نشرت
صحيفة "
الغارديان" مقالا للمعلقة أروى مهداوي قالت فيه إن الصحفية شيرين
أبو عاقلة كانت شريان حياة للفلسطينيين ومقتلها هزنا حتى النخاع.
وبدأته
بالحديث عن قطة شرودنجر وهي تجربة فكرية توضح في ميكانيكا الكم تناقض تراكمه. وقالت:
"دعني أقدمك إلى تجربة فكرية جديدة وهي: شرودنجر الفلسطينية" و"يقال
لك كفلسطينية أنك تفكرين بأنك موجودة، لكنك لست كذلك. وأنا فلسطينية (مع أنني كنت أقول إنني نصف فلسطينية من خلال والدي ولكنني اليوم أرفض تقطيع نفسي إلى نصفين) وقيل لي
هذا أكثر من مرة". و"أفضل مثال لدي عندما يستمع زملائي إلى إرثي ويقولون
لي "من الناحية اللغوية" لا يوجد هناك شيء فلسطيني ولا شيء اسمه فلسطين،
ولا أحد يمكنه الجدال في اللغة، أليس كذلك؟ وهنا فأنا أختفي في نفخة الهواء هنا وهناك".
وتعلق
المهداوي أن الفلسطينيين ليسوا موجودين "إلا إذا كانوا متشددين أو مسلحين أو إرهابيين
أو حماس، ولا أحد يجادل في وجودنا عند هذه النقطة، ولا أحد يجادل في طبيعتنا الوحشية
والإرهابية. ولا جدال في وجودنا عندما نكون هدفا للشجب، فنحن موجودون عندما نكون محلا
للنقد، ولكننا لا نوجد عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان. فلا يوجد هناك سلام في إسرائيل/فلسطين
لأن الفلسطينيين هم إرهابيون لا يريدون السلام، كما يقول سرد سائد. ولا شك في هذا لأن
الفلسطينيين هم أمر خيالي وفلسطين فكرة مختلقة. فنحن موجودون وغير موجودين، وهو أمر
معقد".
وتستدرك
المهداوي بالقول: "ما الذي يدفعني لقول هذا؟ لأنه من الصعب فهم الأثر المدمر لقتل
الصحفية
شيرين أبو عاقلة، وكيف صدم مقتلها الفلسطينيين حتى النخاع، بدون أن تفهم معنى
أن تكون فلسطينيا" و"أن تكون فلسطينيا تعني أن صلاحية وجودك يحكم عليها كل
يوم، وتعني أنه يتم وضع علامة إضاءة عليك ومسحك وتجاوزك وتشويهك. وبالنسبة للشتات الفلسطيني
مثلي فهذا يعني تعودك النظر إليك بشك لمجرد إجابتك على سؤال: من أين أنت؟ ومتى انتقلت
عائلتي إلى نيويورك عندما كنت صغيرة. فمثلا، سمع شخص في أثناء لقاء لمجلس العمارة والدي
يقول إنه فلسطيني، فرد مازحا بأن عليه ألا يعقد اجتماعات إرهابية في الشقة. وكأنك تعقد
كل شهر اجتماعات للمتشددين على سطح العمارة. وعندما بدأت دراسة القانون في لندن تعرضت
لنكتة بعد أخرى حول الانتحاريين. فقد بات التعصب المعادي للفلسطينيين عاديا ومنتشرا
لدرجة أن أي غرباء سألوني عن المكان الذي جئت منه خفت أن أذكر في الجواب فلسطين".
وبالمقارنة
تقول المهداوي إن شيرين أبو عاقلة لم يكن لديها أي من هذه الهواجس فقد كانت تجسد الشجاعة.
وكانت مراسلة الجزيرة المحبوبة جزءا رئيسيا من شاشات التلفزة لمدة ثلاثة عقود، وكانت
تنهي تقاريرها بعبارة "شيرين أبو عاقلة، القدس، فلسطين المحتلة"، ولم تكن
بحاجة لإخفاء كلامها أو تعتذر عن وجودها، بل وقول الحقيقة. و"كانت أبو عاقلة أبعد
من كونها صحفية ونجمة معروفة، وكلمة "أيقونة" لا تعبر عن هذا، فقد كانت موثقة
التشرد، صوت الفلسطينيين ورمز فلسطين. وكانت تذكيرا دائما أن الفلسطينيين ليسوا مفهوما
فلسفيا مجردا، وجودهم محل نقاش بل وبشر يستحقون الكرامة. وبالنسبة لفلسطينيي الشتات،
فقد كانت أبو عاقلة شريان حياة، وقد ذهبت الآن".
وتقول
المهداوي إن أبو عاقلة لم تمت فقط بل وتم تدنيسها، وأساء زملاؤها الصحفيون لذاكرتها
عندما نقلوا خبر وفاتها من خلال الحديث عنها بصوت خانع وميع موتها بالإشارة إلى
"مواجهات"، ومنحوا مصداقية للسرد المتغير من الحكومة الإسرائيلية التي اعتبروها
أفضل من رواية شهود العيان.
وقلل
الساسة الغربيون من وفاتها في الأسبوع الماضي أثناء عملية عسكرية إسرائيلية في جنين
بالضفة الغربية المحتلة عبر مواقفهم المبتذلة بدلا من المطالبة بالمحاسبة الحقيقية.
وقامت الشرطة الإسرائيلية بتخريب جنازتها وضرب المشيعين وحاولت نزع العلم الفلسطيني
من على نعشها و"لم يكن كافيا أن تموت صوت فلسطين بل يجب محو صورة فلسطين أيضا".
وقالت
المهداوي إن كل هذا ليس غريبا، وتتذكر دخول الجنود الإسرائيليين إلى قرية والدها عندما
كانت طفلة حيث قاموا وبعنف بمصادرة العلم الفلسطيني الذي كان يرفرف هناك. لماذا سمح
لهم بعمل هذا؟ شرودنجر الفلسطيني، فهم هنا وليسوا هناك. وتقول إن من أكثر التصحيحات
المضحكة التي شاهدتها في صحيفة "واشنطن بوست" الآتي: "في نسخة أولى
من المقال جاء فيه أن إسرائيل منعت العلم الفلسطيني، ومنعت العلم في أوضاع معينة في
الماضي، لكن اليوم يصادر العلم ويعاقب من يرفعه بغرامة بناء على قوانين السلامة العامة
الإسرائيلية".
وختمت
المهداوي بقولها: "أحسن طريقة لتشريف ذاكرة أبو عاقلة هي الطلب منكم التفكير بهذا:
إذا حدث العنف أثناء جنازة فلسطينية محبوبة في وقت كانت تعرف فيه الحكومة الإسرائيلية
أن العالم كله يراقبها، فماذا يحدث للفلسطينيين العاديين في بقية الأوقات؟ فالعنف الذي
وثق أثناء جنازة أبو عاقلة لم يكن تصرفا منحرفا بل كان يوما آخر في ظل
الاحتلال".