قضايا وآراء

قطر بطل كأس العالم.. من الفائز الحقيقي بالمونديال؟

محمد الشبراوي
آبرزت قطر ثقافة المنطقة خلال المونديال- جيتي
آبرزت قطر ثقافة المنطقة خلال المونديال- جيتي
لم يكن انطلاق صافرة الحكم بانتهاء مباراة الأرجنتين وفرنسا مجرد إعلان بفوز المنتخب الأرجنتيني بنهائي مونديال 202؛ ولكن كان إعلانا بتتويج قطر بطلا لبطولات كأس العالم عن جدارة واستحقاق.

* * *

تتويج قطر بطلا للتنظيم

على مدار 22 نسخة لكأس العالم لو أراد الخبراء اختيار دولة لتُتوج بطلا لكأس العالم في التنظيم والاستضافة، فإن قطر هي حاملة اللقب عن جدارة وامتياز وبلا منازع.

 كان تنظيم قطر لكأس العالم فارقا في تاريخ البطولة العالمية الأهم. لقد أحرجت قطر بتنظيمها المونديال من سبقها وأعجزت من سيأتي بعدها، ولا أظن أن بطولات كأس العالم أو أي بطولة عالمية أخرى ستصل في مستواها التنظيمي وأرقامها القياسية إلى ما وصل إليه مونديال قطر، أو تستطيع أن تحاكيه، ولسنا في حاجة لسرد تفاصيل، فما نُشر وشاهده العالم وأكده المختصون أصدق أنباء، ويغنينا عن السرد والتكرار.

* * *
قبيل بدء المونديال، تعرضت الدوحة لحملة ممنهجة عبر وسائل إعلام غربية موجهة، ومدفوعة بأسباب مختلفة، والرابط بينها جميعا دوافع مصلحية غير أخلاقية.

قوة دبلوماسية وإعلامية

ومن ناحية أخرى، يحصي المراقب لمونديال قطر نقاطا فارقة على مستويات عدة.

قبيل بدء المونديال، تعرضت الدوحة لحملة ممنهجة عبر وسائل إعلام غربية موجهة، ومدفوعة بأسباب مختلفة، والرابط بينها جميعا دوافع مصلحية غير أخلاقية.

وقد أكد المونديال أن قطر فاعل دولي وإقليمي تملك أدوات حاسمة في مواجهة الحملات المغرضة وغير الأخلاقية، وهنا يبرز دور الدبلوماسية القطرية التي أكدت قوتها وتوازنها. كما برز دور المؤسسات الإعلامية القطرية، وأثبتت شبكة الجزيرة بتوابعها المختلفة أنها قوة لا تقارن في مجال الإعلام؛ جعلت الدعوات الغربية لمقاطعة المونديال والتحريض ضد قطر مجرد رجع صدى في فضاء لا يسكنه أحد.

* * *

الشخصية العربية والإسلامية

على جانب آخر، مثّل مونديال قطر مفاجأة للعالم، وهنا لا أقصد مفاجأة التنظيم المحسوم أمره لصالح الدوحة، ولكن أقصد مفاجأة العالم بحقيقة الشخصية العربية والإسلامية، والتي أحسنت قطر وشعبها والمقيمون فيها من العرب والمسلمين تمثيلها أمام العالم.

مثّل مونديال قطر مفاجأة للعالم، وهنا لا أقصد مفاجأة التنظيم المحسوم أمره لصالح الدوحة، ولكن أقصد مفاجأة العالم بحقيقة الشخصية العربية والإسلامية، والتي أحسنت قطر وشعبها والمقيمون فيها من العرب والمسلمين تمثيلها أمام العالم

 لقد أظهر مونديال قطر البعد الأخلاقي والقيمي الذي تنطلق منه الشخصية العربية المسلمة ويفتقده الغرب تماما؛ نتيجة طغيان المادية والمصلحية والانفراط الأخلاقي.

 نجحت قطر عبر المونديال أن تُطلع العالم على الثقافة العربية الإسلامية، وتقدم الصورة الإيجابية عن الشخصية العربية المسلمة.

 لقد استطاعت الدوحة خلال فترة المونديال هدم الصورة السلبية التي عمد الإعلام الغربي على تصديرها عن العربي والمسلم، وأطّرها بطريقة ممنهجة ومقصودة في أدنى الدرجات لدى المتلقي الغربي الأسير لما يقذفه إليه الإعلام الغربي من أفكار وانطباعات لا تخلو من الأغراض الدنية.

لقد شاهدت جماهير العالم التي قدمت إلى قطر، ومعها بقية العالم عبر الشاشات حقيقة الشخصية العربية الإسلامية، والتي طرحت على العالم نموذجها في الأخلاق والكرم والاحترام، وفي العطاء والبذل، وفي إعلاء الإنسانية، وتنزيه الفطرة، واحترام الآباء والأمهات، وإعلاء قيمة الأسرة، وهذا ما يفتقده الغرب حقيقة لا مجازا.

