هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اليونان تسبح عكس التيار مجدداً. فبعد تحريض الكونغرس الأمريكي على الامتناع عن تسليم تركيا مقاتلات أف-35، وحض المشرّعين الأمريكيين على رفض صفقة أف-16 مؤخراً، يبذل الجانب اليوناني الكثير من الوقت والجهد للإستمرار في نفس السياسات التي اتبعها ضد تركيا في الأعوام الأخيرة بالرغم من التحوّل الموجود حالياً في البيئة الإقليمية، والذي يفترض أن يكون السلوك اليوناني مغايرا تماماً لما هو عليه اليوم. السؤال هنا لماذا؟
بعد أن كانت قد استثمرت الكثير من الوقت والجهد والعمل الدبلوماسي وحشد اللوبيات التابعة لها في محاولة تشكيل تحالف معادٍ لأنقرة شرق البحر المتوسط، أدّى الانفتاح الذي حصل في الآونة الأخيرة بين تركيا وكل من الإمارات وإسرائيل ومصر والسعودية إلى سحب البساط من تحت أقدامها. بهذا المعنى، من الناحية السياسية والدبلوماسية، لم يعد هناك أهمّية ـ على الأقل في الوقت الحالي ـ للمحاور السياسية والاقتصادية والأمنيّة التي أقامتها أو شاركت فيها اليونان بهدف تقويض الدور التركي.
ومن هذا المنطلق، تسعى اليونان إلى إعادة تقييم الوضع والمحاولة مُجدّداً. وفي هذا السياق بالتحديد، شكّلت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى أثينا مؤخراً فرصة للمسؤولين هناك لإعادة ترويج اليونان كبديل لتركيا على المستوى الجيو ـ سياسي، والطاقة، والسياحة بالتحديد. اليونان نظرت إلى هذه الزيارة بنفس العين التي كانت تبحث عن تحالفات لمحاولة تقويض دور أنقرة الإقليمي.
ملفات مثل الطاقة شرق البحر المتوسط والدفاع يحتّلان أولوية لدى المسؤولين اليونانيين، ولهذا لم يكن مستغرباً أن يكون من بين الاتفاقيات مع الرياض مذكرات تعاون عسكرية واقتصادية وأمنية. وفي الوقت الذي تفضّل فيه المملكة أن لا يتم تفسير هذه الاتفاقيات على أنّها موجّهة ضد أحد، يقوم الجانب اليوناني بتسخيرها لخدمة أهدافه ضد تركيا.
اليونان منزعجة جداً اليوم بسبب تداعيات الحرب الروسية ضد أوكرانيا والتي أعادت لتركيا أهمّيتها الجيوبوليتيكية بالنسبة إلى اللاعبين الكبار وقوّضت من سرديات اليونان شرق البحر المتوسط وفي ما يتعلق بمشروع إيست مد وغيرها من الطروحات، وهو ما استدعى تصعيد التحرّشات اليونانية ضد أنقرة.
لكن بالرغم من ذلك، فإنّ الاستفزازات اليونانية تقابل دوماً بتجاهل تام في الإعلام الغربي في الوقت الذي يتم فيه تسليط الضوء على ردود الفعل التركية وتصويرها كاعتداءات أو خروقات متكررة. الجانب التركي لم يعد يولي أهمّية كبرى لمسألة التصورات لأنّه بغض النظر عمّا يقوم به، فإنّ الدعم المطلق وغير المحدود الذي تحظى به اليونان في الغرب سيبقى قائماً. وأمام هذا الوضع، تعتقد أنقرة أنّ هناك ضرورة لعدم إبداء أي مؤشرات ضعف أمام الغرب لكي يدفعه ذلك إلى ضرورة التراجع عن التصعيد.
ولذلك، أعلنت تركيا الأسبوع المنصرم أنّها ستعاود أعمال التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط خلال أيام، وأنّ سفينة التنقيب التركية “عبد الحميد خان” ستبدأ العمل في 9 آب/ أغسطس. وقد فُهم من هذا الإعلان أنّه بمثابة رد على الاستفزازات اليونانية غير المحدودة وإن كان الجانب التركي قد علّل قراره هذا بوجود أزمة في سوق الطاقة العالمية كما أشار وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، وأنّ الوضع يتطلب بذل المزيد من الجهود في هذا الصدد.
اليونان منزعجة جداً اليوم بسبب تداعيات الحرب الروسية ضد أوكرانيا والتي أعادت لتركيا أهمّيتها الجيوبوليتيكية بالنسبة الى اللاعبين الكبّار وقوّضت من سرديات اليونان شرق البحر المتوسط وفيما يتعلق بمشروع إيست مد وغيرها من الطروحات، وهو ما إستدعى تصعيد التحرّشات اليونانية ضد أنقرة.
وبالفعل، جذب التصعيد اليوناني ضد تركيا ورد الأخيرة عليها إنتباه ألمانيا، فالأوروبيون غير مستعدين لفتح جبهة جديدة في نزاع مع تركيا من أجل اليونان، ولديهم الكثير من المشاكل العالقة الأهم.. إنّهم يقعون الآن تحت الضغط الكبير للحرب الروسية ضد أوكرانيا. لكنّ تهدئة أو إنهاء النزاع التركي-اليوناني يتطلب لجم أثينا والامتناع عن تقديم الدعم اللامحدود لها بدلاً من محاولات الضغط على أنقرة، فتركيا تُشكّل اليوم أهميّة أكبر لجميع اللاعبين الكبار في ظل الحرب الروسية ضد أوكرانيا بما في ذلك بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي.
ولعل زيارة وزيرة الخارجية الألمانية أمس إلى تركيا وقبلها إلى أثينا في محاولة لتهدئة الأوضاع يشكّل مدخلاً لفهم الموقف الأوروبي، فألمانيا حريصة على أن لا يتطور النزاع إلى أكبر مما هو عليه الآن، وتصريح الوزيرة التي قالت إنّ "تركيا شريك لا يمكن الاستغناء عنه ومرتبطة ببلدنا على نحو لا يقارن بأي دولة أخرى تقريبا" وأنّه "يجب علينا حل النزاعات بين شركاء الناتو عبر الحوار"، يعبّر عن رغبة في عدم تصعيد الانقسامات والنزاعات السياسية. لكن في المقابل، فإنّ التصريحات التي أدلت بها الوزيرة في اليونان ترسل رسائل عكسية، وتؤكّد أنّ سياسة الطفل المدلل التي تمتّعت بها اليونان لوقت طويل قد تجّر الأوروبيين في النهاية إلى صدام غير محمود العواقب مع تركيا.
Twitter: @alibakeer