هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أشعر بخيبة أمل كبيرة تجاه بعض الأحداث التي وقعت في مصر خلال فترة حكم السيسي
الوضع غير مستقر في مصر من الناحية الاقتصادية ولم يحدث الانفتاح السياسي المأمول
فكرة المصالحة الوطنية "مهمة للغاية" ولا بد من إشراك الإخوان والجميع في "الحوار الوطني"
المصالحة بين الإخوان والنظام لا يمكن أن تكون "ناجحة" على أرض الواقع لهذه الأسباب..
الإطاحة بصدقي صبحي أمر "غامض للغاية" لكنه صدر بقرار من القيادة العسكرية وليس السيسي فقط
قرارات الإطاحة ببعض القادة العسكريين تتعلق بضمان الاستقرار واستمرار نفوذ الجيش وتأثيره
حرب سيناء كانت شرسة وصعبة وطويلة وكانت أسوأ مما قد تبدو عليه
لا أعرف ما هي الدروس التي تعلمها السيسي مما قدمناه له بشأن "مكافحة الإرهاب"
قدمت مؤخرا طلبا رسميا لإجراء مقابلة مع السيسي لكنه رفض طلبي
قالت أستاذة رئيس النظام المصري
عبدالفتاح السيسي بالكلية الحربية للجيش الأمريكي، الدكتورة شريفة زهور، إنها تشعر
بـ"خيبة أمل كبيرة" تجاه بعض الأحداث التي وقعت في مصر خلال فترة حكم
السيسي.
وأضافت، في الحلقة الأولى من مقابلتها
الخاصة مع "عربي21": "أنا قلقة بشأن الوضع الاقتصادي غير المستقر
الذي يعاني منه أكبر عدد من الناس، وقلقة أيضا بشأن الأوضاع السياسية والأمنية،
وهذا ليس سببه الحرب في أوكرانيا فقط، بل السياسات على مدى السنوات الماضية".
وانتقدت استراتيجية السيسي الخاصة
بمحاربة الإرهاب في سيناء، قائلة: "هذه الحملة استمرت لفترة أطول، وكانت أسوأ
مما قد تبدو عليه، على الرغم من أن الوضع أحسن مما كان عليه في السابق. لقد كانت
معركة شرسة وصعبة، وقد تعرضت الحكومة لانتقادات شديدة بسبب الإجراءات التي اتخذتها
بحق أهل سيناء، وما إذا كانوا يُعاملون حقا كباقي المواطنين المصريين".
وتابعت: "لا أعرف ما هي الدروس
التي تعلمها السيسي مما قدمناه له في كلية الحرب الأمريكية، لأن مكافحة الإرهاب
ليست الوسيلة المفضلة للجيش، والسيسي يعلم الفروق بين مكافحة التمرد ومكافحة
الإرهاب، ولكن في النهاية لست متأكدة من أنه تمكّن من تطبيقها في هذه الحرب
الخبيثة أم لا".
ورأت زهور أن الإطاحة بوزير الدفاع
السابق صدقي صبحي -الذي قامت أيضا بالتدريس له- من منصبه، "أمر غامض للغاية
بالنسبة لي، لكنني أعتقد أن هذه القرارات تكون جماعية من القيادة العسكرية ولا
تُتخذ بشكل فردي، وهي قرارات تتعلق بضمان الاستقرار واستمرار نفوذ الجيش
وتأثيره".
وفي شهر حزيران/ يونيو 2018، أقال السيسي
بشكل مفاجئ صدقي صبحي الذي شغل منصب وزير الدفاع منذ العام 2014، وذلك على الرغم
من علاقاتهما القوية، واعتقاد البعض أنه ثاني أقوى رجل في النظام، ورغم أنه كان
يوجد نص دستوري يمنع إقالة وزير الدفاع قبل 8 سنوات، وهو ما أثار جدلا واسعا
حينها.
ورغم دعوتها لإشراك جماعة الإخوان المسلمين بمصر،
وجميع القوى السياسية الأخرى، في "الحوار الوطني"، لأن "فكرة
المصالحة والحوار مهمة للغاية"، إلا أن زهور رأت أن هذه الفكرة "لا يمكن
أن تكون ناجحة، لأن الأمر يبدو مثل محاولة إجراء مصالحة بين مؤيدي ترامب
والديمقراطيين".
