زيارة أمير قطر التاريخية للقاهرة.. قراءة في صفحة جديدة

زيارة تاريخية، أعتقد أنها تستحق أن تكون كذلك، فزيارة أمير قطر للقاهرة في 24 حزيران/ يونيو 2022، كانت الأولى منذ سبع سنوات، ومثلت حدثا مهما في المرحلة السياسية العربية الحالية، التي تشهد استدارة في السياسة الخارجية لعدد من الدول العربية، وأكدت أن الجميع في المنطقة يعيشون لحظة الحقيقة، وأنه قد آن الأوان لطي صفحات سابقة، وبدء صفحة جديدة.

ورغم أن الزيارة استغرقت يوما واحدا تقريبا، إلا أنها كانت نوعية بكل المقاييس، وستكون لها انعكاساتها الإيجابية على العلاقات الثنائية بين القاهرة والدوحة، على أصعدة مختلفة سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا، وعلى صعيد تأكيد عمق العلاقة بين الشعبين المصري والقطري. وليس هذا فحسب، ولكن على صعيد كثير من الملفات في المنطقة.

عودة الأمور إلى طبيعتها

منذ انعقاد قمة العلا في الخامس من كانون الثاني/ يناير 2021، انطلق قطار المصالحة بين دول الرباعية وقطر، وجرى في نهر العلاقات تيار جديد في المنطقة، يقوم على اعتماد الدبلوماسية والسياسة الهادئة؛ للتوفيق بين المصالح المختلفة، وبدأت الأمور تعود إلى طبيعتها، وزيارة أمير قطر للقاهرة كانت محطة الوصول إلى أعلى مستويات التنسيق بين البلدين.

رغم أن الزيارة استغرقت يوما واحدا تقريبا إلا أنها كانت نوعية بكل المقاييس، وستكون لها انعكاساتها الإيجابية على العلاقات الثنائية بين القاهرة والدوحة، على أصعدة مختلفة سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا، وعلى صعيد تأكيد عمق العلاقة بين الشعبين المصري والقطري

لقد سبق هذا اللقاء بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لقاءان آخران، كما شهدت الفترة الماضية تمهيدا للأرض، وتهيئة للأجواء على صعيد الرأي العام، خاصة أن العلاقات عميقة بين الشعبين الشقيقين المصري والقطري. ورغم الاختلاف الذي كان قائما في وجهات النظر السياسية على أرضية اصطفاف أيديولوجي، فإن العلاقات الاقتصادية ظلت قائمة بين البلدين.

كذلك شهدت الفترة الماضية تنسيقا على أصعدة مختلفة، ولقاءات مصرية قطرية، حيث استضافت الكويت في شباط/ فبراير 2022 محادثات بين وفدين من مصر وقطر. وبعد ذلك في آذار/ مارس كانت زيارة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني للقاهرة، ثم كانت زيارة سامح شكري وزير الخارجية المصري لقطر، ضمن الاجتماع الوزاري لمجلس وزراء خارجية الدول العربية.

زيارة مهمة في لحظة فارقة

تأتي زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للقاهرة في لحظة فارقة، حيث يعيش العالم والمنطقة أحداثا ملتهبة وأزمات اقتصادية، تستوجب التنسيق بين البلدين وغيرهما من الدول العربية والقوى الإقليمية في المنطقة؛ مما يجعل الزيارة تكتسي أهمية بالغة.

كما تمثل هذه الزيارة أهمية كبيرة، خاصة على الصعيد الاقتصادي بالنسبة لمصر، حيث تمتلك قطر قدرات استثمارية عالية، يمكنها أن تساهم بقوة في تخفيف الضغط على الاقتصاد المصري، في ظل أزمة اقتصادية عالمية ألقت بثقلها على البلاد، ويساعد على ذلك الاستقرار الذي تتمتع به الدولة المصرية؛ مما يمثل بيئة آمنة لضخ الاستثمارات القطرية، التي يُرجى أن تعود بمنافع على الشعبين المصري والقطري.

وبالفعل، فقد سبق هذه الزيارة الإعلان عن مجموعة من الاستثمارات والشراكات بين قطر ومصر بإجمالي خمسة مليارات دولار، وفقا لبيان مجلس الوزراء المصري في 29 آذار/ مارس 2022.

تحمل زيارة أمير قطر للقاهرة بعدا سياسيا واستراتيجيا، في ظل التحديات المشتركة التي تواجهها دول المنطقة، ومما لا شك فيه أن التنسيق بين القاهرة والدوحة -التي باتت لاعبا دبلوماسيا مؤثرا منذ فترة طويلة، وتمتلك علاقات قوية إقليميا ودوليا- سيصب في مصلحة مصر وقطر والدول العربية

تحديات مشتركة لدول المنطقة

من ناحية أخرى، تحمل زيارة أمير قطر للقاهرة بعدا سياسيا واستراتيجيا، في ظل التحديات المشتركة التي تواجهها دول المنطقة، ومما لا شك فيه أن التنسيق بين القاهرة والدوحة -التي باتت لاعبا دبلوماسيا مؤثرا منذ فترة طويلة، وتمتلك علاقات قوية إقليميا ودوليا- سيصب في مصلحة مصر وقطر والدول العربية.

