هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أدان حقوقيون مصريون قيام السلطات السودانية بترحيل مجموعة من المواطنين المصريين المُقيمين في السودان، إلى بلادهم قسرا وتسليمهم للسلطات المصرية، رغم أنهم ربما يتعرضون للتنكيل والسجن على خلفية اتهامهم بقضايا سياسية.
وكانت منظمات حقوقية أكدت في 18 حزيران/ يونيو الجاري، قيام السودان بتسليم 21 مصريا معارضا إلى الأجهزة الأمنية المصرية، بينهم نساء وأطفال، وأسرة بأكملها، وهو ما أثار جدلا واسعا وردود فعل غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي.
من جهته، قال مدير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أحمد العطار، في تصريح لـ"عربي21"، إن "السلطات الأمنية السودانية واصلت عملياتها غير القانونية وغير الإنسانية، وبالمخالفة للمعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعت وأبرمتها الدولة السودانية، والتي تُجرّم ترحيل أشخاص إلى بلدان من المحتمل أن يتعرضوا فيها لانتهاكات وتعذيب".
اختفاء قسري وتعذيب
وأضاف: "على الرغم من أن السلطات السودانية تعلم تماما أن المواطنين المصريين الذين تقوم بترحيلهم للقاهرة يتعرضون للاختفاء القسري لفترات مختلفة وللتعذيب، وذلك انطلاقا من تجاربها الكثيرة السابقة في هذا الأمر، إلا أنها استمرت في ترحيل 21 مصريا خلال الأسبوع الماضي".
وتابع العطار: "كانت الصدمة هذه المرة أشد؛ حيث كان بين المُرحلين الـ 21 أطفال صغار من أسرة واحدة ووالدتهم، وهم بحسب المعلومات المتوفرة لم يرتكبوا أي أعمال تخالف القانون، وكانت لديهم إقامات سارية المفعول".
اقرأ أيضا: إدانة حقوقية لاعتزام الخرطوم ترحيل معارضين مصريين للقاهرة
واستطرد قائلا: "بحسب المعلومات المتوفرة أيضا، كان هناك عدد آخر من المُرحلين محبوسين لدى السلطات السودانية لفترة تجاوزت العام فلماذا الآن يتم ترحيلهم؟ ولماذا يتم ترحيل أطفال صغار بعدما جرى ترويعهم، مما يؤثر عليهم نفسيا ومعنويا بينما هم لم يرتكبوا أي ذنب أو جريمة على الإطلاق؟ وكيف لأسرة بأكملها أن تشارك في أي جريمة من الجرائم؟".
وأردف مدير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان: "جميع العمليات المتكررة من قِبل السلطات الأمنية السودانية في ترحيل مواطنين مصريين، حتى وإن كان صادرا بحق بعضهم أحكام غيابية في مصر، تمت بالمخالفة للقانون الدولي".
وأكمل: "بحسب ما قمنا بتوثيقه في الشبكة المصرية لحقوق الإنسان تعرّض جميع المصريين المُرحلين من السودان إلى الاختفاء القسري والانتهاكات والتعذيب، وهو ما قد يواجهه المُرحلون الجُدد".
ودعا المفوضية السامية للأمم المتحدة، ولجنة مناهضة التعذيب، إلى "الضغط على السلطات السودانية من أجل احترام المعاهدات والمواثيق الدولية، وكذلك من أجل عدم قيامها بترحيل مواطنين آخرين إلى مصر".
التنكيل بمعارضي الخارج
ومنذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، وعقب تصاعد الانتهاكات وازدياد وتيرة العنف ضد المصريين، وخاصة المعارضين السياسيين، اُضطر آلاف المعارضين إلى مغادرة مصر لتفادي الضربات الأمنية التي يتعرضون لها، وطلبوا اللجوء إلى دول كثيرة، وحاولوا الانخراط في مجتمعات خارجية بحثا عن العمل والأمان ومحاولة التعايش هناك.
لكن النظام المصري سعى لملاحقة المعارضين له في الخارج، وحاول بشتى الطرق التضييق عليهم وعلى تحركاتهم، وخاصة عبر قوائم الإنتربول أو عبر الاتفاقيات الأمنية الثنائية المُوقعة بين مصر والدول الأخرى، وهو الأمر الذي كان نتيجته ترحيل عشرات – إن لم يكن مئات- المعارضين في الخارج إلى القاهرة سواء كان ذلك بشكل معلن أو غير معلن.
بدوره، ذكر مدير المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، شريف هلالي، أنه ينبغي "التفرقة بين تسليم المواطنين لأسباب جنائية وأخرى سياسية، حيث تحكم اتفاقيات تسليم المجرمين لأسباب جنائية العلاقة بين البلدين، وهي المفترض أن تتناول تسليم المجرمين في أحكام جنائية، أما المهاجرون واللاجئون لأسباب تعرّضهم للتمييز السياسي أو الديني فهم لاجئون أو طالبو لجوء أو مُقيمون بصفة شرعية".