ولفتت زهور إلى أنه "جرى كتم
العديد من الأصوات الإعلامية في مصر التي كانت أكثر استقلالية في الماضي على ما هي
عليه اليوم، ولا أعتقد أن هذا جيد للمجتمع"، مضيفة أنه "كلما طالت المدة
التي يعيش فيها المجتمع في دولة معادية للديمقراطية كان من الصعب عليه بناء دولة
ديمقراطية يمكنها السماح بوجود آراء أخرى تختلف عن آراء السلطة".
وكشفت أنها قدمت مؤخرا طلبا رسميا
لإجراء مقابلة مع السيسي، "لأنني اعتقدت أنه قد يكون من الجيد أن أكتب سيرة
ذاتية عنه، ولم أرغب في فعل ذلك دون معلومات من شخص على قيد الحياة، لكنه رفض
طلبي، وربما السبب هو التوقيت".
وشريفة زهور هي مديرة معهد الدراسات
الشرق أوسطية والإسلامية والاستراتيجية في مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا
الأمريكية، وهي أستاذة سابقة في الكلية الحربية للجيش الأمريكي، ومعهد الدراسات
الاستراتيجية، والجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
والكلية الحربية للجيش الأمريكي (USAWC)
هي مؤسسة في الجيش الأمريكي في ولاية بنسلفانيا، وتوفر مواد تعليمية على مستوى
الدراسات العالي لكبار الضباط العسكريين والمدنيين لإعدادهم من أجل المهام الوظائف
القيادية العليا.
وفي ما يأتي نص الحلقة الأولى من
المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تنظرين للأوضاع في مصر اليوم بعد
مرور نحو 8 أعوام على حكم السيسي؟
لم أتمكن من الذهاب لأي مكان خلال فترة
الإغلاق الناتجة عن كورونا، لكنني زرت مصر ما بين كانون الثاني/ يناير وشباط/
فبراير من هذا العام، وعادة ما أحاول زيارتها كل عام. إلا أنني أشعر بخيبة أمل
كبيرة من بعض الأحداث التي وقعت في السنوات الثماني الماضية، وأنا قلقة بشأن الوضع
الاقتصادي الذي يعاني منه أكبر عدد من الناس في مصر نظرا لارتفاع الأسعار، وأنا
قلقة أيضا بشأن حالة انعدام الأمن التي لا تقتصر على الحرب في أوكرانيا فقط، وإنما
على مدى عدة سنوات.
أعتقد أن الوضع غير مستقر في مصر من
الناحية الاقتصادية. أما من الناحية السياسية، فلم يحدث الانفتاح المأمول مع الأخذ
بعين الاعتبار حقيقة أنه لا يوجد حقا منافسة مع الحكومة وقادتها. لذلك، فأنا أشعر بخيبة
أمل بشأن كل ذلك، وبشأن إنشاء كل هذه المشاريع "الكبرى" وعمليات البناء.
لديّ وجهتا نظر في الواقع، هناك حاجة
لبعض هذه المشاريع التي ربما تكون أفضل بكثير، ومشاريع أخرى يبدو أنه يتم بناؤها
بسرعة كبيرة، وهم يبنون بعض المواقع ذات الأهمية التاريخية التي يتم تدميرها. من
ناحية أخرى، فإن كل هذه البنية التحتية كانت بحاجة إلى تجديد بالفعل، وبالتالي فإن كل
صورة لمصر في العالم على ما أعتقد مشكوك فيها الآن، ومن الصعب شرح ذلك للناس داخل
مصر الذين بالطبع يرون العالم من منظورهم المحلي.
إن الأخبار التي نحصل عليها عن مصر في
العالم الخارجي تختلف من شخص مثلي؛ فأنا أقرأ عن مصر كل يوم وعدة مرات في اليوم
مقارنة بشخص ربما يرى قصة واحدة أو اثنتين في وسائل الإعلام لهذا أنا قلقة حقا.
ومؤخرا كنت مع 70 شخصا لم يسبق لهم
زيارة مصر من قبل، وكانت مهمتي أن أشرح لهم لماذا أصبحت مصر على ما هي عليه الآن،
فهذا ما سألوني عنه..
