هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بمناسبة أربعينية المفكر والكاتب والناشط السياسي التونسي محمد مواعدة انتظمت ندوة حوارية فكرية سياسية بين نخبة من المثقفين العرب حول تجارب الديمقراطيين الليبراليين والقومييين والإسلاميين واليساريين في تونس والبلدان المغاربية خاصة والوطن العربي عامة.
الحوار كان مناسبة للتقييم وتقديم قراءات فكرية سياسية لمسيرة المفكر والسياسي القومي العربي محمد مواعدة والجيلين اللذين رافقهما من الليبراليين واليساريين والإسلاميين والقوميين.
وقد أثثت هذا الحوار مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة والمركز العربي الدولي للتواصل والتضامن.
محمد مواعدة
ودعت المؤسستان إلى هذا الحوار، الذي أدارته الدكتورة رحاب مكحل المديرة العامة للمركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، ونخبة من المفكرين والمثقفين والسياسيين العرب يتقدمهم المفكر اللبناني معن بشور الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي والمناضل الفلسطيني منير شفيق والمحامي المغربي خالد السيفاني المنسق العام للحوار القومي الإسلامي ومحمد العربي الزبيري من الجزائر وحمدين صباحي من مصر وطارق مواعدة وعبد الوهاب الباهي وكمال بن يونس وخالد شوكات وعبد اللطيف الهرماسي وحسين الماجري من تونس وحسن نجمي الأمين العام السابق لاتحاد الكتاب في المغرب ومحمد حبيب الرسول من السودان وعلي بوطوالة الأمين العام لحزب الطليعة الاشتراكي المغربي وقاسم صالح الأمين العام لمؤتمر الأحزاب العربية ومحمد البشير من الأردن وثلة من رفاقهم ممثلي مختلف التيارات الليبرالية واليسارية الاجتماعية والقومية والاسلامية.. الخ.
رحاب مكحل
الثوابت الديمقراطية والوطنية
تراوحت الكلمات التي ألقيت بالمناسبة بين التنويه بخصال الفقيد محمد مواعدة العلمية والفكرية والسياسية ونضالاته من أجل الديمقراطية والتعددية ودعم الفكر العربي الإسلامي، وتقديم قراءات نقدية لمساره الثقافي والسياسي منذ رافق "آباء الديمقراطية التونسية" بزعامة أحمد المستيري في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ثم خلال نضاله من أجل إنجاح "مسار لحوار عربي دولي بين اليساريين المعتدلين والقوميين والإسلاميين العرب"..
استعرض المشاركون في الندوة بعض ذكرياتهم مع الفقيد محمد مواعدة في مؤتمرات حقوق الإنسان والنضال من أجل الحريات العامة والفردية أو من أجل بناء جسور تواصل فكرية وسياسية بين المكونات الوطنية العلمانية والإسلامية داخل الطبقة السياسية في تونس والمغرب ومصر وفلسطين ولبنان والعراق وفي كامل الوطن العربي.
معن بشور
وأقر الجميع بأن مواعدة بدأ مبكرا هذا المسار التجميعي منذ مشاركاته في تونس والمغرب والمشرق العربي في المسار الوحدوي الذي رعاه المفكر والحقوقي العراقي خير الدين حسيب ورفاقه في المؤتمرات القومية العربية وفي آليات الحوار الإسلامي القومي مثل الأساتذة معن بشور من لبنان وخالد السيفاني من المغرب ومنيرر شفيق من فلسطين ومسعود الشابي وراشد الغنوشي وصلاح الدين الجورشي وأحمد الكحلاوي من تونس وعبد الحميد المهري ومحمد العربي الزبيري من الجزائر ونخبة من الكتاب والمثقفين في سوريا والعراق ومصر والخليج والسودان واليمن..
وكان الأهم بالنسبة لأغلب المتدخلين في الندوة تمسك محمد مواعدة طوال كامل مساره بالثوابت الوطنية والقومية وبالديمقراطية والتعددية دون إقصاء، رغم أن ذلك كلفه مرارا السجن والتهميش والاضطهاد الذي شمله وشمل زوجته وكافة أفراد عائلته والمقربين منه، خاصة بعد إصداره من تونس في 2002 بيانا معارضا للسلطة وقعه بالاشتراك مع راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الذي كان وقتها لاجئا سياسيا في لندن.
3 مرجعيات
وإذ نوهت أغلب المداخلات بمواقف محمد مواعدة المبدئية في ما يتعلق بالعلاقة بين شعار تحرير فلسطين وثلاثية التحرر الوطني والسياسي والاجتماعي، فقد سلطت الضوء على المرجعيات الفكرية والسياسية لمواعدة المثقف وللحزب الذي ترأسه بعد الزعيم أحمد المستيري "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين".