* * *

لواء فلسطين

لم يكن يدور في خلد أحدهم أن بطولة كأس العالم في قطر 2022 ستكون رافعة لواء فلسطين على مشهد ومرأى العالم أجمع، وأن قطر ستكون حاملة هذا اللواء.

ومهما يقال أو قيل، فإن قطر حكومة وشعبا يكفيها أن مؤسساتها وإعلامها هو الذي حافظ على حضور القضية الفلسطينية في الفضاء العربي والدولي. ويكفي مونديال قطر أنه أكد صدارة القضية الفلسطينية، وليس ذلك فحسب، ولكن كشف الغطاء عما أُريد ستره عن العالم حول موقف الشعوب العربية من قضية فلسطين والتطبيع.

استفتاء على الهواء مباشرة
كان مونديال قطر استفتاء على الهواء مباشرة حول القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل أتاحته قطر لجماهير الأمة العربية، وغيرها من جماهير العالم التي تتعاطف مع الحق الفلسطيني

لقد كان مونديال قطر استفتاء على الهواء مباشرة حول القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل أتاحته قطر لجماهير الأمة العربية، وغيرها من جماهير العالم التي تتعاطف مع الحق الفلسطيني. فلو أراد أحدٌ أن ينظم استفتاء عاما حول التطبيع والاحتلال الإسرائيلي في فلسطين؛ فإنه لن يستطيع أن يفعل ذلك، مهما أُوتي من قدرات وإمكانيات وثقل دولي وإقليمي.

لقد جاءت إلى قطر خلال المونديال جماهير تمثل الأمة العربية قاطبة، من مختلف الأعمار والشرائح والانتماءات السياسية، رأى العالم وحدتها تجاه القضية الفلسطينية، وسمع رأيها القاطع حول التطبيع، وتبين للعالم أجمع أن فكرة التطبيع مع إسرائيل مجرد أوهام لا يمكن أن تخالج نفوس الجماهير العربية، وأن القضية الفلسطينية هي القضية التي يتوحد حولها العرب والمسلمون، وأنه لو خُلي بين الجماهير العربية وفلسطين لكانت قبلتهم من كل مذهب ومشرب.

ولقد أبرق موقف الجماهير العربية من الاحتلال الإسرائيلي ومراسليه خلال المونديال، برسائل واضحة للداخل الإسرائيلي، مفادها أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي على المحك، وأقرب مما يظن الظانون، وأن بقاء الاحتلال أمر محال، وأن المسألة ليست سوى مجرد وقت، حتى وإن طال فما ذلك إلا تهيئةً لاقتلاع الاحتلال جذريا عن أرض فلسطين.

* * *

تحولات عربية

على جانب آخر، وكما يشهد العالم في الفترة الحالية تحولات على صعيد موازين القوى العالمية، فقد شهد مونديال قطر تحولات كبيرة على صعيد موازين القوى الرياضية والكروية؛ إذ شاركت منتخبات عربية في البطولة وأثبت حضورها بقوة في مواجهة محتكري البطولات العالميين. وقد كانت نقطة التحول الكبرى على الصعيد الرياضي التي شهدها مونديال قطر هي: صعود منتخب المغرب واحتلاله المركز الرابع عالميا في سابقة عربية وأفريقية، لأول مرة في تاريخ بطولات كأس العالم منذ نشأتها.

* * *
شهد مونديال قطر تحولات كبيرة على صعيد موازين القوى الرياضية والكروية؛ إذ شاركت منتخبات عربية في البطولة وأثبت حضورها بقوة في مواجهة محتكري البطولات العالميين

ختاما

لقد أصبحت أيام مونديال قطر صفحات بين دفتي كتاب التاريخ، لن يطويها النسيان؛ ولكنها أصبحت علامة فارقة في تاريخ المنطقة العربية وشعوبها، وحملت العديد من الرسائل السياسية والاقتصادية والثقافية والأيديولوجية، التي تجاوزت كونها بطولة رياضية غير مسبوقة التنظيم والحداثة والأرقام القياسية.

ولئن كان هناك من دولة تُتوج بطلا لكأس العالم على مدار نسخه كافة في مستوى التنظيم وما يتبعه؛ فإنها قطر التي تستحق لقب بطل العالم، حتى وإن خرج منتخبها من الدور الأول.

 إن المنطقة العربية وشعوبها وقضية فلسطين الفائز الحقيقي في مونديال قطر.

 لقد أهدت قطر دول المنطقة والجماهير العربية فوزا تاريخيا ثقافيا ورياضيا، تحملت أعباءه كاملة انطلاقا من مسؤوليتها تجاه المنطقة والأمة. كما أهدت قطر قضية فلسطين قبلة حياة إعلامية، بعد أن كادت تتوه في زحمة الأزمات العربية والعالمية.

 نبارك لقطر والعرب الفوز ببطولة كأس العالم.
التعليقات (0)