هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نقلت بعض المصادر الإخبارية عن نائب محافظ المصرف المركزي الليبي، علي الحبري، كلاما حول إعادة النظر في سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية، وبحسب ما أوردت تلك المصادر فإن الحبري يرى أن الوقت قد حان لإعادة تقييم سعر صرف الدينار، وهو الاتجاه الذي يدعمه الكثير من المراقبين، ويرونه أفضل البدائل لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم والسوق الموازية للعملات ونقص السيولة...الخ.
لست أدري هل لتوقيت كلام الحبري، برغم أهميته، علاقة بالدعاوى التي أطلقها مساعد مندوب الولايات لمتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، ريتشارد مايلز، والذي ذكر في اجتماع مجلس الأمن الأخير حول ليبيا أن الحبري قام بطباعة عملة محلية، سعيا من الحبري للتشويش على هذه الدعاوى، كونها تهز موقعه كنائب للمحافظ وتقوض موقفه من إدارة المصرف المركزي. وهل أراد الحبري بمقترحه إحراج غريمه، محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، وممارسة مزيد من الضغط عليه.
ربما يكون لتلك التكهنات علاقة بما قاله الحبري، لكن ذلك لا يلغي أهمية الموضوع فكلام الحبري يحتاج إلى متابعة باعتبار أن الوضع الاقتصادي العام ومستوى عيش الليبيين في ظل الأزمة الراهنة يستدعي وقفة جادة لمراجعة السياسة النقدية.
أنصار رفع سعر صرف الدينار الليبي يرون أن هذه السياسة هي الأصوب لمواجهة موجات التضخم والأجدى للمحافظة على دخول الليبيين ومدخراتهم، ذلك أن عودة سقف إنتاج النفط إلى مستواه المعهود مع الارتفاع في أسعاره يمكن أن يسهم في تحقيق استقرار نقدي ومالي أكبر عند سعر صرف أقل بنحو 20% أو يزيد عن معدله الحالي والبالغ 4.84 دينار للدولار.
سعر الصرف الحالي الذي تقرر أن يكون 4.48 في يناير 2022م بقرار من مجلس إدارة المصرف المركزي، ارتفع إلى 4.84 بفعل تأثير التغير في سعر صرف العملات التي تتكون منها حقوق السحب الخاصة، وصار قابلا للتعديل كبديل عن سياسة الإنفاق التوسعي الذي تنتهجه حكومة الوحدة الوطنية.
سعر الصرف الحالي حقق للخزانة فوائض قبيل حتى ارتفاع أسعار النفط بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، والفائض مرشح للزيادة بعد عودة تدفق النفط واستمرار أسعاره عند مستوى مرتفع قياسا بما كان عليه العام الماضي، وكان هذا، وسيظل، حافزا للتوسع في الإنفاق الذي قاد إلى ارتفاع الأسعار، ذلك أن الحكومة لم تجد نفسها في وضع أفضل مما هي عليه مع ارتفاع الإيرادات مقدرة بالدينار بفعل تغيير سعر الصرف، فاندفعت إلى مزيد من الإنفاق، كيف لا وقد اختلط الاقتصادي بالسياسي ضمن توجهات الحكومة.
والمعلوم أن الارتفاع المستمر في الأسعار يأتي على الزيادة في الدخول (المرتبات) التي اعتمدتها الحكومة، ولأن القدرة الإنتاجية للاقتصاد الليبي محدودة فإن الاعتماد على الخارج في توفير الطلب المحلي على السلع في ارتفاع مما يعني زيادة في الطلب على العملات الصعبة والتي تستلزم المحافظة على سعر الصرف الحالي لتتمتع الحكومة بحبوحة فوائض الدخل، وهذا بلا شك اتجاه خاطئ.
سعر الصرف الحالي حقق للخزانة فوائض قبيل حتى ارتفاع أسعار النفط بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، والفائض مرشح للزيادة بعد عودة تدفق النفط واستمرار أسعاره عند مستوى مرتفع قياسا بما كان عليه العام الماضي،
أهداف السياسة النقدية والمالية هي الاستقرار الاقتصادي وتحسين مستوى عيش المواطنين، ويتطلب هذا الموازنة بين قدرة الحكومة على تغطية النفقات العامة وفق خطة مدروسة وميزانية متوازنة بعيدا عن العجز ومراكمة الدين العام، وبين تأمين مستوى جيد لدخول المواطنين والمحافظة على مدخراتهم من خلال المحافظة على القدرة الشرائية للدينار، وبالتالي فإن خيار ضبط الإنفاق العام وتوجيهه بشكل يوازن بين الإنفاق الاستهلاكي والتنموي والتركيز على الاستقرار من خلال معادلة سعر صرف عند مستوى 4 دينار للدولار قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح على أن تتبعها مراجعة وتعديل إضافي مقدرا ومنسجما مع الظروف الاقتصادية المحلية خاصة مستوى إنتاج النفط، والظروف الدولية وتأثيرها على الاتجاه العام لأسعار النفط في الأسواق العالمية.
الاستقرار النقدي يتحقق من خلال سياسة نقدية متزنة، وقد كانت خطوة توحيد سعر الصرف ووقف الإزدواجية في بيع الدولار ناجحة وحققت أهدافها، واليوم مطلوب الاستمرار في تفعيل أدوات السياسة النقدية بغرض احتواء التضخم، وقد يكون رفع سعر صرف الدينار ملحا اليوم.
وأشدد على ضرورة التناغم بين السياسة النقدية والسياسة المالية، فلا يمكن ان تؤتي الأولى ثمارها بدون انسجام وتكامل مع الثانية، وربما يكون من المفيد بل من الضروري إدراج شرط السياسات الاقتصادية المثلى والفعالة ضمن شروط التوافق على الحكومة وتوجهاتها.
هذا حديث المدى القصير والمتوسط بهدف وقف الهدر في المال العام وتخفيف الضغوط على المواطن، إلا إن ازمة الاقتصاد الليبي تتطلب خطط وسياسات في المدى الأطول (خمس سنوات فما فوق)، أهدافها:
ـ تحقيق درجة كبيرة من الاستقرار السياسي والأمني.
ـ تنشيط قطاع النفط ومعالجة مختنقاته ورفع مستوى إنتاجيته.
ـ تحريك عجلة الاقتصاد والاتجاه إلى تغيير هيكله.
ـ تنشيط الاستثمار المحلي والخارجي ليكون أحد ركائز تحريك عجلة الاقتصاد وإعادة هيكلته وتنويع مصادر الدخل.