هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كان سعد الهلالي مشروع فقيه محترم ومقدر لفترة زمنية يعرفها جيدا من راقب عطاءه العلمي فيها، وبخاصة في الفترة التي قضاها في جامعة الكويت، وكانت تنشر ضمن منشورات مجلس النشر العلمي بالجامعة، وما أصدره من كتب فقهية كانت تصدر بمعاونة من المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت، ترى فيها عمقا فقهيا، وإن خلت في أحيان كثيرة من التجديد الفقهي المعتبر، لكنها كانت كتبا منضبطة من حيث البحث العلمي وشروطه وأدواته، وكان على رأسها كتابه: البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية.
لكن الهلالي بعد نزوله مصر، وتمت استضافته في الفضائيات المصرية، وقد بدأ يبحث عن كل شاذ، أو ما يغازل به السلطة، والجمعيات النسوية وغيرها في الداخل والخارج، وآخر ضلالته الفقهية ما أثاره حول قضية حجاب المرأة المسلمة، والتي اتضح فيها كذبه وافتراءه على مذاهب فقهية، وتحريفه لحديث نبوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحريف لأحداث تاريخية معاصرة، كل ذلك لأجل الوصول لإثبات بالكذب أن الحجاب ليس واجبا ولا فرضا شرعيا تلتزم به المسلمة، بل هو أمر اختياري لمن يرتدي أو لا يرتدي، ومرد ذلك للعرف فقط، كما ادعى.
وهو كلام عار تماما عن الصحة أو العلم الشرعي، ولو قاله بصفة شخصية كما قاله آخرون، لهان الأمر، لكنه دلس في كل أقواله وأراد نسبة ذلك للشرع نفسه، فادعى أن صحابية ذهت للحج ناشرة شعرها، ولم ينكر عليها أحد، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: اختمري. كمجرد أمر.
والحديث بروايته الصحيحة ليس كما ادعى وحرف الهلالي بل نصه: أن عقبة بن عامر عقبة بن عامر الجهني قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "لتمش ولتركب" وفي رواية أخرى: أن عقبة بن عامر الجهني سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أختي نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة؟ قال: "مرها فلتختمر، ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام"، فالحديث هنا أن المرأة لم تذهب للحج كاشفة شعرها، بل نذرت، فنهاها النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، لأن كشف الشعر معصية، وهو ما جعل رواة الحديث في مدوناتهم يضعونه تحت عنوان: نذر المعصية.
والرواية الوحيدة التي ذكرت أنها ذهبت للحج كاشفة شعرها، فهي كما تلي: رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تمشي حافية ناشرة شعرها فاستتر منها بيده وقال: "ما شأنها؟" فقالوا: إنها نذرت أن تحج حافية ناشرة شعرها فقال عليه السلام: "فلتختمر ولتنتعل ولتمش"، وهو حديث مرسل، رواه عكرمة وعطاء وهما من التابعين.
وعلى رغم إرساله، فلماذا ستر النبي صلى الله عليه وسلم وجهه عنها حتى لا يرى شعرها؟ لأنه عورة، ثم أخبرها بعدم جواز ذلك، وإلا فالممنوع في نذر المرأة هنا ليس المشي للحج، ولا المشي حافية، بل المعصية هنا في كشف الشعر، وهو ما أمرها بتغطيته صلى الله عليه وسلم، وكل هذه النصوص ذكرت الأمر بالاختمار، وهو دلالة على أن الخمار هو غطاء الرأس، وليس كما يزعم الزاعمون أن المقصود تغطية الصدر.
ثم ادعى الهلالي تضليلا أن ظاهر مذهب مالك أن ستر العورة سنة، مستدلا بذلك بأنه ليس واجبا، وهو ما لم يكمله في البرامج التي تم استضافته فيه، فمالك يعتبر ذلك أي: الزينة في الصلاة، لأن العورة أمر مفروغ من ستره داخل وخارج الصلاة، ولكن الاختلاف هنا في الزينة عند الصلاة، لقوله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)، وهو ما أوضحته كل كتب المالكية، ولكن سعد لم يذكره تدليسا لخدمة موقفه المعوج.
