئيس الحكومة حمادي الجبالي لجمع عدد من الحكماء والشخصيات السياسة المستقلة لإجراء مشاورات وحوار وإبداء الرأي بهدف وضع خطوط عريضة والتنسيق بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية بهدف طمأنة الرأي العام والخروج من الوضع الذي كانت تعيشه البلاد.
يومها كان الأستاذ المساعد في القانون الدستوري السيد قيس سعيد شديد الحرص بأن يعلن عن مواقفه وكان أكد ضرورة أن يكون نص القانون المنظم للسلط العمومية مرنا ويواكب التطورات السياسية كما أكد لوسائل الإعلام التي حضرت لتغطية النشاط في دار الضيافة "بأن اجتماع مجلس الحكماء ليس تجاوزا للشرعية أو انقلابا عليها وإنما هو هيئة استشارية كما شدد على "أن المسار الانتقالي يحتاج اليوم إلى عدد من المراجعات التي تسمح بتوفير أكثر صلاحية لرئيس الحكومة ـ وليس رئيس الجمهورية ـ تمكنه من تجاوز الاشكالات الحاصلة وتعطيه أكثر الإمكانيات للتصرف في التحوير الوزاري."
يومها وفي رده على تساؤل بخصوص الأسماء وتاريخهم رد سعيد "أن هيئة الحكماء تبقى هيئة استشارية تقدم الآراء والمقترحات ويمكن أن تتسع لتشمل شخصيات أخرى."
وللتاريخ فإن جميع الأسماء ـ باستثناء قيس سعيد ـ كانت معروفة قبل الثورة ولهذا كان وجود قيس سعيد لافتا.
وللتذكير فإن مجلس حكماء تونس هو مجلس استشاري اُسس بمبادرة من رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي في 12 شباط / فبراير 2013 وكان يضم 17 عضوا من الشخصيات الوطنية الحزبية وغير الحزبية وهم مهدي مبروك ومصطفى الفيلالي وعبد الجليل التميمي وعياض بن عاشور وفتحي التوزري وأحميدة النيفر وصلاح الدين الجورشي وقيس سعيد وحمودة بن سلامة وبن عيسى الدمني ومنصور معلى وعبد الفتاح مورو وهشام جعيط وأبو يعرب المرزوقي.
وسؤالي للرئيس قيس سعيد: هل هذا هو جزاء المسؤول عن إشراكك في لجنة الحكماء التي كانت مبادرة للم الشمل التونسي والفصل بين الخصوم السياسيين؟ هل هذا جزاء من منحك أول دور ومكنك من الظهور بين العقلاء وقامات النضال والعطاء على امتداد سنوات يوم كنت أنت ملتزما بتعليمات نظام الديكتاتورية النوفمبرية وتسير في خط السير الذي رسمه للجميع ولم يلتزم بالسير فيه إلا قلة من الناس هم جميعهم اليوم لا يساندون بل يقاومون مشروعك الهلامي الذي ستغير به وجه العالم كما تدعي أنت وأتباعك؟
هو مجرد سؤال أثاره حدث استهداف واحد من قامات تونس، الذين أفنوا أعمارهم في خدمة حلم الانتقال الديمقراطي، الذي مازال يعاندنا ونعانده، وتلك هي طبيعة الحياة..