تتنازع
منطقة الشرق الأوسط مجموعة من
المشاريع الكبرى التي تحاول السيطرة على المنطقة
وتكون لها فيها الكلمة والمصالح العليا، هذه المشاريع متمثلة في المشروع الأمريكي الصهيوني،
والمشروع
الإيراني، والمشروع التركي.
نبدأ هنا بالحديث عن المشروع الإيراني باعتباره المشروع
الأكثر محاولة للنفوذ في المنطقة منذ مطلع القرن الحالي، لكن ما هي القوة الإيرانية
التي تحاول السيطرة على المنطقة؟ وما هي معالم والأهداف الإستراتيجية في هذا المشروع،
ومن هم أذرعها ووسائلها وحلفائها في هذا المشروع.
(1) إيران كقوة في المنطقة
إيران الدولة الشرق أوسطية تقع في غرب آسيا، ثاني أكبر
دولة بعدد السكان في الشرق الأوسط بعد مصر وثاني أكبر دولة بعد السعودية في
المساحة. إذ يبلغ عدد سكانها حوالي 85 مليون نسمة، وتحدها سبع دول، وهي الدولة
التي تعتبر امتداد للإمبراطورية الفارسية قبل الفتح الإسلامي، وإن كانت لا تتبنى
الخطاب القومي الفارسي في علاقاتها الخارجية.
المشروع الإيراني في المنطقة هو مشروع توسعي يريد مزيد من الهيمنة العسكرية والاقتصادية والدينية الطائفية على المنطقة
يوجد تنوع عرقي كبير في إيران، إذ يمثل العرق الفارسي
حوالي 50 في المئة من الشعب داخل الدولة الإيرانية، وبعد ذلك العرق الأذري ذو الأصول
التركية ويمثل 25 في المئة تقريبا من الشعب الإيراني، والعرق الكردي ويمثل 10 في
المئة تقريبا، وأعراق أخرى تمثل أقليات صغيرة مثل العرب، البلوش، اللور، تركمان، أرمن..
الخ.
يعتنق أكثر من 98 في المئة من الشعب الإيراني الديانة الإسلامية،
وغالبيتهم من الشيعة المذهب الجعفري الانثي عشرية، والسنّة يشكلوا أقلية تتراوح
بتقديرات غربية مختلفة ما بين 5 إلى 20 في المئة، كما توجد هناك أقليات دينية مثل
اليهودية والمسيحية والبهائية.. الخ. كل ما ذكر من النسب تبقى تقديرات لوكالات
استخبارات أمريكية وغربية وليست إحصائيات رسمية، نظرا لعدم إعلان السلطات الحاكمة
في إيران عن تلك الأرقام بشكل رسمي.
تتمتع إيران بقوة عسكرية في المنطقة، إذ يقدر إنفاقها
العسكري حوالي 4 في المئة من ناتجها القومي وبقيمة 16 مليار دولار في عام 2017، إذ
تمتلك إيران القوة النظامية (الجيش الإيراني) والذي يبلغ تعداده حوالي 400 ألف مجند،
والحرس الثوري ما يقارب 125 ألف مجند. وزادت نفقات إيران العسكرية ما بين 2005 و2015
بما يساوي 33 في المئة، كما أنها تتهم من الغرب بمحاولة امتلاكها للقنبلة النووية.
اقتصاديا يبلغ الناتج القومي الإيراني 445 مليار دولار
سنويا، وإن انخفض في عام 2017 بعد تشديد الحصار الأمريكي إلى 191 مليار دولار
منخفضا بنسبة 57 في المئة، إذ كانت إيران تحتل المرتبة 26 على مستوى اقتصاديات
العالم لتهبط بسبب الحصار إلى المرتبة 51، ليبلغ معدل دخل الفرد الشهري تقريبا 135
دولار، وارتفاع نسب البطالة بين الشباب إلى 27 في المئة وارتفاعها بين النساء إلى
43 في المئة، وارتفاع التضخم في السوق إلى أكثر من 35 في المئة في السنوات الأخيرة.