وأكد هلالي، في تصريح خاص لـ"عربي21"، أن "اتفاقية الأمم المتحدة الصادرة عام 1951 بشأن اللاجئين، وكذلك اتفاقية اللجوء الصادرة من منظمة الاتحاد الأفريقي عام 1969، والتي دخلت حيز النفاذ عام 1974، تُكرّس مبدأ عدم إبعاد اللاجئين دون إرادتهم، وتتعلق باضطهاد المعارضين في بلدانهم لأسباب خلافهم في الرأي أو العقيدة أو السياسة".
اقرأ أيضا: اعتقال معارض مصري بعد هبوط اضطراري لطائرة سودانية بالأقصر
وتابع: "يعتبر تسليم السودان لهؤلاء الأشخاص مُخالفة واضحة لهذا المبدأ، نظرا لوجود خطورة على حياتهم، خاصة عندما يكونون محكوم عليهم بالإعدام أو احتمالية إصدار أحكام بالإعدام ضدهم لاحقا"، منوها إلى أن "غياب ضمانات المحاكمة العادلة في مصر يؤكد خطورة إعادة هؤلاء في مناخ تغيب فيه هذه الضمانات القانونية المُعترف بها دوليا".
وقال: "هناك خيارات أخرى كان ينبغي على السودان أن يتبعها إذا أراد إبعاد هؤلاء الأشخاص بإعطائهم وقتا معينا بالذهاب لبلد آخر عقب التنسيق المفترض مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو بقائهم شرط عدم قيامهم بأي نشاط معارض. أما التسليم للقاهرة فهو مُخالف تماما لاتفاقيات اللجوء والتزامات الدولة المستضيفة أو دولة اللجوء".
ولفت هلالي إلى أن "هناك قانونا خاصا باللجوء إلى السودان، ومن المفترض أنه لا يخالف الالتزامات الدولية بعدم إبعاد اللاجئين أو الهاربين لأسباب سياسية"، لافتا إلى أن "خطوة الترحيل تلك تُعدّ ثمرة من ثمار التعاون الأمني الآثم بين النظامين العسكريين في مصر والسودان".
في المقابل، بررت السلطات السودانية ترحيل أولئك المصريين؛ بأنهم "عناصر إرهابية" شاركوا في تنفيذ ما وصفتها بـ "عملية إرهابية" بحي جبرة جنوب الخرطوم في أيلول/ سبتمبر 2021، مشيرة إلى أن "هناك عناصر مصرية أخرى تم التحفظ عليها لمزيد من التحري بشأنها".
وشدّد هلالي على ضرورة وسرعة التدخل لدى السلطات السودانية من أجل وقف ترحيل أي مصريين جُدد، وإطلاق سراح الأشخاص الذين لا زالوا قيد الاحتجاز لديها، أو على الأقل توفير محاكمة شفافة وعادلة لمن تتهمهم بارتكاب جرائم على أراضيها.
محاكمات شفافة وعلنية
في السياق، طالبت منظمة "كوميتي فور جستس" السلطات المصرية بـ "الكشف عن مصير مَن تم ترحيلهم إليها من السودان، وفي حالة احتجازهم توفير ظروف احتجاز إنسانية بحقهم، وخصوصا للنساء والأطفال منهم، مع الكشف عن التهم الموجهة لهم، وعقد محاكمات شفافة وعلنية وتتوافر فيها مقومات المحاكمة العادلة المعترف بها دوليا لهم".
وأكدت، في بيان سابق لها، أن "الترحيل القسري للمدنيين في أوقات الأزمات يعد جريمة يعاقب عليها القانون الدولي، وشددت على ذلك العديد من المراسلات الأممية، خصوصا إذا اقترن هذا الترحيل القسري بإمكانية تعرض المُرحل قسريا للتعذيب في الجهة أو الدولة التي يتم ترحيله لها، ما يشّكل خرقا خطيرا للعهود والمواثيق الدولية".
وأفادت مصادر خاصة لمنظمة "كوميتي فور جستس" أن "السودان قام بترحيل أسرة مصرية كاملة مكونة من 9 أفراد، وذلك عقب اعتقال رب الأسرة، والذي يُدعى محمد إبراهيم، وابن له يُدعى إبراهيم محمد إبراهيم، منذ ما يقارب السنة و9 أشهر".
وأوضحت المصادر أن السلطات السودانية قامت في 18 حزيران/ يونيو الجاري، بترحيل الأب والابن المعتقلين، بالإضافة إلى الزوجة التي تُدعى منى سعيد جاد الله، وباقي أبنائهما (يوسف، مريم، صفية، ريم، أسامة، وياسين محمد إبراهيم).
يُذكر أن المادة 3 من اتفاقية مُناهضة التعذيب تنص على أنه "لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أي شخص أو أن تعيده أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب. وتراعي السلطات المختصة لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوافرة، جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك، في حالة الانطباق، وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في الدولة المعنية". كما جاء هذا المعنى نفسه وحظر الترحيل في المادة 33 من اتفاقية اللجوء 1951.
يشار إلى أنه في 12 كانون الثاني/ يناير 2022، وثقت منظمات حقوقية قيام السلطات المصرية باعتقال المواطن حسام منوفي محمود سلاّم (29 عاما)، وذلك في أعقاب "هبوط اضطراري" بشكل مفاجئ لطائرة سودانية في مطار الأقصر بينما كان سلاّم في طريقه إلى تركيا.