سيل من التقديرات والتساؤلات،
منذ الإعلان عن جولة الرئيس الأمريكي جو
بايدن لمنطقة الشرق الأوسط، وحتى نهاية
الزيارة.
وما بين توقع تحولات جديدة
تشهدها المنطقة، وتحقيق للاستقرار، وتحالف يضم
إسرائيل ودولا عربية؛ لمواجهة إيران
(روجت له التعليقات الإسرائيلية بشدة)، وتسويق إسرائيل لدى
السعودية، وتحقيق
تنازلات في ملف النفط؛ فإن مخرجات هذه الزيارة -التي تُعد الأولى لبايدن، بعد نحو
عام ونصف من توليه الرئاسة- تُعدُ ضعيفة.
المعطيات على الأرض تؤشر إلى
أن زيارة بايدن لن تُحدث اختراقات كبيرة على المدى القصير، ولكن ربما حققت
"اللقطة" التي كان يُراد تصديرها للداخل الأمريكي، والتي من المبكر لمس
نتائجها على أرض الواقع.
تحسين صورة بايدن أمام
الأمريكيين
النقطة الأهم في زيارة بايدن
للمنطقة، هي: أنها زيارة مدفوعة بعوامل داخلية؛ فالرئيس بايدن كان يسعى حثيثا
لتحسين صورته؛ لكسب التأييد على مستوى الداخل الأمريكي، في ظل استطلاعات رأي أظهرت
ضعف مستوى قبول سياساته، وتوقعات بنتائج مخيبة ومؤلمة في انتخابات التجديد النصفي
لمجلسي الشيوخ والنواب، المزمع إجراؤها بعد أربعة شهور (تشرين الثاني/ نوفمبر 2022)؛
فالناخبون الأمريكيون يعنيهم سماع أخبار أفضل عن أسعار الوقود، وخاصة أن الأمريكي
لا يصوت إلا من خلال جيبه.
زيارة مدفوعة بعوامل داخلية؛ فالرئيس بايدن كان يسعى حثيثا لتحسين صورته؛ لكسب التأييد على مستوى الداخل الأمريكي، في ظل استطلاعات رأي أظهرت ضعف مستوى قبول سياساته، وتوقعات بنتائج مخيبة ومؤلمة في انتخابات التجديد النصفي
بايدن والنزول عن الشجرة!
لقد تأرجحت زيارة بايدن
للمنطقة ما بين الاضطرار والاختيار، وما بين نار الحاجة للنفط ونار الاتهام
بالتراجع عن مواقفه، وما بين سؤال حائر وإجابة غير صريحة.
لقد كانت الزيارة، خاصة
للسعودية تمثل كابوسا إعلاميا لإدارة بايدن. غير أنه في كل الأحوال، كان البيت الأبيض
يبحث من خلال زيارة بايدن عن فوائد للمصالح الأمريكية؛ عبر محاولة دمج إسرائيل في
المنطقة، وتسويقها لدى السعودية، إضافة للحصول على تنازلات سعودية في مسألة النفط؛
عبر زيادة الإنتاج لتعويض عجز الطاقة الذي يئن منه الغرب، بعد الحرب الروسية على
أوكرانيا.
قبل زيارة بايدن، ومنذ توليه
الرئاسة، كانت وجهة نظره سلبية تجاه منطقة الشرق الأوسط. وقد كانت هناك مشكلة داخل
الحزب الديمقراطي نفسه الذي ينتمي إليه بايدن؛ حيث لم يكن الحزب يريد زيارته
للمنطقة والسعودية.
وعلى جانب آخر، كانت هناك
ضغوطات من أعضاء الكونجرس الساعين لحشد الدعم؛ لأجل قرار بوقف الدعم اللوجيستي
والاستخباراتي للسعودية في حرب اليمن.
ومن ناحية أخرى، كان ضغط
عائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، والتي تطالب الرئيس بايدن
بضرورة تحميل السعودية المسؤولية عن الهجمات.
وبعد وصفه المملكة العربية السعودية
بالدولة المنبوذة؛ ينزل بايدن عن الشجرة، التي اعتلاها طوال فترة رئاسته؛ بعد
تمهيد المناخ الداخلي لجولته، ويزور السعودية، واستبق ذلك بمقال مطول له نُشر في
"واشنطن بوست" بعنوان سؤال حائر، هو: "لماذا أزور السعودية؟".
بعد وصفه المملكة العربية السعودية بالدولة المنبوذة؛ ينزل بايدن عن الشجرة، التي اعتلاها طوال فترة رئاسته؛ بعد تمهيد المناخ الداخلي لجولته، ويزور السعودية
بماذا عاد "الصهيوني
العظيم" للشارع الأمريكي؟
صهيوني عظيم، هكذا وصف رئيس
وزراء الاحتلال الإسرائيلي يائير لابيد؛ الرئيس الأمريكي بايدن، في مستهل زيارته
للأراضي المحتلة، وذكر أنه أحد أفضل الأصدقاء الذين عرفتهم إسرائيل على الإطلاق.
