هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يختار الكثير من الشباب المصريين، مواجهة مصير مجهول عبر الهجرة غير النظامية إلى أوروبا انطلاقا من الأراضي الليبية، على بقائهم في بلادهم، نظرا للظروف المعيشية الصعبة، لكن هذا الخيار يصطدم بمشاق عديدة، تكشف عنها "عربي21".
"عملت في مصنع بمدينة العبور 3 سنوات بألفي جنيه شهريا، لم أتمكن من بناء منزل أو الزواج أو مساعدة عائلتي؛ فقررت السفر إلى ليبيا ثم إلى إيطاليا، فباع والدي سيارته التي تؤمن دخلنا الوحيد لتدبير تكاليف السفر، والنتيجة أني لم أسافر وضاعت السيارة، ولكني نجوت من الموت".
كانت هذه كلمات أحد الشباب المصريين الذين اتخذوا طريق الهجرة غير النظامية هربا من سوء الأحوال الاقتصادية في مصر، وطمعا في الوصول إلى دولة إيطاليا عبر ليبيا حيث يعمل هناك آلاف المصريين من محافظات الدلتا والصعيد منذ عام 1990، وتغيرت حياتهم للأفضل بشكل لافت.
أكثر من ألف شاب معظمهم من الأطفال من قرية "دهمشا" و"كفر دهمشا" و"إبراش" مركز مشتول السوق محافظة الشرقية، وأكثر من 400 من قرية "ميت سهيل" مركز منيا القمح، وأعداد لا حصر لها من قرية "سلمنت" و"أنشاص" وغيرها من مركز بلبيس، جميعهم في ليبيا بين قتيل لا جثة له، ومخطوف لا أثر له، ومحبوس في السجون الليبية أو مطلوب له فدية بعد وقوعه في يد بعض العصابات المسلحة.
"الهروب إلى الموت"
والهجرة غير الشرعية حل يلجأ إليه الشباب المصري هربا من سوء الأوضاع الاقتصادية والبطالة والتجنيد لمدة 3 سنوات لغير المتعلمين، حيث إنهم يسافرون بطرق غير شرعية عبر الحدود المصرية الليبية ثم يقوم سماسرة الهجرة غير النظامية باستقبالهم في منازل بمناطق ساحلية على البحر المتوسط ثم يركبون البحر نحو أوروبا وخاصة إلى إيطاليا واليونان.
شهادات لوقائع مأساوية يحكيها بعض الشباب الذين حالفهم الحظ ونجوا من السجن عبر الحدود المصرية ونجوا من الموت المحقق في البحر المتوسط، ومن الاعتقال على يد السلطات الليبية، ومن اختطاف العصابات المسلحة، ومن عصابات تجارة الأعضاء، ونجحوا بالعودة إلى مصر.
وفقا لادعاءاتهم، فقد دفع هؤلاء الشباب، في البداية، نحو 80 ألف جنيه، (4400 دولار تقريبا)، إلى سماسرة الهجرة غير الشرعية من المصريين والليبيين، خاض بعضهم تجربة السفر عبر البحر إلى جنوب أوروبا وتعرض كثيرون للموت بعد رفض الصليب الأحمر استقبال مراكبهم التي اضطرت للعودة إلى ليبيا ليجري القبض عليهم، ودفع مبالغ تصل إلى 40 ألف جنيه (2200 دولار) للسماسرة وأكثر من ذلك للخاطفين.
"نجوت وضاعت سيارة أبي"
يقول "عبدالله. ص" (20 عاما): "قبل تفكيري في السفر إلى ليبيا تواصلت مع سمسار سفر مصري يسمى الحاج سالم الذي نجح في توصيل نحو 300 منهم إلى إيطاليا عبر ليبيا، مقابل حصوله على 10 آلاف جنيه فقط من شباب قريتي، وهو ما دفع آلاف الشباب من كل القرى المجاورة إلى الذهاب إليه لتسفيرهم".
ويضيف في شهادته لـ"عربي21"، أن "الحاج سالم رفع تسعيرته إلى 80 ألف جنيه، ما اضطر أبي لبيع سيارته التي تعيل العائلة، وسافرت بثمنها إلى ليبيا، حيث مررت من الحدود بصعوبة، فيما قبض حرس الحدود المصري على آلاف الشباب ورحلهم إلى محافظاتهم، وخسروا ما دفعوه من أموال".
ويتابع: "من نجح في عبور الحدود ولم يُقبض عليه، تعرض للاحتجاز من بعض المسلحين الذين يفرضون إتاوات ومن يدفع يسمحون له بالمرور ومن لا يدفع يكون مصيره الاحتجاز، حتى يتصلوا بأهله في مصر ويطلبوا فدية لا تقل عن 40 ألف جنيه مصري، يقبضها وسطاء مصريون".
