هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تم تداول تسمية القوى الفاعلة للتعريف بوزن ومكانة ممثلي بعض المجموعات المسلحة الذين اجتمعوا في المغرب الأسبوع الماضي، وبالطبع لإعطاء الاجتماع قيمة وتبريرا، فبحسب ما تم تداوله فقد كان الحاضرون فواعل ذوي وزن على الساحة العسكرية والأمنية، كما أن التقاطع بين القوى العسكرية في الجبهة الغربية والشرقية يضيف إلى قيمة الاجتماع ووزنه.
ولهذا الاجتماع دلالاته التي يختلط فيها السياسي بالأمني والمصلحي الخاص، فإن اعتبر البعض أن الاجتماع يمكن أن يكون رديفا للتفاوض الجاري في القاهرة والذي يتطلب امتدادا أمنيا وعسكريا بالإضافة للمسار السياسي خاصة أنه جاء بعد اجتماع مجموعة العشرة العسكريين، فإنه يمكن أن يفهم بأنه مؤشر على عدم الثقة في خيارات السياسيين أو قدرتهم على الوصول إلى صيغة توافقية تعالج الوضع المأزوم جدا.
تخبط الساسة في الجبهتين الغربية والشرقية والموقف الشعبي الساخط ضدهم قد يكون من بين دوافع تحرك القوى العسكرية الفاعلة، خاصة في الجبهة الغربية، للبحث في سبل احتواء النزاع بين الغرب والشرق، وعدم رهن المصير والخيارات بأيدي من فقدوا التأييد الشعبي.
وإذا قبلنا بما ذهب إليه البعض من أن أطرافا دولية كانت خلف الاجتماع ووراء التقريب بين المكونات العسكرية في الغرب والشرق، فقد تكون الغاية هي بالفعل ممارسة ضغط على الساسة في القاهرة لجسر الهوة بينهم والتعجيل بالتوافق.
ولأن الأطراف الدولية تتخوف من وقوع مواجهات والعودة للاحتكام للقوة في حال فشل الحوار السياسي، فقد يكون من بين أهداف الاجتماع منع أي انزلاق باتجاه صدام جديد على غرار ما وقع في أبريل 2019م.
يمكن فهم الاجتماع في إطار تحريك وتفعيل كافة المسارات الممكنة للتقارب بين الخصوم ومنع العودة للقتال، وهو بالمقابل علامة على تعقيد المشهد ومؤشرا على صعوبة احتواء الأزمة التي بات أطرافهما كثيرون وملفاتها عديدة ومعقدة.
ملف السلطة التنفيذية والصراع القائم بين حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد ادبيبة والحكومة الليبية برئاسة باشاغا قد يكون من بين أهم الملفات التي من أجلها تم الترتيب لهذا الاجتماع، وقد تكون الغاية إيجاد إطار عسكري وأمني لبحث أزمة الحكومة والتوصل إلى حل لها باعتبار أن المشاركين فيه من ضمن أهم الفواعل في ترجيح كفة أي منهما على الآخر أو الدفع ببديل ثالث.
البعد المصلحي الخاص قد يعكسه القلق من أن يجر التوافق السياسي إلى مقاربات تؤثر على نفوذ القوى الفاعلة العسكرية إن لم يمس وجودها أصلا، وثبت أن العديد من القوى والكتائب الأمنية والعسكرية شعرت دائما بعدم الارتياح والخوف على مستقبلها في ظل التدافع الذي تحركه أطراف خارجية ليست راضية على الخارطة العسكرية والأمنية خاصة في الغرب الليبي. ومن الطبيعي أن يجتاح القلق والخوف تلك الفواعل العسكرية والأمنية وهي التي لعبت دورا في مواجهة مشروع العسكرة وفي تأمين العاصمة في ظل الدور الهامشي للجيش والشرطة، وترى نفسها بعيدة عن مشاريع ومقاربات التسوية والتوافق والتي تمسها قبل غيرها في مرحلة من المراحل، مع التأكيد على أن تغول بعضها كان من بين عوامل إضعاف الجيش والشرطة بل وتعقيد المشهد برمته.
من ناحية أخرى، فقد يكون المراد إرسال رسائل إلى أطراف عدة، خاصة فواعل الخارج، بأنها ليست ضد الاتفاق وأنها مستعدة لتكون جزءا من عملية سياسية تجمع شمل الليبيين وتمنع الاحتراب بينهم على أن لا يكون ذلك على حساب دورها ومصالحها.
ليس مؤكدا ما تم تداوله حول قائمة الحضور، خاصة القوة الفاعلة في المنطقة الغربية، والملاحظ تركيز الحضور على العاصمة وغياب فواعل من مدينة مصراتة التي تمثل حجز الزاوية في الجبهة الغربية والطرف الأكثر وزنا من الناحية العسكرية، ويمكن تفسير ذلك على وجهين، الأول أن القوى العسكرية الفاعلة في مصراتة غير راضية على اللقاء وتعتبره تجاوزا للموقف الذي جمع مجموعات عديدة منها ردا على قرارات مجلس النواب بما في ذلك تعيين حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، وهو سيناريو غير مرضي وقد يتسبب في زيادة الخلاف والشقة ضمن الجبهة الغربية. كما أنه يمكن أن يفهم غيابهم في سياق تبادل الأدوار، ذلك أن مكانة القوى العسكرية الفاعلة في مصراتة مهمة للجميع بما في ذلك فواعل العاصمة الذين يرون في مصراتة السند المهم جدا في أوقات الشدة، والعدوان على العاصمة في أبريل 2019م خير مثال على ذلك.
وبالعموم يمكن فهم الاجتماع في إطار تحريك وتفعيل كافة المسارات الممكنة للتقارب بين الخصوم ومنع العودة للقتال، وهو بالمقابل علامة على تعقيد المشهد ومؤشرا على صعوبة احتواء الأزمة التي بات أطرافها كثيرون وملفاتها عديدة ومعقدة.