سعت إيران ونجحت في الوصول إلى الأراضي السورية باعتبارها إحدى الساحات في صراعها مع المشروع الأمريكي الصهيوني، وإحدى أوراق القوة في مفاوضات النفوذ مع هذا المشروع الأمريكي في الصراعات التوسعية في المنطقة
(2) أهداف المشروع الإيراني في المنطقة
المشروع الإيراني في المنطقة هو مشروع توسعي يريد مزيد
من الهيمنة العسكرية والاقتصادية والدينية الطائفية على المنطقة.
- ترى إيران أن مشروعها
يتعارض ويتقاطع حد التناقض مع المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وأن المشروع
الأمريكي هو من يحد من نفوذها لتكون دولة كبرى ذات
نفوذ في المنطقة، وأن المنطقة
لا تتسع إلى أكثر من مشروع وأنه لا مستقبل في المنطقة إلا لمشروع واحد؛ هو المشروع
الإيراني الشيعي أو مشروع أتباع الولي الفقيه.
- تسعى إيران إلى السيطرة على
جغرافيا المنطقة لتكون لها الكلمة العليا في المنطقة في تثبيت وتقوية مشروعها "الهلال
الشيعي الكبير"، ليكون مركزه إيران وأطرافه ممتدة حتى اليمن والعراق وسوريا
ولبنان؛ لتحيط بدول الخليج العربي وغرب أسيا من الجهات الثلاث.
- تسعى إيران للسيطرة على
مضيق باب المندب في خليج عدن الواصل إلى البحر الأحمر باتجاه قناة السويس، كما لها
سيطرة على خليج هرمز بين الخليج العربي وخليج عُمان، ويمثل هذان المضيقان شريان
الطاقة العالمية المتوجهة من الخليج العربي إلى الغرب، إذ تمتلك دول الخليج ما
يقارب 33 في المئة من الاحتياطي العالمي للنفط، وتصدر ما يقارب 18 في المئة من
الاحتياج العالمي للطاقة، وفي السيطرة على هذين المضيقين سيطرة على احتياجات
الطاقة العالمي.
- كما سعت إيران ونجحت في
السيطرة على العراق الذي مثل بوابة صد كبيرة بوجه إيران سابقا في المنطقة، والذي
كان يطلق عليها العرب البوابة الشرقية في مواجهة الأطماع الفارسية، لتصبح بغداد
بعد الحرب على العراق في عام 2003 جزء من المشروع الإيراني وساحاته القوية، عبر
دعم الفصائل الشيعية أو الإسلام السياسي الشيعي بمختلف أطيافه، سواء من كان يعلن اتباعه
لنظام الولي الفقيه أو يقبل بإشرافه العام، أو حتى ينسجم معه كإطار عام دون سلطة
للولي الفقيه.
- كما سعت إيران ونجحت في الوصول إلى الأراضي السورية
باعتبارها إحدى الساحات في صراعها مع المشروع الأمريكي الصهيوني، وإحدى أوراق
القوة في مفاوضات النفوذ مع هذا المشروع الأمريكي في الصراعات التوسعية في
المنطقة.
- كما سعت إيران للسيطرة على
البحرين ومحاصرة النفوذ والدعم السعودي لها، قبل أن تتدخل قوات درع الجزيرة العربي
في عام 2011 لتنهي ما عرف باحتجاجات دوار اللؤلؤة؛ التي تم إحباطها وانهاء السعي
والمخطط الإيراني في السيطرة على البحرين وضمها إلى حلفها ومعسكرها.
تسعى إيران بشكل حثيث أن تكون لها يد مؤثرة في القضية الفلسطينية من خلال دعم حركات المقاومة الإسلامية
- كما تسعى إيران الى السيطرة
الكاملة على الدولة اللبنانية من خلال حزب الله اللبناني الذي يمثل رأس الحربة في
مشروع الولي الفقيه في لبنان، بالدعم المالي الكبير كما بالدعم العسكري الذي يقدم
لحزب لله عبر سوريا.
