قضايا وآراء

الاستقالات الصدرية والحالمون بالحكومة وكيسنجر!

جاسم الشمري
1300x600
1300x600
سبق لعالم الاتّصال الكنديّ مارشال ماكلوهان (ت: 1980) أن تنبأ في ستّينيّات القرن الماضي بأنّ عالمنا الواسع سيكون قرية عالميّة بسبب الثورة التكنولوجية والتطوّر العلميّ الهائل!

ويبدو أنّ عالمنا اليوم صار قرية عالميّة صغيرة في كافّة الميادين وليس على مستوى الاتّصالات فقط، بل حتّى في قطاعات السياسة والاقتصاد والنقل وغيرها.

ونذكر جميعا كيف أنّ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان يُسيّر الدولة الأولى في الكون عبر تويتر، وكانت ردّات الفعل على قراراته "تغريداته" تكون خلال دقائق!

وقد اتّبع "مقتدى الصدر" منذ عدّة أشهر الطريقة "الترامبية التويترية" في توجيه أتباعه من السياسيّين والجماهير، ومن ذلك رسالته يوم 12 حزيران/ يونيو 2022: "على رئيس الكتلة الصدريّة، حسن العذاري، أن يُقدّم استقالات الكتلة الصدريّة لرئيس مجلس النوّاب"!
صرنا أمام خطوة غامضة، حيث أعلن الصدر الانسحاب الجماعيّ لنوّابه البالغ عددهم أكثر من 73 نائبا، ولا أحد يدري ما هي خطواته التالية

وسبق أن بيّنت في مقالي الأسبوع الماضي بصحيفة "عربي21" الغراء بأنّ "الصدر هدّد بالخروج من العمليّة السياسيّة، وقد تكون تهديداته بداية لثورة الجِياع في العراق"!

وها نحن صرنا أمام خطوة غامضة، حيث أعلن الصدر الانسحاب الجماعيّ لنوّابه البالغ عددهم أكثر من 73 نائبا، ولا أحد يدري ما هي خطواته التالية.

حركة التيّار الصدريّ الأخيرة أجبرت جميع شركائه للدخول في إنذار سياسيّ من أجل الوصول لتفاهمات جديدة!

وشملت هذه الحيرة شركاء الصدر في تحالف "إنقاذ وطن" (الحزب الكردستانيّ بزعامة مسعود برزاني، وتحالف السيادة برئاسة خميس الخنجر)، أيضا شملت الإطار التنسيقيّ بزعامة نوري المالكي!

وربّما نقف هنا أمام إشكاليّة سياسيّة:

هل القوى المُتحالفة مع الصدر ستستقيل من البرلمان، أم أنّها ستمضي في الترتيب الجديد للمشهد السياسيّ والذي لم تظهر معالمه حتّى الساعة؟

ويبدو أنّ الإطار التنسيقيّ الذي يتّهم الانتخابات الأخيرة بالتزوير وجدها فرصة مناسبة لإعادة ترتيب أوراقه، ولهذا شكّلوا لجنة تفاوضيّة، الأربعاء الماضي، "للحوار مع القوى الوطنيّة وتشكيل الحكومة"، وبهذا ربّما تكون خطوة الصدر قد مهّدت الطريق لعودة المالكي لرئاسة الحكومة المقبلة باعتباره يملك الكتلة الأكبر حاليّا!
الصدر لم يَعُدْ جُزءا من العمليّة السياسيّة بسبب الاستقالات النيابيّة الباتّة، ولهذا فإن أراد الصدر الذهاب للمعارضة فستكون معارضته شعبيّة تَستخدم أدوات الجماهير والشارع لتحقيق مطالبها وليس البرلمان!

وبعد الاستقالة الجماعيّة بساعات قليلة وقّع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وبُعجالة، الاستقالات الصدريّة، والغريب أنّ بعض وسائل الإعلام والمحلّلين السياسيّين يقولون إنّ الصدر ذهب لصفوف المعارضة!

وهذا الكلام غير دقيق قانونيّا؛ لأنّ الصدر لم يَعُدْ جُزءا من العمليّة السياسيّة بسبب الاستقالات النيابيّة الباتّة، ولهذا فإن أراد الصدر الذهاب للمعارضة فستكون معارضته شعبيّة تَستخدم أدوات الجماهير والشارع لتحقيق مطالبها وليس البرلمان!

ورغم أنّ بعض الكتل السياسيّة تُمنّي نفسها برفع رصيدها وثقلها داخل البرلمان بعد الانسحابات الصدريّة؛ لأنّ قانون الانتخابات يُقرّر بأنّ المرشّح الأعلى أصواتا سيكون محلّ النائب المستقيل في ذات الدائرة الانتخابيّة، وبعيدا عن هويّة تلك الكتل الحالمة، ينبغي تفهّم أنّ مَنْ يظنّ بأنّ الصدر سيترك الملعب السياسيّ بهذه السهولة فهو لا يعرف تاريخ هذا الرجل المُرهِق حتّى لحلفائه، وبالذات ونحن نتحدّث عن الفائز الأوّل بالانتخابات الأخيرة، وصاحب أكبر مدّ جماهيريّ شعبيّ في العراق!

