ملفات وتقارير

سعيّد يثير جدلا جديدا بتونس.. "دين الدولة" أم "دين الأمة"؟

عاد جدل نقاش مسألة الهوية بتونس مرة أخرى إلى الواجهة- جيتي
عاد جدل نقاش مسألة الهوية بتونس مرة أخرى إلى الواجهة- جيتي

أثارت تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد وأعضاء الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور "الجمهورية الجديدة" جدلا واسعا بتونس حول مسألة هوية الدولة، وسط حديث عن إلغاء الفصل الأول من الدستور الذي ينص على أن الإسلام هو دين الدولة.

وفي ثاني ظهور صحفي له منذ تولي الرئاسة عام 2019، قال الرئيس سعيّد، إن الدستور الجديد سينص على أمة دينها الإسلام وليس دولة دينها الإسلام، مشددا على أن "الدولة ذات معنوية كالشركة أو المؤسسة، والشركة لن تمر على الصراط"، معتبرا أن "الحديث عن دولة دينها الإسلام لا يليق بدولة تسعى لتحقيق مقاصد الإسلام".

وتابع سعيد: "في الأنظمة الديكتاتورية يصنعون الأصنام ثم يعبدونها وهذا نوع من الشرك بالله، سيتم العمل في الدستور الجديد على تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية".

"دون ذكر الإسلام"

وفي وقت سابق، قال منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور "الجمهورية الجديدة"  الصادق بلعيد إنه سيعرض على الرئيس قيس سعيّد مسودة لدستور لن تتضمن ذكرا للإسلام دينا للدولة، بهدف التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار حركة النهضة.

وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية، قال بلعيد إن "80% من التونسيين ضد التطرف وضد توظيف الدين من أجل أهداف سياسية، وهذا ما سنفعله تحديدًا، وسنقوم بكل بساطة بتعديل الصيغة الحالية للفصل الأول".

وينص الفصل الأول من دستور تونس 2014 أن "تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها"، وهو نفس النص الذي تمت المحافظة عليه منذ دستور عام 1959.

وفي رده على سؤال: هل يعني ذلك أن الدستور الجديد لن يتضمن ذكرا للإسلام؟ أجاب بلعيد: "لن يكون هناك".

من جهته، أوضح أستاذ القانون الدستوري وعضو ما بات يُعرف بـ"لجنة جمهورية جديدة" أمين محفوظ، أنه سيقع تغيير الفصل الأول من الدستور الذي ينص على كون الإسلام "ديناً للدولة".

واعتبر أن الدولة كيان معنوي مجرد وليس لها دين، قائلا إن "العلاقة بين الخالق والمخلوق عمودية وليس هناك أي ضرورة للتنصيص على ذلك في الدستور".

وأكد أنه "لم يقع الحديث عن الإسلام في أي فصل من فصول الدستور الجديد"، قائلاً: "لا تنصيص على الإسلام كدين للدولة".

في المقابل، ذكر محفوظ أن مشروع الدستور الجديد سينص في التوطئة على أن تونس تنتمي للأسرة العربية الإسلامية.


والاثنين الماضي، أعلنت الرئاسة التونسية، عن تسلم الرئيس قيس سعيّد مشروع الدستور الجديد، من الصادق بلعيد رئيس "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة"، المكلفة بصياغة الدّستور.


وقال بيان صادر عن الرئاسة التونسية إن "بلعيد أمد رئيس الدولة بمشروع الدستور الذي تم إعداده في إطار الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة". 


وأضاف: "مثل هذا اللقاء فرصة للتداول بشأن جملة من المفاهيم والأفكار الجديدة، فضلًا عن التطرق إلى مجريات الحوار في الفترة الماضية وما شهده من تبادل لوجهات نظر متعددة".


وأشار البيان إلى أن الرئيس التونسي أكد على أن "مشروع الدستور ليس نهائيا وأن بعض فصوله قابلة للمراجعة ومزيد من التفكير".


"احتكار الصياغة"

 

وعن الجدل، قال الأكاديمي والباحث في الجامعة التونسية سامي براهم إن "هناك شبه اتفاق بين أساتذة القانون الدستوري على أن هذا الفصل ليس له أي أثر قانوني".


وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح الباحث في علم الاجتماع أن "المقصود في دستور 1959 هو الدولة وليس تونس، وصياغة هذا الفصل اقترحها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لحسم الخلاف حول هوية دولة الاستقلال، فوقع إدراج عبارة دينها الإسلام".

وأضاف: "المقصود هو أن تونس دولة دينها الإسلام، أي أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، دون أن يكون مرجعها الشريعة، رغم أن جزءا كبيرا من المنظومة القانونية في تونس مستمد من الفقه الإسلامي".

وتابع براهم: "بعد الثورة اُعيد هذا الجدل بين التيار الإسلامي والتيار العلماني، وحُسم الموقف بالمحافظة على هذا الفصل".

وبحسب الباحث الجامعي في علم الاجتماع، فإن "العميد صادق بلعيد ومن شارك معه في صياغة هذا الدستور، أرادوا أن يستغلوا السياق الانقلابي، خارج الإطار الحواري المجتمعي، وخارج الإطار التعاقدي، من أجل تمرير فصل آخر يتم من خلاله التنازل عن توصيف الدولة باعتبار أن دينها الرسمي هو الإسلام".

وواصل حديثه: "في المقابل، يقع تعويض ذلك بعبارة أخرى ربما تثير إشكالا أكبر وهو دين الأمة، وهذا يضعنا في إشكال بين الدولة الوطنية والأمة".

 

اقرأ أيضا: فروق بين دستوري تونس القديم والجديد.. واضعوهما يوضحون

وأوضح سامي براهم: "الأصل فيه أن مرجعيتنا وطنية رغم وجود علاقات بالمحيط العربي والإسلامي، وإن صح تعديل المقترح واعتماد دين الأمة يضعنا من جديد في سياقات فوق الدولة الوطنية، وفي إطار انتماء آخر، قومي أو له علاقة بالأمة الإسلامية".

وأشار الأكاديمي التونسي إلى أن الجدل حول مضمون الفصل الأول عاد، قائلا إن "الجدل في الفترة التأسيسية سواء بعد الاستقلال أو بعد الثورة، كان جدلا وطنيا تشارك فيه النخب والأحزاب والمجتمع المدني".

مقابل ذلك، فإنه "اليوم هناك احتكار لفرض صياغة ليست نتاج حوار وطني، وهذا المقلق، حيث إن الصياغة المقترحة للفصل الأول ليست نهائية، باعتبار أن رئيس الجمهورية أعطى لنفسه سلطة تعديل ما يشاء"، بحسب سامي براهم.

وأضاف: "اليوم لا يوجد أي تونسي لديه علم بالصياغة النهائية التي ستنزل في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية)، الرئيس يتحدث عن مرجعية مقاصد الشريعة الإسلامية، يمكن أن يدرج مقاصد الشريعة في الدستور".

وأوضح الباحث في الجامعة التونسية: "رئيس الدولة له مواقف متناقضة، في سياق ما كان مع إدراج الفصل الأول خلال جدل المجلس الوطني التأسيسي بعد الثورة، واليوم يعتبر أن الدولة هي شخصية معنوية لا تحج ولا تصوم ولا تصلي، بالتالي فليس لها هوية دينية".

واعتبر براهم أن هذا الكلام "غير دقيق وغير واقعي، لأن الدولة وإن كانت شخصية معنوية، فهي منظومة قوانين وإدارة وأشخاص وطريقة في إدارة الشأن العام، ولا يمكن أن تكون إدارة الدولة للشأن العام مقطوعة عن أي خلفية ثقافية أو دينية للمجتمع التونسي".

وسينشر مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية موضوع الاستفتاء بأمر رئاسي في أجل أقصاه يوم 30 حزيران/ يونيو الجاري، وفق ما نصّت عليه الأحكام الاستثنائية المتعلقة باستفتاء 25 تموز/ يوليو 2022 الواردة في المرسوم عدد 32 لسنة 2022.

وبحسب خارطة الطريق التي كشف عنها الرئيس التونسي نهاية العام الماضي، فإن من المنتظر أن تكتب اللجنة المكلفة مشروع دستور جديد بناء على المقترحات المجمعة من الاستشارة الإلكترونية، التي لم يشارك فيها سوى 7 بالمئة من المعنيين بالحق الانتخابي، قبل أن يقع عرض المشروع على استفتاء شعبي في 25 تموز/ يوليو المقبل.