ثم ادعى أن الحجاب هو رمز سياسي، ومعركة سياسية، هي آخر ما يقوم به الإسلام السياسي من معارك، وهو يقصد بذلك الإخوان المسلمين، والإخوان جماعة تأسست سنة 1928م، ولو أنه عاد لصور زوجات زعماء الليبرالية المصرية والعلمانية المصرية لوجدهن جميعا محجبات، فصفية زغلول وهدى شعراوي محجبات، وزوجة مصطفى كمال أتاتورك محجبة، وكل هؤلاء كانوا قبل وجود الإسلام السياسي بسنوات طويلة، فأين كان وقتها؟!
وهو من يدعي في نفس الموضوع بأن صور زوجات وبنات الشيخ فلان وعلان في مصر كن غير محجبات، ومنذ متى اعتبر فعل المشايخ دليلا على الحكم الشرعي؟ ومع ذلك لو وجدت بنتا أو زوجة لشيخ غير محجبة، لو ذهبت إلى فتاويه أو كتبه وبحثت عن حكم الحجاب عنده ستجده يبين أن العورة هي كل جسد المرأة عدا الوجه والكفين، وأن ستر العورة فريضة أو واجب شرعي.
وهو ما رأيناه في كثير من المشايخ إذا ابتلاه الله بفعل شيء منهي عنه، ألا يمنعه ذلك من بيان حكم الشرع، ومن هؤلاء الشيخ محمود شلتوت رحمه الله، فقد حرم التدخين، في فتاواه المشهورة والمعروفة، رغم أنه كان مدخنا، لأنه يفرق بين وقوعه في المعصية، وبين بيان حكم الشرع فيها، ولا يحجزه ذلك عن بيان الحق، بأي حجة لا تليق شرعا بالعالم.
الواضح أن سعدا كعادته منذ سنوات، يخاطب أفرادا معينين، وجهات معينة، بكل تضليلات الفقهية، وهو ما جعل الأزهر يتصدى له ببيان من قبل حرمه من تولي منصب الإفتاء في سنة 2013م، وصدر تقارير عدة عن أفكار سعد ضده كانت من الأزهر، صدرت في عدد كامل من مجلة الأزهر، وكان أبرزها وأقواها تقرير كتبه د. علي جمعة، بين فيه شذوذ أفكاره ومنهجه.
والعجيب أن الهلالي نفسه بعد كلامه الأخير، أخرج له الناشطون مقطعا على اليوتيوب يبين فيه أن الحجاب فرض شرعي، وأن الجسد كله عدا الوجه والكفين عورة يجب سترها، وقد نشر ذلك أيضا موقع جريدة الوطن المصرية.
والهلالي نفسه في كتاب مهم من كتبه بعنوان: (قضية المسنين الكبار المعاصرة.. وأحكامهم الخاصة في الفقه الإسلامي) ص: 301-305، تعرض فيها لقضية عورة المرأة أمام الرجال الأجانب، وقد ذكر في المسألة وجهين فقط، وهو الخلاف المعروف بين من يرى جسد المرأة كله عورة، وبين من يرى الجسد كله باستثناء الوجه والكفين وهو رأي الجمهور، وقد رجحه الهلالي، ثم ذكر بعد أن ناقش الأدلة، فقال:
(والراجح في نظري هو ما ذهب إليه الجمهور القائل باستثناء ما لا تستغني عنه المرأة غالبا من كشفه عند التعامل مع الرجال كالوجه والكفين من عموم عورة جسد المرأة تجاه الرجال غير المحارم، لقوة أدلتهم وظهورها، ولذلك رأيت المرغيناني يقول: استثناء الوجه والكفين من جسد المرأة للابتلاء بإبدائهما).
فهل تغير الموقف الفقهي، أم تغير سعد الهلالي؟ الواضح أن سعدا كعادته منذ سنوات، يخاطب أفرادا معينين، وجهات معينة، بكل تضليلات الفقهية، وهو ما جعل الأزهر يتصدى له ببيان من قبل حرمه من تولي منصب الإفتاء في سنة 2013م، وصدر تقارير عدة عن أفكار سعد ضده كانت من الأزهر، صدرت في عدد كامل من مجلة الأزهر، وكان أبرزها وأقواها تقرير كتبه د. علي جمعة، بين فيه شذوذ أفكاره ومنهجه.