برأيكم، ما الأسباب الحقيقية التي دفعت
السيسي لإطلاق دعوة الحوار مع المعارضة قبل نحو شهرين؟
أعتقد أن هناك رغبة صادقة من قِبل
السيسي لتحسين المجالات التي تعرض فيها للنقد. لذا، فإذا كنت منتقدة، فيمكنك القول
إن هذا فقط لتقديم رؤى أفضل. أعتقد أنه سيتم بذل جهد للوصول إلى جميع أنحاء
المجتمع، وقد صدرت بالفعل الكثير من مراسيم العفو الرئاسية التي آمل أن تشمل عددا
أكبر من سجناء الرأي، ولكن في نفس الوقت لا يزال آخرون قيد الاعتقال. وأعتقد أن
الرئيس وأقرب مستشاريه يدركون كيف يبدو الأمر ويريدون بذل جهد لفعل شيء حيال ذلك،
وأنا لا أعرف كيف يمكن لهذه الجهود تحقيق أهدافها إذا لم تتضمن حقا خطوات حقيقية
لتخطي الفجوة والهوّة الراهنة.
السيسي قرّر استثناء واستبعاد جماعة
الإخوان من المشاركة في "الحوار الوطني".. كيف استقبلتم ذلك؟ وهل أنتم
مع أم ضد إقصاء الإخوان؟
هذا ما كنت ألمح إليه للتو. أعتقد أنه
إذا كنت تدعو لأي نوع من المصالحة الوطنية سواء كان ذلك فقط محادثة أو حوارا على
شكل مؤتمر لا بد من إشراك الجميع كان هذا رأيي منذ فترة طويلة، لكنني أدرك أن
كثيرين آخرين لا يتفقون معي ويضغطون بشدة لتجريم الإخوان المسلمين منذ فترة طويلة،
ولأنه تم تجريمهم مرة أخرى فهذا عذر لعدم إشراكهم في الحوار، لكن أعتقد أن هذه
المشكلة الكبيرة لا تقتصر فقط على تقريب وجهات النظر، وإنما أيضا عدم محاورة هؤلاء
المصريين الذين ربما اضطروا إلى الفرار من البلاد ومعارضة الحكومة، ولكن أيضا على
شرائح معينة من الليبراليين الذين شاركوا في ثورة 2011، والذين يشعرون بالمرارة
تجاه ما حدث منذ ذلك الحين.
لذا، أعتقد أن فكرة المصالحة والحوار
مهمة للغاية، لكنها لا يمكن أن تكون ناجحة. إن الأمر يبدو مثل محاولة إجراء مصالحة
بين الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة أو بين أولئك الذين هم بالفعل
مؤيدون لترامب ولا يعترفون بالحكومة الحالية، ودون التحاور مع بعضهم البعض فإنه لن يفضي
الأمر إلى أي نتيجة ملموسة.
قمتم سابقا بالتدريس للسيسي ولوزير
الدفاع السابق صدقي صبحي، لكن السيسي أطاح برفيقه وصديقه السابق صدقي صبحي قبل نحو
4 سنوات مثلما أطاح بالعديد من قادة الجيش الآخرين.. كيف تنظرون لذلك؟
في الحقيقة كلاهما كانا من طلابي
السابقين. صدقي صبحي كان يسبق السيسي بسنة واحدة، لذلك أنا في الواقع أعرف كليهما،
وأنا أعلم أنه تم تقديم ما حدث (مع صدقي) على أنه عزل بدلا من انقلاب، وهما أمران
مختلفان تماما.
أعتقد أن ما حدث لم ينبع من قرار شخصي
من الرئيس السيسي، وإنما كان بقرار من القيادة العسكرية، وهو أمر غامض للغاية
بالنسبة لي ولمعظم العالم الخارجي، لكنني أعتقد أن هذه القرارات تكون جماعية ولا
تُتخذ بشكل فردي، وهي قرارات تتعلق بضمان الاستقرار واستمرار نفوذ الجيش وتأثيره.
