هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للصحفي الإسرائيلي ميرون رابوبورت، عن جنازة الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي دفنت الجمعة الماضية وسط قمع إسرائيلي صارخ، وعنون مقاله بـ "شيرين أبو عاقلة: قوية ولكنها غير آمنة، لم تعد إسرائيل تحترم كرامة الميت".
وتساءل الكاتب في المقال الذي ترجمته "عربي21"، "لماذا تجد الشرطة الإسرائيلية ضرورة لإرسال قوة مدججة لتمزيق العلم الفلسطيني الذي لف به نعش الصحفية شيرين أبو عاقلة وبطريقة عنيفة وكاد فيها النعش أن يسقط على الأرض؟".. و"لماذا اعتبر العلم الذي لف فيه نعش صحفية تهديدا لوجود إسرائيل؟".
وقبل الإجابة على هذه الأسئلة فشغب الشرطة ضد حملة نعش أبو عاقلة والصور العنيفة ستظل حاضرة في الإعلام والذاكرة لمدة طويلة. فالصور لم تزعج ملايين الفلسطينيين الذين كانوا يراقبون الجنازة على الهواء ومئات الملايين من العرب ومثلهم حول العالم فحسب، بل وعددا أكبر من الإسرائيليين ممن ليسوا راديكاليين.
وأضاف أن التأكد من توفير دفن كريم لجسد الميت، عادة إنسانية قديمة وحتى وقت الحرب، فالموت مستثنى منها.
وتابع بأن ما حدث الجمعة الماضية، عندما خرج نعش أبو عاقلة من المستشفى الفرنسي في القدس يمكن أن يكون حالة لا تقارن بأي شيء. فلم يحدث الاعتداء على حملة نعشها وسط معركة حامية، ولم تكن أبو عاقلة مقاتلة، ولا حتى زعيمة سياسية ولكنها كانت صحفية مدنية تقوم بعملها، وفوق كل هذا، لم يكن الذين تدفقوا حول نعشها أفرادا عشوائيين يتصرفون من عند أنفسهم، بل شرطة أرسلهم قادتهم للهجوم على كرامة الميت. وربما كان هذا هو السبب الذي جعل هذه المناسبة تولد مشاعر قوية وردودا عاطفية.
اقرأ أيضا: جيش الاحتلال لن يحقق مع القناص قاتل شيرين أبو عاقلة
وكون ما جرى حدث تحت عدسات الكاميرا وعندما شاركت الشرطة (الإسرائيلية) فيه، وكان قادتهم قطعا يعرفون أن كل الفلسطينيين سيشاهدون المشهد وهو يتكشف أمامهم وهو ما يجعله سيئا جدا. ليس لأنه خلق كارثة علاقات عامة لإسرائيل أو لأنه وحد الشعب الفلسطيني، "لكن لأن هناك شكا بأن هذه الأفعال تمت عن قصد. وتمت تحت عدسات الكاميرا لإرسال رسالة إلى الفلسطينيين، وهي ألا شيء مقدس لهم نعتبره مقدسا لنا، ولن يقيدنا شيء حتى الواجب القديم في تشريف والحفاظ على كرامة الميت، فلن يتم احترامها هنا، طالما كان الميت فلسطينيا. وكان الأمر مثل: راقب وتذكر".
وأضاف، أنه خلال العشرين عاما، "ابتلعت" إسرائيل الفلسطينيين بشكل كامل. وتوسعت المستوطنات والبؤر الاستيطانية وتضاعفت، وتحولت السلطة الفلسطينية من أداة لتحقيق استقلال فلسطين إلى متعهد أمني لإسرائيل.
ويرى الكاتب أن تل أبيب لم تعد واعية بأن الفلسطينيين أصبحوا "مشكلة داخلية"، كما كتب مناحيم كلاين، فمن ناحية، فالموقف الرسمي للحكومة الإسرائيلية التي يقودها نفتالي بينيت ينظر باحتقار إلى أي شكل من المفاوضات مهما فعل الفلسطينيون. وتحدث بنيامين نتنياهو من خلال شرط "يتخلون عن شيء مقابل حصولهم على شيء"، أما بينيت فهو يتجنب حتى هذه الصيغة. ومن جانب آخر، هناك إجماع يهودي يرى أن منح الفلسطينيين حقوق المواطنة بل وحق الإقامة للعيش في ظل حكم إسرائيلي سيهدد الهوية اليهودية للدولة. وما تقدمه إسرائيل للفلسطينيين هو بقاؤهم في المجهول بدون حقوق وطنية أو سياسية. ويؤكد هذا الوضع المجهول على ضرورة محو الهوية الفلسطينية- ليس كجماعة ولكن كبشر، فهي تطالب بمحو إنسانيتهم.
وأضاف أن هذا يفسر انتهاك "إسرائيل" للتابوت الذي يحرم المس بحرمة الميت في جنازة أبو عاقلة. لأن الشرطة الإسرائيلية تنظر للأشياء من أن الفلسطينيين ليسوا بشرا ولا حقوق لهم مثل بقية البشر: دفن مناسب.
وأشار إلى أن تصرف "إسرائيل" في جنازة أبو عاقلة يعكس ضعفا، ليس لأنها ليست قوية، ولكن لأن تصرفها ينم عن دولة فقدت طريقها. فلا فكرة لديها حول كيفية إنهاء النزاع مع الفلسطينيين، على المدى البعيد أو القريب، والشيء الوحيد الذي لديها هو التلويح بالقوة سواء في جنين أم القدس.
ومن الصعب تصديق أن أيا من عناصر الشرطة الإسرائيلية في القدس يعتقدون أن عدم تلويح الفلسطينيين بالأعلام سيدفعهم للتخلي عن هويتهم أو يقبلون بحكم إسرائيل. وحتى إنجاز إسرائيل بإغلاق القنصلية الأمريكية وعدم فتحها جعلها أقل فلسطينية.
ليس لدى "إسرائيل" أي شيء للتقدم سوى العنف والمحاولات البائسة لمحو الهوية الفلسطينية وتقديم كل شيء يحدث على أنه "إرهاب". وبعد سبعة أعوام من انتزاع شرطة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا علم المؤتمر الوطني الأفريقي من جنازة كيريل، دخل زعيم الحزب نيلسون مانديلا إلى قصر الرئاسة في بريتوريا، وهذا لا يعني أن الاحتلال الإسرائيلي سينتهي بعد سبعة أعوام بل ويذكر أن القوة المفرطة لا تضمن النصر بل على العكس.