كانت هذه المرجعيات مثلما تكشفه أدبيات الفقيد وحزبه ثلاثة: الديمقراطية والاشتراكية الاجتماعية والهوية التونسية العربية الإسلامية.
خالد السفياني
وسجلت عدة مداخلات أن مواعدة كان يتزعم داخل حزبه والطبقة السياسية التونسية تيارا حاول التوفيق بين الديمقراطية الليبيرالية السياسية والديمقراطية الاجتماعية، أو "الاشتراكية الديمقراطية"، وتبني القضايا القومية العربية وعلى رأسها النضال من أجل تحرير فلسطين وبقية الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل، والتضامن مع الدول التي تعرض منذ عقود إلى "مؤامرات الاستعمار الجديد" بينها العراق وسوريا ومصر ولبنان..
"شيخ الأزهر" التونسي
ولئن عرف محمد مواعدة لدى أغلب المتابعين للشأن العام في تونس والوطن العربي أساسا بصفته السياسية وانخراطه في المعارك السياسية، فقد كانت الندوة مناسبة لإبراز جوانب من مسيرته الفكرية والعلمية منذ إصداره رسالة جامعية عن "شيخ الأزهر أصيل تونس العلامة والمصلح محمد الخضر حسين".. وصولا إلى مرحلة تعاونه مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، "الألكسو"، بصفته أحد رواد الداعمين للتعريب ولتطوير المكتبات الجامعية في تونس عربيا عبر تشجيع حركات الترجمة.
منير شفيق
في هذا السياق وقع لفت النظر إلى أن محمد مواعدة وعشرات من مثقفي جيله كانوا من بين رواد آليات "الحوار القومي الإسلامي" و"الحوار بين مكونات اليسار الاجتماعي الديمقراطي" من جهة وبينه وبين الإسلاميين والقوميين من جهة ثانية.. مع الحرص على تأكيد صبغة "المثقف العضوي" عليهم، إذ لم يكونوا مجرد أكاديميين في الجامعات بل مناضلين ميدانيا يحاولون تنزيل أفكارهم على أرض الواقع.
خيارات الصدام والمشاركة
وكان طبيعيا أن تركز المداخلات والورقات المقدمة في هذه الندوة التكريمية للراحل محمد مواعدة عند "الزوابع" التي عصفت ببعض مواقفه وتجاربه السياسية وعددا من رفاقه خاصة خلال الـ 23 عاما من حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
على هذا الصعيد وقعت الإشارة إلى أن مسار محمد مواعدة وحزب الديمقراطيين الاشتراكيين قدما عينة من "المراوحة" بين مواقف "الثوريين" وأنصار خيار "القطيعة والصدام" مع السلطة من جهة ومسار "الواقعية" الذي يؤمن بـ "المشاركة" و"المسار التشاركي" و"التغيير من الداخل"..
بدأ محمد مواعدة مرحلة رئاسته لحزب الديمقراطييين الاشتراكيين بعد استقالة أحمد المستيري في 1989، فتبنى خطا "ثوريا" فاتهمته السلطات وبعض أصدقائه بالمبالغة في "نقد السلطة" و"شتم الرئيس والحكومة"..
لكن مواعدة انخرط في مسار "الواقعية" و"الحوار مع الرئاسة" وأصبح مقربا من قصر قرطاج وأوشك أن يعين وزيرا مطلع التسعينيات في مرحلة "المنعرج الأمني السياسي" مع المعارضين عامة ومع الإسلاميين خاصة..
لكن رئيس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين سرعان ما تخلى عن "المنهج الواقعي" وعن "خيار المشاركة" وصعد انتقاداته للرئيس وعائلته وفريقه ما كلفه سلسلة من المضايقات والمحاكمات ما بين 1995 و2002. كما أنه وضع مرارا في إقامة جبرية وأقصي من قيادة الحزب ومن الحياة السياسية إلى أن فتح جسور حوار جديدة من السلطات أواخر عهد بن علي فسمح له بدور سياسي في "الحزام الثاني" للدولة ومؤسسات الحكم..
لم يكن مواعدة وحده من خاض تجارب سياسية "عاصفة" مماثلة في تونس وفي الوطن العربي..
لذلك أوصى بعض المشاركين في الندوة بفتح مراجعات وقراءات حول "منهج التغيير والإصلاح": بين المنهج "الثوري الذي يقوم على "القطيعة والصدام" ومسار "التغيير البراغماتي والواقعي" الذي يقوم على "المشاركة" و"التغيير من الداخل"..