صحيفة "عربي21" نشرت مؤخرا
تقريرا يكشف منح السيسي ضباط الجيش وعائلاتهم حصانة وامتيازات غير مسبوقة.. ما
تعقيبكم على ما جاء في هذا التقرير؟
لقد قرأت الإصدار الأول من ذلك التقرير
ثم قرأت ملخص "ميدل إيست مونيتور". هذه منطقة صعبة للغاية تُوصف غالبا
بأنها علاقات مدنية عسكرية أحد جوانبها مدى سماح السياسة للجيش أن يظهر في الحياة
العامة ببعض البلدان. وفي بعض الدول يكون دور الجيش مهما للغاية في السياسة؛ إذ
يُسمح لأفراده بالتصويت (في الانتخابات)، لكن من المفترض أن يحافظ أفراد الجيش على
سرية آرائهم السياسية وانتماءاتهم وكأنهم لا يستطيعون ارتداء شارات رتبهم على
الكتف. وأعتقد أن الجانب الأهم هو الحصانة الممنوحة للضباط وعائلاتهم وإلى أي مدى
قد تصل هذه الحصانة، وكيف ستنظر شرائح المجتمع الأخرى إلى ذلك. وفي مصر، لا أعتقد
أنه من المستغرب أن تمر هذه الإجراءات عبر طبقة أخرى من الحماية الذاتية للجيش.
قمتِ بتدريس مادة متعلقة بمكافحة
الإرهاب للسيسي لمدة عام كامل حينما كنتِ أستاذة له.. فما تقييمكم لاستراتيجيته
الخاصة بمحاربة الإرهاب في سيناء وغيرها؟
من الصعب نوعا ما وصف هذا البرنامج في
الكلية الحربية للجيش الأمريكي التي تختلف تماما عن جامعتي الضخمة جامعة
كاليفورنيا، والتي كنت بالكاد أعرف فيها طلابي. بينما في كلية الحرب في ذلك الوقت
كان هناك 350 طالبا، وحوالي 50 ضابطا أجنبيا. الآن هم أكثر وتم تقسيمهم في ندوات
صغيرة من 13 شخصا في كل ندوة، وهناك ضابطان أجنبيان، وقد حاولوا أن يضيفوا معهما
امرأة واحدة. لقد حاولوا الحصول على تمثيل عادل لغير العسكريين من القوات البحرية
أو الخدمات الطبية اللوجستية، والخدمات الأخرى التي يصادف وجودها في وزارة
الخارجية.
لذلك، فإني تعرفت على السيسي جيدا، لأنه كان
في ندوتي، وقد أصيب قائد الندوة، وهو صديق لي، بجلطة دماغية. وحينها كان عليّ أن
أتولى المسؤولية بدلا منه، وهو كان واحدا من فئة كبيرة من المتخصصين في دراسات
منطقة الشرق الأوسط. لذا فالأمر أكبر بكثير من مجرد "مكافحة الإرهاب".
إنه يتعلق بأفكار بناء الديمقراطية، وما هو دور الولايات المتحدة في السياسة
الدفاعية الأمريكية في مختلف أنحاء العالم، وفي هذه الحالة في الشرق الأوسط،
ولماذا يبدو هذا الدور كما هو عليه؟
كانت الولايات المتحدة، في ذلك الوقت،
متورطة في العراق و"الحرب على الإرهاب"، وقد تم تقديم "الحرب على
الإرهاب" على أنها حرب استمرت عقودا وتورطت فيها جميع أنواع الجماعات
الإسلامية المتطرفة المختلفة، لكن حرب سيناء شاركت فيها مجموعة من هذا القبيل،
وكان السيسي أيضا في ندوة خاصة حول "مكافحة الإرهاب" حيث كنت ضيفة فيها.
لهذا تمكنت من رؤية رد فعله على ما كان يتم تدريسه.
ومع ذلك، فقد كانت هذه الدورة نظرية للغاية
من بعض النواحي، وحرب سيناء ليست نظرية. لقد كانت معركة شرسة وصعبة، وطويلة،
اُستعملت فيها سياسة العصا والجزرة. حيث جرت حملة عقابية ضد المسلحين، ولكن أيضا
محاولة إدراك ما مر به أهل سيناء، وقد تعرضت الحكومة لانتقادات شديدة بسبب الإجراءات
التي اتخذتها بحق الأهالي هناك، والتي تضمنت نقل الأشخاص وتغيير أماكنهم، إضافة
إلى وضعهم الاقتصادي، وما إذا كانوا يُعاملون حقا كباقي المواطنين المصريين.