في هذه الزيارة يؤكد بايدن،
بل ويعمق ما بدأه سلفه الرئيس السابق ترامب، من سياسة التطبيع بين الدول العربية
والاحتلال الإسرائيلي.
إدارة بايدن توقن أنه لا مجال
لحل الدولتين، أو حتى الدولة الواحدة؛ ولذلك تسعى عبر توسيع اتفاقيات إبراهام
للسلام للالتفاف على القضية الفلسطينية، ومحاولة تصفية الجانب الفلسطيني، وتسهيل
حله.
نتائج يريدها بايدن
يمكن القول إن هناك قناعة لدى
الرئيس بايدن، أن تحقيق بعض النتائج من هذه الزيارة ستخلصه من مأزقه الحالي،
وتساعده لدى الشارع الأمريكي.
النتيجة الأولى التي سعى لها
بايدن، تتمثل في إعادة الاستقرار لأسواق النفط، وطمأنة المواطن الأمريكي.
والنتيجة الثانية، تتمثل في
إحداث نقلة نوعية في العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية؛ حيث تريد
إسرائيل علانية هذه العلاقات.
النتيجة الأولى التي سعى لها بايدن، تتمثل في إعادة الاستقرار لأسواق النفط، وطمأنة المواطن الأمريكي.
والنتيجة الثانية، تتمثل في إحداث نقلة نوعية في العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية
نقطة هامة.. تيران وصنافير
كانت صحيفة "جيروزاليم
بوست" الإسرائيلية قد ذكرت قبل زيارة بايدن، أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تتجه
إلى الموافقة على خروج القوات الدولية من جزيرتي تيران وصنافير؛ لتنتقل السيادة
عليهما من مصر إلى السعودية، وفي المقابل ستسمح السعودية للطائرات الإسرائيلية
بحرية المرور من أجوائها، كما تريد إسرائيل تسيير رحلات مباشرة إلى مكة المكرمة؛
ليتمكن المسلمون تحت حكم الاحتلال الإسرائيلي من الحج والعمرة بسهولة. وقد تُوجت
زيارة بايدن بإعلان فتح الأجواء السعودية أمام الطيران الإسرائيلي.
يمكن القول إن فتح المجال
الجوي السعودي أمام الطيران المدني الإسرائيلي هو أكبر إنجاز في رحلة بايدن. وبدون
شك فإن بايدن يريد التأكيد بأن ينُسب الفضل لإدارته في تحقيق نقل الجزيرتين، وهذا
لن يمثل دعما قويا ليائير لابيد في الانتخابات القادمة فحسب؛ ولكنه سيُعد أيضا
انتصارا يجير لصالح إدارة بايدن، ويقوي أرضيتها في الشارع الأمريكي.
علاقات تريدها إسرائيل علانية
أشارت تقارير إلى أن هناك
علاقاتٍ غير علنية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، تشمل الجانب الاقتصادي
والاستخباراتي.
كما أن هناك تقارير إعلامية
أمريكية وإسرائيلية، تشير إلى أن شركات إسرائيلية تلعب دورا مهما في مشروع
"مدينة نيوم" في منطقة تبوك شمال غرب السعودية، الذي يُعد حلم الأمير
محمد بن سلمان لتنويع اقتصاد المملكة، وتقليل اعتمادها على النفط كمصدر أساسي
للدخل.
ووفقا لتقارير صحيفة
"جلوبال بيزنس اليومية"، فإن العديد من رجال الأعمال الإسرائيليين في
مجال التكنولوجيا زاروا السعودية.
إضافة إلى ذلك، فإن المسؤولين
الإسرائيليين يجددون رغبتهم باستمرار في إقامة سوق مشتركة جديدة في المنطقة، تضم
إسرائيل إلى جانب السعودية، ودول الخليج والأردن.
لذلك فإن إعلان الاتفاق بين
السعوديين والأمريكيين؛ ربما يفتح الباب لالتحاق الرياض باتفاقات السلام
الإبراهيمية، بحسب ما يعتقده البعض.
التحالفات التي يمكن الوصول إليها، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية؛ كلها تصب في مصلحة دمج إسرائيل في المنطقة، كما تقوى صورة بايدن لدى اللوبي الصهيوني، وفي الشارع الأمريكي
وعلى كل الأحوال، فإن
التحالفات التي يمكن الوصول إليها، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية؛ كلها تصب في
مصلحة دمج إسرائيل في المنطقة، كما تقوى صورة بايدن لدى اللوبي الصهيوني، وفي
الشارع الأمريكي.