ويؤكد أنه نجا من كل تلك المصاعب، موضحا أنه "تم تجميعنا في منزل بمدينة "عين زارة" بجوار طرابلس، وكنا نحو 1000 شخص من جميع الجنسيات، مصرية وسورية وأفريقية، ولكل جنسية معاملة خاصة أفضلها كانت للسوريين، كون الصليب الأحمر لا يرفض استقبالهم".
ويضيف: "تعرضت للموت من المرض الجلدي الذي أصابني طوال شهر رمضان الماضي، ودون علاج وأصابتني حمى شديدة أنا وكثيرين، وخلال نحو شهر ونصف من منتصف آذار/ مارس وحتى نهاية نيسان/ أبريل الماضي، خرجت رحلتان على مركبين، ولكنهما لم يصلا إلى إيطاليا، فقررت العودة إلى مصر بعدما تعافيت بعض الشيء".
اقرأ أيضا: مصر: المذيعة هالة فهمي تضرب عن الطعام لسوء المعاملة بالسجن
"نجوت من الموت وتعرضت للاختطاف"
وفي شهادة أخرى، يقول الشاب "محمود. ح" (18 عاما): "لم أحصل على مؤهل متوسط، وحاولت تعلم مهنة البناء.. كما أني زرعت الأرض ولكن دون جدوى.. حلمي أن أتزوج وأمتلك شقة، فكانت الهجرة هي الحل الوحيد أمامي، وقبل أن يحل موعد تجنيدي الذي يمتد لـ3 سنوات".
ويضيف لـ"عربي21": "جمعت مبلغ 80 ألف جنيه، وسافرت مع آلاف الشباب، ورغم ما لاقيناه من صعاب في الوصول إلى ليبيا إلا أن معاناتنا كانت أكبر بكثير في ليبيا وخاصة أننا نجحنا في البداية من ركوب مركب عبرنا به نحو الحدود الإيطالية في 4 ساعات، ولكن الصليب الأحمر رفض استقبال المركب فاضطررنا للعودة، وكان حظنا أفضل بكثير من رحلة ثانية غرق فيها أكثر من 20 شابا كان بعضهم في نفس المنزل بمدينة عين زارة".
ويواصل: "أخذنا الحاج سالم إلى حوش آخر في الصحراء بعيدا عن طرابلس، وتركنا مع بعض الحرس مع طعام قليل جدا، وحاولت مع غيري الهروب من المنزل والعودة إلى طرابلس والاتصال بأسرتي، ولكن كان ينتظرنا مسلحون قبضوا علينا ووضعونا في أماكن أخرى، وطلبوا فدية بـ40 ألف جنيه من كل فرد".
ويؤكد: "أعطيتهم رقم هاتف والدي، الذي دبر المال مع غيره من الأهالي، وخلال أسبوعين تم الإفراج عنا وركبنا طائرة في العودة إلى مطروح تكلفت نحو 4 آلاف جنيه"، موضحا أن "المصريين يدفعون عبر وسيط في مصر".
"خدعونا جميعا"
الشاب "أحمد. ش"، (23 عاما) يقول: "خدعونا جميعا"، موضحا أن "سماسرة السفر على تواصل مع جهتين مع المسلحين الذين كانوا يسلموننا لهم، عندما نحاول الخروج أو الهرب من المنازل خوفا من الموت جوعا أو القبض علينا من الشرطة الليبية".
ويضيف لـ"عربي21": "والجهة الثانية هي بعض أفراد الشرطة الليبية حيث كان السماسرة يسلموننا لهم، ثم يقوم بعض أفراد الشرطة باحتجازنا ثم الإفراج عنا، لنقع في نفس اللحظة بيد المسلحين الذين يطلبون الفدية، وبهذا نكون قد دفعنا مبلغ 120 ألف جنيه دون أن يتكلف السماسرة مليما إلا بعض الأكل".
"نجا بفضل إعاقته"
"حمادة. ف" (35 عاما) أحد الشباب المصريين الذين خاضوا تجربة الهجرة غير الشرعية خلال شهر تشرين الأول/ نوفمبر 2021، يؤكد أنه جرى القبض عليه قبل اجتياز الحدود الليبية، ومعه مئات من الشباب المصريين والأفارقة.
ويوضح لـ"عربي21"، أنه في المرة الأولى تمت إعادته إلى مقر الأمن الوطني في محافظة مرسى مطروح، والذي ظل فيه عدة أيام جرى فيها التحقيق معه، دون إحالته إلى جهات التحقيق العادية أو النيابة، ليجري إطلاق سراحه لاحقا كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وأضاف أنه حاول مجددا اختراق الحدود المصرية الليبية بمساعدة وسطاء يعرفون دروبها، إلا أنه جرى اعتقاله مجددا وترحيله إلى مقر الأمن الوطني بمرسى مطروح، ليجري التحقيق معه لعدة أيام، ثم جرى ترحيله لمقر الأمن الوطني في عاصمة محافظته لنحو أسبوعين ومنها إلى مقر الأمن الوطني بالمركز التابع له.