لذلك، أعتقد أن هذا الأمر استمر لفترة
طويلة، وهو يشبه إلى حد كبير الأمثلة الأخرى التي درستها الجيوش في مجال
"مكافحة الإرهاب"، والتي تميل إلى أن تكون شرسة وصعبة عندما تُشنّ في
مناطق نائية حيث يسهل الاختباء والتهريب ويسهل إدخال الأموال وإخراجها، وينطبق
الأمر ذاته على الأشخاص.
وهذه الحملة استمرت لفترة أطول في
سيناء، وكانت أسوأ مما قد تبدو عليه، على الرغم من أن الوضع تحسن وبات أفضل مما
كان عليه في السابق. ولا أعرف ما هي الدروس التي تعلمها السيسي مما قدمناه، لأن
"مكافحة الإرهاب" ليست الوسيلة المفضلة للجيش، لأنها تستدعي التفكير على
المدى الطويل واستراتيجية طويلة المدى والتعامل مع ما نسميه عناصر حرب العصابات
التي تنخرط في مثل هذه الحالة لتضخيم آثار الحرب، وهي نوع صعب من الحروب التي
يحاول الجيش فيها التمييز بين "مكافحة التمرد" و"مكافحة
الإرهاب"، والسيسي يعلم كل هذه الفروق، ولكن في النهاية لست متأكدة من أنه
تمكّن من تطبيقها في هذه الحرب الخبيثة أم لا.
إلى أي مدى تعتقدين أن شخصية السيسي
تغيرت اليوم مقارنة بما كانت عليه حينما كنت تقومين بالتدريس له؟ وما تقييمكم
لقراراته اليوم؟
أنا لا أتفق مع بعض القرارات التي تم
اتخاذها؛ لأنني لا أعرف كيف اتخذت. استنتجت أن بعض القرارات يتخذها بعض المستشارين
والبعض الآخر يتخذها الرئيس السيسي. وقلت سابقا إن شخصية السيسي كانت مفيدة له؛
فقد كان يميل إلى تحمل مسؤولية كل ما يحدث، والتفكير ثم الرد في الوقت المناسب
بدلا من الغضب، لكن هذه الكلية (كلية الحرب) لا تشبه الكليات التي يدرس فيها الناس
في العشرينيات من عمرهم. هذه الكلية تضم شخصيات من كبار السن من ذوي الخبرة
الطويلة، وفي كثير من الأحيان يقودون الكتائب وقت الحروب. لذلك فإن لديهم خبرة وغالبا
ما يكون لديهم بعض المواقف التي تُشكّل تحديا لهم في مناصبهم.
بينما لا أعرف اليوم مدى شبهه (السيسي)
بشخصيته في ذلك الوقت، لكنني اعتقدت في ذلك الوقت أن الجانب الهادئ من هذه الشخصية
الذي تجلى في طابعه المتواضع كان جيدا، لكن بالطبع لا يمكنه الموازنة بين كل
الظروف الطارئة التي ترتبط بكونه رئيسا وبين تقديم صورة فضفاضة للمسائل. وهو يتعرض
لانتقادات بسبب جميع عمليات البناء، والمشاريع الكبرى، والعاصمة الإدارية الجديدة،
والمتحف الجديد الذي أحببته حقا، إلى جانب أشياء أخرى أحببتها بالفعل.
وإزاء ذلك، قدمت طلبا رسميا لإجراء
مقابلة معه، لأنني اعتقدت أنه قد يكون من الجيد أن أكتب سيرة ذاتية عنه، ولم أرغب
في فعل ذلك دون معلومات من شخص على قيد الحياة. لقد كتبت سيرا ذاتية لأموات لم
أتمكن من إجراء مقابلة معهم، لكن السيسي رفض طلبي، وربما السبب هو التوقيت. مَن
يدري إذا ما كان ذلك سيحدث لاحقا، وعندها سأكون قادرة على الإجابة عن أسئلتك تلك.