التوفيق بين ملفات مختلفة
إن بايدن ليُحَصل ما يريده من
نتائج؛ فإنه كان لا بد أن يقدم شيئا ما للسعودية والمنطقة. فهل استطاع فعلا أن
يقدم شيئا تتكامل من خلاله مصالح السعودية ودول المنطقة، مع مصالح بايدن وأمريكا؟
هناك قضايا ملحة طُرحت تهم
الجانب السعودي ودول الخليج؛ تتعلق بالملف اليمني، ومصادر الطاقة، والملف الأهم
المتعلق بإيران -فاتفاق نووي مع إيران يراعي مصالح دول الخليج مهم جدا بالنسبة
للسعودية- وإعطاء ضمانات للسعودية بعدم تدخل إيران في الدول العربية، وتحسين الثقة
المتراجعة في أمريكا؛ بسبب الموقف الضعيف من الهجمات على السعودية والإمارات.
السعودية تطلب من أمريكا
مزيدا من الدعم السياسي والعسكري؛ لمواجهة التهديدات الإيرانية، خاصة مع اقتراب
إيران أن تصبح دولة نووية، ومن مصلحة واشنطن أن تعمل على إحداث توازن، وتتفادى أي
مواجهات، قد تنعكس على أسعار النفط بمزيد من الارتفاع.
كما تريد المملكة العربية
السعودية تأييد واشنطن لرؤية 2030، التي أعلنها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن
سلمان.
هذه جميعها ملفات كان على
بايدن التوفيق بينها، وبين ما يريد أن يعود به للشارع الأمريكي.
الخلاصة
ما بين سؤال بايدن الحائر "لماذا
أزور السعودية؟"، ونزوله عن الشجرة ووصوله السعودية -التي وصفها بالدولة
المنبوذة- المحطة الأبرز والأهم في جولته، وإجرائه مباحثات مع الملك سلمان، وولي
عهده الأمير محمد بن سلمان، وعقده لقاء قمة جمعت دول الخليج، إضافة لمصر والأردن
والعراق؛ يمكن القول إن مخرجات زيارة بايدن لن يترتب عليها نتائج كبيرة ملموسة في
ملفات المنطقة، سواء على الصعيد السياسي، أو الاقتصادي، أو الأمني، بغض النظر عن
الإعلانات المتصدرة عنها.
فالقضية الفلسطينية، التي
تمثل القضية المركزية العربية ومفتاح الاستقرار في المنطقة، ما زالت تراوح مكانها.
وبخصوص النفط، ورغم أن الأمير
محمد بن سلمان أعلن زيادة الإنتاج إلى 13 مليون برميل يوميا، وهي أقصى ما يمكن
الوصول إليه، إلا أن بايدن لم يحصل على التزام واضح بشأن زيادة مستوى لإنتاج، وهذا
ما تؤكده تصريحات وزير الخارجية السعودي، الذي ذكر أن الأمر يحتاج مراجعة دقيقة،
من خلال أوبك بلس.
فيما يتعلق بموضوع الترتيبات الأمنية الإقليمية، فإن الأمر قد انطوى على مبالغات كبيرة، روجت لها إسرائيل تحديدا قبل زيارة بايدن؛ إذ من الصعب تأسيس علاقة تحقق استقرار إقليمي في ظل التباينات الاستراتيجية بين دول المنطقة، وتشابك المصالح الدولية وتعقيداتها
وفيما يتعلق بموضوع الترتيبات
الأمنية الإقليمية، فإن الأمر قد انطوى على مبالغات كبيرة، روجت لها إسرائيل
تحديدا قبل زيارة بايدن؛ إذ من الصعب تأسيس علاقة تحقق استقرار إقليمي في ظل
التباينات الاستراتيجية بين دول المنطقة، وتشابك المصالح الدولية وتعقيداتها.
ولكن على جانب آخر، إن زيارة
بايدن أكدت أن السعودية الآن على طاولة الكبار، ومثلت عودة كبيرة للمملكة على
الساحة الدولية. كما أن التحولات الجارية دوليا وإقليميا تقدم فرصة لدول الخليج،
لتصبح قوة فاعلة ومركزية في سياسات الطاقة العالمية والسياسات الإقليمية؛ عبر إحداث
التوازن بين العلاقة مع الولايات المتحدة، والعلاقة مع الصين وروسيا، المنافسين
الاستراتيجيين لواشنطن.
وإن كان هناك من رابح أكبر من
زيارة بايدن؛ فإنها إسرائيل، وبالطبع سيجير هذا الربح ليصب في مصلحة بايدن، الذي
كان يبحث عن تلك اللقطة لمواجهة أصعب لحظاته في الداخل الأمريكي، والتي عبر عنها
بسؤاله الحائر، "لماذا أزور السعودية؟" وأجوبته غير الشافية التي نزل
بها عن الشجرة.ِ