هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية (The New York Times) أكد مدير مكتب الصحيفة في القدس باتريك كينغسلي في تقريره "أن الرئيس جو بايدن سيجد ـ خلال زيارته هذا الأسبوع للشرق الأوسط ـ أن المنطقة قد تغيّرت كثيرا مقارنة بآخر زيارة له عام 2016؛ إذ سيجد التحالفات والأولويات والعلاقات مع الولايات المتحدة تغيرت بشكل كبير منذ رحلته الرسمية الأخيرة، قبل 6 أعوام؛ لتحتل العلاقة بين دول المنطقة العربية والكيان الأولولية على حساب العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين".
هل ما قاله كينغسلي حقيقة أم خيال؟ وهل الدول العربية باتت معنية بالتحالف مع الكيان الإسرائيلي وإنشاء سوق مشتركة بحسب ما بشر وزير مالية الاحتلال ليبرمان أكثر مما هي معنية بالصراع بين الفلسطينين والكيان الإسرائيلي ومآلاته؟.
هل بالإمكان تسطيح المشهد الإقليمي والدولي ليبدو وكأن حلم شمعون بيرس بشرق أوسط جديد يتزعمه الكيان الإسرائيلي بات حقيقة؛ أم أن المشهد الإقليمي والدولي يحوي تفاصيل أكبر وأهم مما تروج له ماكينة الدعاية الصهيونية بل والأمريكية؟.
إنها أسئلة مشروعة خصوصا في ظل الضخ والاجتياح الإعلامي الكاسح المرافق لزيارة بايدن للمنطقة؛ اجتياح سياسي وإعلامي يوحي بأننا أمام شرق أوسط جديد تقف على رأسه (إسرائيل) بلا منازع فلا خيار أمام المعارضين سوى رفع الرايات البيضاء والقبول بالأمر الواقع.
الجواب على الأسئلة جاء من عين الإعصار الاقتصادي في أمريكا التي غادرها بايدن نحو المنطقة العربية؛ فأمريكا تواجه تحولات أهم وأعمق من تلك التي أشار إليها كينغسلي في المنطقة العربية؛ إذ أعلن عن ارتفاع التضخم في أمريكا إلى 9.1% ناشرا الذعر بين المستثمرين في الأسواق المالية وأسواق الأسهم حيث يودع (كينغسلي) مدخراته وحيث يوجد راتبه التقاعدي ورهنه العقاري.
هل نجح الرئيس الأمريكي جو بايدن في إخفاء الكارثة وتوجيه الأنظار نحو القدس والخليج العربي؛ الجواب لا؛ فزيارة بايدن للكيان الإسرائيلي وللمنطقة تحول إلى موضوع للتندر في مواقع التواصل الاجتماعي الأمريكية قبل العربية؛ فما من خطوة للرئيس إلا وتتعرض للانتقاد والسخرية تحركها تصرفات الرئيس العجوز غير المتزنة ويغذيها فشله الكامن في كبح جماح التضخم قبيل انتخابات الكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
الأرقام الصلبة والأرقام الرخوة
زيارة بايدن للكيان الإسرائيلي ولقاؤه المرتقب بقادة الدول العربية التسع (دول الخليج + 3) في جدة لم تفضي لانخفاض أسعار النفط؛ فرغم تزامن انخفاض أسعار النفط 7% مع زيارة بايدن للمنطقة إلا أن ارتفاع معدلات التصخم والتوقعات بارتفاع أسعار الفائدة 75 نقطة تعتبر المسؤول الحقيقي عن انخفاض أسعار خام برينت إلى 98 دولارا؛ إذ سارع المستثمرون للتخلص من عقود النفط الآجلة خوفا من أن تقود الزيادات الكبيرة المتوقعة في أسعار الفائدة إلى تباطؤ في النمو ما سيضر بالطلب على النفط ويدفع نحو تراجعه دون الـ 65 دولارا.
مقابل حالة الهلع في الأسواق الأمريكية والأوروبية من تباطؤ النمو أعلنت الصين عن زيادة في تجارتها الخارجية بمقدار 9.4% خلال النصف الأول من العام الحالي 2022 ما يعادل الـ 19.8 تريليون يوان (2.94 تريليون دولار)؛ في حين زادت الصادرات 13% فإن الورادات لم تتجاوز نسبة 5% محققة بذلك فائضا تجاريا تفوقت فيه على منافسيها في أورويا وأمريكا.
هل نجح الرئيس الأمريكي جو بايدن في إخفاء الكارثة وتوجيه الأنظار نحو القدس والخليج العربي؛ الجواب لا؛ فزيارة بايدن للكيان الإسرائيلي وللمنطقة تحول إلى موضوع للتندر في مواقع التواصل الاجتماعي الأمريكية قبل العربية؛
الأرقام في الصين صلبة تتحدث عن الإنتاج والصادرات والواردات وتعلن عنها هيئة الجمارك الصينية في حين أنها في أمريكا رخوة تتحدث عن العملة الورقية وأسعار الفائدة والتضخم التي تقود النمو الأمريكي صعودا وهبوطا ويعلن عنها تقرير المجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي الذي أكد تباطؤ النمو الاقتصادي الأمريكي في الفترة من منتصف أيار (مايو) الماضي حتى منتصف تموز (يوليو) الجاري.
مشهد لا يختلف كثيرا عن الحقائق الصلبة على الأرض في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي الـ 48 التي تقابلها الحقائق الرخوة بالحديث عن تحالفات وشراكات اقتصادية وسياسية وأمنية بين الكيان الإسرائيلي وبعض الدول العربية سرعان ما تبددها المواجهات والاشتباكات بين الاحتلال والشعب الفلسطيني.
التحولات الدولية والتأرجح الإقليمي
التحولات البنيوية في الاقتصاد الدولي باتت حقيقة والعالم بانتظار التحولات الهيكلية من خلال مؤسسات موازية أو حصص أكبر للصين والبرزايل والهند وأندونيسيا في المؤسسات المالية والنقدية الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي بل وفي المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن.
المنطقة العربية كما الحال في غرب آسيا (إيران وتركيا والكيان الإسرائيلي) تتأرجح بين التكتلات الكبرى والأزمات المتجذرة في المنطقة سواء الجيواقتصادية والسياسية والبيئية والديموغرافية؛ تأرجح لن تحسمه زيارة بايدن المتعب إلى المنطقة بلقائه قادتها القلقين من التحولات الدولية ومن التراجع الاقتصادي والسياسي الأمريكي وتداعيات ذلك على بلدانهم واستقرار أنظمتهم السياسية في ظل أزمة اقتصادية دولية تلوح في الأفق تقع أمريكا وأوروبا في بؤرتها؛ فما حدث في في سيرلانكا ومن قبله في أفغانستان يلقي بظلال مخيفة ومقلقة على دول المنطقة.
ختاما .. زيارة بايدن لم تحدث انعطافة كبيرة في مسار الاقتصاد الأمريكي المأزوم؛ أو المسار الاستراتيجي الدولي الأوسع الذي تبع اندلاع الحرب الأوكرانية في 25 من شباط (فبراير) الماضي؛ فهو استعراض إعلامي ودبلوماسي لا يحظى بقبول شعوب المنطقة التي تعاني من أوضاع اقتصادية متدهورة وعربدة إسرائيلية تفاقم من أزمة الشرعيات السياسية في المنطقة العربية فما توهمه كينغسلي بأنه تغير في المنطقة العربية كان مجرد انعكاس مشوه لتراجع النفوذ الأمريكي وتآكله في المنطقة والعالم.
hazem ayyad
@hma36