السيسي كان يعتقد أن الديمقراطية هي
أفضل نظام لمصر والشرق الأوسط وترجم ذلك في أبحاثه التي قدمها لكم، كما قلتم عام
2014.. ما الذي جعل موقفه يتغير من الديمقراطية أم إنه نجح في خداعكم كما خدع
الكثيرين؟
أنت تقصد ورقة بحثه الاستراتيجية التي
تشبه أطروحة قصيرة، وهي مطلوبة ضمن برنامجه الدراسي، والتي من المفترض أن تركز على
الاستراتيجية التي تختلف قليلا عن المواضيع الأخرى التي يمكن كتابة أطروحة عنها،
والفكرة هي: ما هي استراتيجيتك لتشجيع إرساء نظم الديمقراطية في الشرق الأوسط، وقد
ذكر مصر كمثال، لكنه تحدّث عنها بصورة عامة، ومن بين المواضيع التي تطرق إليها
حالة النظام التعليمي الذي يرغب في إصلاحه، ولا يزال أمام النظام التعليمي في مصر
شوط طويل ليقطعه؛ نظرا لأنه يعاني من الكثير من المشاكل. هناك سبب يقف وراء
محاولته إصلاحه، كما تعلمون، مثل تغيير النظام الإلكتروني أثناء الامتحانات وغير
ذلك، وتلك من المسائل التي لم يتم حلها بعد.
ولا أعتقد أنه غيّر رأيه، ولا أعتقد أن
ما كتبه على الورقة يعني بكل بساطة أن الديمقراطية هي أفضل نظام لمصر، أعتقد أنه
كان يرد على أشخاص آخرين؛ ففي مجال العمل ظل العديد من الضباط الأمريكيين يرددون
أنه لا يمكن إرساء الديمقراطية في الشرق الأوسط، وهذا النوع من الحجج يكتسي طابعا
عنصريا، لأنهم كانوا ينوّهون بأن المسلمين ليسوا ديمقراطيين، والأمثلة التاريخية
في المنطقة لم تكن ديمقراطية، بل هي أنظمة استبدادية وملكية أو أنظمة تجتمع فيها عدة
قوى للتشكيك في الديمقراطية.
لذلك، أعتقد أن ما كان يقصده في بحثه
هو أن إرساء الديمقراطية في المنطقة ممكن، ويمكنها أن تحظى بمصادر إسلامية، من
عملية المشورة والأخذ بالرأي وغيرها، وهذا يعود لفترة بعيدة نسبيا من زمن كتابة
البحث، مقارنة بما يحدث الآن، وأنا أعتقد أن حكومته نأت بنفسها عن الديمقراطية من
ناحية السماح بالمعارضة المفتوحة، وأنا ربما أتفهم أسباب حدوث ذلك.
في البداية، كانت المظاهرات بعد ثورة
الانقلاب أو ثورة الشعب أو أيّا ما تسميها، بعد 30 حزيران/ يونيو 2013، كانت
الاحتجاجات ضده عنيفة، وأرادوا أن يعرقلوا ويوقفوا العنف ومحاولات التخريب وغيرها،
لكن إذا أسكت المعارضة إلى حد ما، فإنها بالتأكيد ستجد مخرجا آخر، ستتحرك في
الخفاء أو تتحرك من أماكن خارج الدولة، وهو ما حدث بالفعل.
هناك هذه النظرة الإعلامية القاسية
والناقدة على مصر من الخارج، في ظل كتم العديد من الأصوات الإعلامية في مصر التي
كانت أكثر استقلالية في الماضي على ما هي عليه اليوم، ولا أعتقد أن هذا جيد للمجتمع،
وكلما طالت المدة التي يعيش فيها المجتمع في دولة معادية للديمقراطية كان من الصعب
عليه بناء دولة ديمقراطية يمكنها السماح بوجود آراء أخرى تختلف عن آراء السلطة.
لذا، فأعتقد أن التضحية تمت من أجل
تحقيق الاستقرار والنجاة في ذلك الوقت، وتحديدا النجاة الاقتصادية والسياسية،
ونأمل أن تتمكن من الاستمرار في المضي قدما، أعني، بأن تصبح مصر مثالا ديمقراطيا
يوما ما.