وقد وصلتني معلومات دقيقة تُؤكّد أنّ قوى الصدر العسكريّة جنوبيّ العراق على أُهبة الاستعداد لمرحلة قادمة غير واضحة المعالم!

لقد رفع الصدر شعار الإصلاح في عموم مؤسّسات الدولة، ومع خطوته الأخيرة صرنا أمام جملة من الأسئلة العريضة، ومنها:

- هل الإصلاح يُعالج بالمواجهة والنزول في معترك العمل السياسيّ أم بالهروب للأمام والاستقالات الجماعيّة؟

- لماذا لم يُنسّق الصدر مع القوى المتّفقة معه لحلّ البرلمان؟

- ولماذا كانت الاستقالات بعد إقرار قانون الأمن الغذائيّ؟ وهل هنالك مخطّط مدروس لبقاء حكومة مصطفى الكاظمي، المقبولة عند التيّار؟

وبعيدا عن توقّعات المرحلة المقبلة، أدلى رئيس هيئة الحشد الشعبيّ فالح الفياض، بعد ساعات من الاستقالات الصدريّة بتصريحات ناريّة، مشيرا فيها وبوضوح للصدر، ومؤكّدا بأنّ "هناك من يحاول تسقيط الحشد لإعادة الفوضى للعراق، ولن نسمح بإسقاط الدولة"!

وجميع هذه التطوّرات حُسِمَت بلقاء الصدر بنوّابه الأربعاء الماضي وأكّد خلاله: "لا أشترك مع الفاسدين بأيّ صورة من الصور، إلا إذا أزيح الفاسدون وكلّ مَن نهب العراق وسفك الدماء"!
القنبلة الموقوتة المخيفة في الشارع العراقيّ هي قضيّة الاستقرار الأمنيّ في ظلّ حكومة يقول رئيسها، الكاظمي، بأنّه تحوّل إلى "مُعقّب معاملات"، ولهذا لا نعلم ما هو أثر خطوة الصدر على المستوى الأمنيّ، وهل ستنشر المزيد من الترهيب والربكة للشارع القلق أصلا من السياسات العشوائيّة والمتناقضة؟

وهذه الكلمات مليئة بعشرات صور التهديد المباشرة وغير المباشرة لـ"الإخوة الأعداء"!

وقبل أسبوع ذكر وزير الخارجيّة الأمريكيّ الأسبق، هنري كيسنجر، أنّه "من الضروري الاعتراف بحقيقة أنّ أحداثا كبيرة قادمة في الشرق الأوسط وآسيا"!

فما هي تلك الأحداث؟ وهل الربكة السياسيّة العراقيّة الحاليّة هي بداية للأحداث الكبيرة القادمة في الشرق الأوسط، بحسب رؤية كيسنجر؟

إنّ القنبلة الموقوتة المخيفة في الشارع العراقيّ هي قضيّة الاستقرار الأمنيّ في ظلّ حكومة يقول رئيسها، الكاظمي، بأنّه تحوّل إلى "مُعقّب معاملات"، ولهذا لا نعلم ما هو أثر خطوة الصدر على المستوى الأمنيّ، وهل ستنشر المزيد من الترهيب والربكة للشارع القلق أصلا من السياسات العشوائيّة والمتناقضة؟

أكاد أجزم، بل أجزم، بأنّه لا يمكن لأيّ حكومة أو للعمليّة السياسيّة أن تمضي دون التيّار الصدريّ، وإن مضت فيمكن أن تنهار بتغريدة واحدة من الصدر لأتباعه ومقاتليه!

twitter.com/dr_jasemj67
التعليقات (1)
بيداء حميد
السبت، 18-06-2022 11:54 م
عاشت الايادي تحليل واقعي وصائب مع الاسف ذكرت جميع الحقائق المرة التي يجب علينا مواجهتها بالنسبة المقتدى مثلا احلى خياراتة مر ان بقي بالبرلمان ونصب حكومة ستكون فاسدة 100‎%‎ حسب تاريخ اعوانه الفاسدين من 19 عام وان انسحب وترك الساحة للمالكي ولباقي الاطار سوف لن يقبل بالهزيمة وسوف يعمل على خلخله الوضع ودمار البلد لا اعلم هل الله اراد بنا الشر بوجود مثل هكذا انسان يعيش معنا على هذه الارض كي يدمرنا معها ام نحن من صنع الطغات وبعد ذلك نلومهم على طغيانهم ????????ربي يوفقك دكتور بوركت