اقرأ أيضا: صدمة لـ"فتى الزرقاء" ووالدته بعد حكم على والده (فيديو)
"لا أحد يهتم"
بعض الأهالي الذين لا يعلمون شيئا عن مصير أبنائهم تحدثوا إلى "عربي21"، مؤكدين، أنه "لا أحد يهتم بهم أو يسمع منهم، حيث يعتبرونهم مجرمين يستحقون العقاب لا أنهم يحتاجون المساعدة لإنقاذ أبنائهم من الموت إن كانوا أحياء".
وأوضح الأهالي أن النائبة السابقة في البرلمان عن حزب "مستقبل وطن" بمدينة مشتول السوق، سحر عثمان، هي الوحيدة التي تفاعلت مع أزمتهم، حيث تواصلت مع وزارة الخارجية التي تواصلت مع السفارة المصرية التي قامت بدور في الإفراج عن بعض الشباب المقبوض عليهم في السجون الليبية.
ويقول أحدهم: "سافر إبني (إسلام. ف) قبل شهرين مع آلاف الشباب، ورغم أنني طالبته كثيرا بعدم السفر إلا أنه أصر وقمت ببيع جزء من قطعة أرض هي كل ما أملك ودفع نحو 80 ألف جنيه، وكان على اتصال دائم بنا، حتى ركب المركب المرة الأولى ولكنه عاد وأخبرنا بأن المركب لم يصل وأنه سيركب مرة أخرى".
ويضيف: "فشلت الرحلة الثانية أيضا، وفوجئنا باتصال يطلب مبلغ 40 ألف جنيه فدية له، ولا نعرف عنه شيئا لأكثر من أسبوعين، ولا يعرف عنه أحد من زملائه من نفس القرية شيئا".
"ملف مسيس"
ونجح النظام المصري في منع عمليات الهجرة غير النظامية عبر "مراكب الموت" من المياه المصرية، ما دفع المصريين إلى محاولة الهجرة عبر بلدان ليبيا وتونس والمغرب.
وطالما استخدم رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي ملف الهجرة غير الشرعية للضغط على دول الاتحاد الأوروبي، لوقف انتقاداتها المتواصلة حول ملف حقوق الإنسان، وتحقيق بعض المكاسب مقابل منع تلك الهجرات من الأراضي المصرية سواء للمصريين أو الأفارقة.
وقال مصدر إعلامي مقرب من جهات أمنية مصرية لـ"عربي21"، إن "النظام في مصر يتجه الآن للتركيز على قضية الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا من الأراضي المصرية عبر البحر المتوسط أو من حدودها الغربية مع ليبيا ومنها إلى دول جنوب البحر المتوسط إيطاليا واليونان وإسبانيا".
المصدر الذي يعمل في فضائية "دي إم سي" التابعة للشركة المتحدة التي تمتلكها الأجهزة الأمنية المصرية، قال إن التعليمات التي صدرت إلى جهاز الأمن الوطني في مصر (أمن الدولة سابقا)، والتي نقلها أحد المقربين منه في الجهاز التابع لوزارة الداخلية، أن تكون الأولوية الآن لمكافحة الهجرة غير النظامية، بدلا من السياسيين والمعارضين.
وأوضح أن هذا التوجه يأتي إثر تعهدات من رأس النظام في مصر عبدالفتاح السيسي لدول الاتحاد الأوروبي، وخاصة إيطاليا، وذلك مقابل الحصول على ملايين الدولارات كمساعدات من الاتحاد الأوروبي بجانب معدات بحرية وأجهزة لمراقبة السواحل المصرية لدعمها في وقف الهجرة غير الشرعية.
"إحصائيات مؤلمة"
وتقدر منظمة الهجرة التابعة للأمم المتحدة أن عدد المهاجرين الذين يصلون إلى إيطاليا بالبحر انخفض إلى 44 بالمئة من عام 2017 إلى 2021، إلا أنه وبعد خفض دول العالم الإجراءات الاحترازية مع تراجع انتشار جائحة "كورونا"، عادت الهجرة غير الشرعية بقوة في الأشهر الأولى من 2022.
وفي تموز/ يوليو 2021، كشف تقرير، للمنظمة الدولية للهجرة (مقرها جنيف)، أن 1146 شخصا لقوا حتفهم بالبحر أثناء الهجرة غير الشرعية لأوروبا بالنصف الأول من 2021، بينما توفي 513 شخصا بنفس الفترة من 2020، ونحو 674 عام 2019.
وبحسب تقديرات المنظمة فإن هناك 587 شخصا غرقوا بالبحر المتوسط نتيجة الهجرة غير الشرعية عام 2018، و1773 شخصا عام 2017، طبقا للجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، منهم 151 طفلا، وإن نسبة الأطفال دون الـ18 عاما من المهاجرين بلغت 58 بالمئة، طبقا لإحصائية اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.