وعلى جانب آخر، تؤدي القاهرة دورا مركزيا بخصوص التهدئة في المنطقة، بحكم المكان والمكانة والتاريخ، وعلاقات الإدارة المصرية مع الاحتلال الإسرائيلي.

التحديات المشتركة تفرض على الدول العربية الاصطفاف في مواجهتها على أرضية ثابتة، لا بد لها من تفاهمات وتوافقات، وفي الوقت ذاته تقتنص الفرص التي أنتجتها ضغوط هذه التحديات.

فعلى سبيل المثال، جاءت زيارة أمير قطر للقاهرة قبل زيارة الرئيس الأمريكي جون بايدن للمنطقة في تموز/ يوليو 2022، حيث ستُعقد قمةٌ عربية أمريكية مصغرة، سيكون محور اهتمامها بحث ترتيبات المنطقة، ناهيك عن موضوع النفط الذي يؤرق أمريكا وأوروبا.

وفي هذه الزيارة، سيسعى الرئيس الأمريكي جون بايدن للوصول إلى فوائد لمصلحة إسرائيل، أكثر من سابقه الرئيس ترامب، سعيا لإدماجها في المنطقة عبر علاقات جديدة مع بعض الدول العربية؛ ليعزز بذلك موقفه قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.

وعلى جانب آخر، فإن الحرب الروسية على أوكرانيا أثبتت للعرب أن أمريكا حليف غير موثوق فيه، ومن ثم فإنه لا يوجد انحياز لأحد.

أيضا فيما يتعلق بالملف الإيراني، تأتي زيارة أمير قطر في ظل تمتع بلاده بعلاقات قوية مع إيران، وكونها الأقرب لها من بين الدول العربية، ولديها رؤية أفضل حول العلاقات معها، وتعد الأقدر على تقديم أفضل التصورات للتعامل مع الدولة الإيرانية.

ومن هنا، تأتي أهمية زيارة أمير قطر للقاهرة في هذا التوقيت، سعيا من القاهرة والدوحة لتنقية الأجواء، وتنقيح الرؤى والتصورات، وبما يمكّن الدول العربية من المبادرة وتجنب الانحياز، وفي نفس الوقت كسب موقف مع الولايات المتحدة الأمريكية، دون خسارة القوتين الكبيرتين: روسيا والصين، أيضا تحقيق خطوة متقدمة نحو حل أزمات المنطقة، والعلاقات الخليجية الإيرانية.

وهناك نقطة مهمة تؤشر إليها زيارة أمير قطر لمصر، هي: أن هناك استدارة في السياسات الخارجية لعدد من الدول العربية، حيث شهدت المنطقة عودة للعلاقات الإماراتية التركية، والعلاقات السعودية التركية؛ مما يدفع إلى التوقع أن هناك فرصة سانحة للتسوية بين مصر وتركيا في المستقبل القريب، قد تُتوج بزيارات على أعلى المستويات بين البلدين، خاصة أنه ليس هناك ثابت في السياسة، ولكن الثابت في السياسة هو المتغير.

التحولات التي يشهدها العالم، إضافة للتحديات الحاصلة، وتراجع أمريكا، وانسحابها من المنطقة، ورغبتها في أن تكون أقل انغماسا ووجودا عسكريا فيها، كل ذلك يحمل في أعماقه فرصا ثمينة للدول العربية لخلق حالة إقليمية جديدة

ختاما

أعتقد أن زيارة أمير قطر لمصر كانت بالفعل زيارة تاريخية مهمة، ووضعت حدا فاصلا بين ما قبلها وما بعدها، وسيظهر أثر ذلك على صعيد العلاقات على مستوى المنطقة والإقليم.

قطر رغم أنها دولة صغيرة المساحة، إلا أنها استطاعت خلال العقود الماضية أن تفرض نفسها كلاعب كبير في المنطقة، وأن تمتلك علاقات قوية مع العديد من القوى الإقليمية، ومن ثم فإن عودة العلاقات بين مصر وقطر إلى طبيعتها؛ سيمثل قوة دافعة لتعزيز الترابط بين الدول العربية، وتعميق التعاون على المستوى الإقليمي.

ولعلي لا أبالغ في القول بأن التحولات التي يشهدها العالم، إضافة للتحديات الحاصلة، وتراجع أمريكا، وانسحابها من المنطقة، ورغبتها في أن تكون أقل انغماسا ووجودا عسكريا فيها، كل ذلك يحمل في أعماقه فرصا ثمينة للدول العربية؛ لخلق حالة إقليمية جديدة، تقوم على تحقيق التعاون العربي والإقليمي، في نفس الوقت فرصة للانفكاك من الهيمنة الأمريكية، والاعتماد على الذات لحل المشكلات العربية والإقليمية، وفتح صفحة جديدة للمنطقة العربية.