وبعد ذلك، سيدعو سعيّد التونسيين للمشاركة في انتخابات تشريعية، دون رئاسية، سابقة لأوانها بناء على النظامين السياسي والانتخابي الجديدين، في ذكرى اندلاع الثورة التونسية الموافقة لـ17 كانون الأول/ ديسمبر 2022.

"دولة غير متدينة"

في المقابل اعتبر أستاذ القانون الدستوري والعضو السابق بالمجلس الوطني التأسيسي رابح الخرايفي، أن إلغاء الفصل الأول ليس بالأمر الجديد، قائلا إن "حركة النهضة اقترحت أن تكون الشريعة مصدرا للتشريع، فيما وقعت العودة للفصل الأول لظروف تاريخية".

وقال في حديثه لـ"عربي21": "في ذلك الوقت، رفضنا في الكتلة الديمقراطية مقترح اعتماد الشريعة كمصدر للتشريع لأن ذلك سيسبب عديد المشاكل، قبل أن تتراجع حركة النهضة عن ذلك وتقترح اعتماد الفصل الأول من دستور 1959".

وأوضح الخرايفي أن "الفصل الأول طرح أصلا إشكالا خلال فترة التأسيس الأولى (1956-1959)، بخصوص تأويل النص، حول اعتماد الإسلام كدين للدولة أو كدين للشعب".

واعتبر أنه "إن كان القصد من ذلك أن عبارة دينها الإسلام تعود على الدولة، فإن الدولة لم تكن يوما متدينة، فهي على مسافة من جميع الأديان وتحميهم".

وتابع أستاذ القانون الدستوري حديثه بالقول إن "هذا الأمر ليس بالغريب، فالمجتمع التونسي سيبقى مسلما وهذا لن يزيله الدستور، باعتبار أن أغلبية الشعب التونسي مسلمة".

وأكد أن "الدستور الجديد سيتضمن تجاوزا للخلافات التي يطرحها الفصل الأول، لأن هناك بعض القضاة اتخذوا بعض الأحكام طبقا للفصل الأول، الذي هو بريء من هذه الأحكام".

واعتبر الخرايفي أن "هذا الجدل هو جدل وهمي وليس حقيقيا يهم التونسيين، بحسب الهندسة الجديدة للدستور، الباب الأول لن يتحدث عن الجانب السياسي والحقوق والحريات، بل يتحدث عن الاقتصاد".

وأوضح: "منذ 2010، كان هناك إشكال بخصوص الحقوق والحريات، فيما كان شعار الثورة الشغل استحقاق يا عصابة السراق، الجدل لا يمكن أن يكون حول إثبات ما إن كان شخص ما مسلما أم لا".

 

اقرأ أيضا: تعرف إلى أبرز ملامح "الجمهورية الجديدة" لقيس سعيّد

واختتم حديثه بالقول إن "إلغاء الفصل الأول لا يعني إلغاء الإسلام والعروبة في تونس، بل إن المسألة أعمق من ذلك".

ويجري الاقتراع للاستفتاء بالداخل يوم الاثنين 25 تموز/ يوليو، وأيام السبت والأحد والاثنين 23 و24 و25 من الشهر ذاته بالنسبة إلى التونسيين المقيمين بالخارج.

ووفقا للجريدة الرسمية فإن السؤال الوحيد في الاستفتاء سيكون: "هل توافق على الدستور الجديد؟"، وذكرت الجريدة أن الاقتراع سيبدأ في السادسة صباحا وينتهي في العاشرة ليلا بالتوقيت المحلي (ت.غ. +1)، يوم 25 تموز/ يوليو المقبل.

ويتم الإعلان عن النتائج الأولية للاستفتاء في أجل أقصاه الخميس 28 تموز/ يوليو 2022، وتتولى الهيئة التصريح بالنتائج النهائية إثر انقضاء الطعون في أجل لا يتجاوز الأحد 28 آب/ أغسطس 2022.


التعليقات (1)
كفاك فزلكة وهرطقة أيها الخائن. شعب تونس مسلم رغم أنفك يا شكسبير.
الأربعاء، 29-06-2022 02:46 ص
كفاك فزلكة وهرطقة أيها الخائن. شعب تونس مسلم رغم أنفك يا شكسبير.