- تسعى إيران بشكل حثيث أن تكون
لها يد مؤثرة في القضية الفلسطينية من خلال دعم حركات المقاومة الإسلامية (حركة
الجهاد الإسلامي، وحركة حماس؛ أكبر حركة مقاومة سنية للاحتلال الصهيوني)، هذا التعاون
الذي يثير الجدل الكبير داخل الأوساط السنية والإسلام السياسي السني على وجه الخصوص.
- كما سعت إيران للعبث في
الشرق السعودي الذي تتواجد فيه أقلية شيعية، كما حاولت إيران العبث في الشمال
الأردني من خلال إرسال مسيرات من الصنع الإيراني للتهريب عبر وكلائها في سوريا،
إلا أن الأردن تصدى لها. وينظر الأردن بقلق للتواجد الإيراني على حدوده الشمالية
المجاورة للجنوب السوري، مدينة درعا.
(3) وسائل المشروع الإيراني في المنطقة
في سبيل قيام إيران بتوسيع
نفوذها وتحقيق أهدافها في المنطقة فإنها تستخدم مجموعة من الأدوات حسب كل ساحة من
المساحات التي تتحرك فيها، على النحو التالي:
- استخدام الخطاب
الديني "مشروع الولي الفقيه"
تستخدم إيران مشروع الولي
الفقيه -وهو النظرية السياسية- التي ظهرت قبل 200 عام من قبل الشيخ أحمد النراقي
الإيراني، وكان الخميني قائد الثورة الإيرانية هو أول من طبق هذه النظرية السياسية،
والتي تعني الولاية العامة للفقيه في إدارة شؤون الأمة نيابة عن الإمام الغائب، وفقا
لمعتقدات الطائفة الشيعية الاثني عشرية.
استخدمت إيران نظرية الولي الفقيه كوسيلة دينية مقدسة للسيطرة على كل منطقة عربية توجد فيها أقلية شيعية في المناطق العربية
استخدمت إيران نظرية الولي
الفقيه كوسيلة دينية مقدسة للسيطرة على كل منطقة عربية توجد فيها أقلية شيعية في المناطق
العربية، إذ أن حزب لله في لبنان يعلن صراحة أنه امتداد لمشروع الولي الفقيه الإيراني
وأنه تابع له وجزء منه، وأن الولاء هو ولاء سياسي وديني للجمهورية الإيرانية
وللولي الفقيه.
كما استخدمت نظرية الولي
الفقيه في السيطرة على العراق من خلال المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق،
وحزب الدعوة الذي يؤمنون بالدور الإشرافي للولي الفقيه، والتيار الصدري الذي يلتزم
بالإطار الديني دون الخضوع للولي الفقيه بشكل مباشر.
كما سعت إيران من خلال نظرية
الولي الفقيه للسيطرة على البحرين، التي تؤمن جمعية العمل البحريني فيها بالدور
الاشرافي للولي الفقيه، وجمعية الوفاق الوطني التي تلتزم بالإطار الديني للولي
الفقيه وهي أقل درجات التبعية للولي الفقيه.
كما استخدمت إيران نظرية
الولي الفقيه في السيطرة على اليمن بعد التحولات الطائفية للحوثي من المذهب الزيدي،
مذهب الرئيس الاسبق علي عبد الله صالح، إلى المذهب الاثني عشري بعد سفره لإيران وإقامته
هناك وتأثره بنظرية الخميني، وتحول الحوثيون للالتزام بنظرية الولي الفقيه.
- استخدام خطاب
الممانعة
استخدمت إيران خطاب
البراغماتية السياسية في محاولة تدخلها في الشأن السوري والسيطرة على سوريا باعتبارها
جزءا من مشروع الممانعة للمشروع الأمريكي الذي استخدمه النظام السوري. إذ لم يكن
بالإمكان استخدام خطاب الولي الفقيه مع نظام علماني قومي، فاستخدمت إيران
البراغماتية السياسية واعتبار أن النظام السوري يشكل حليفا قويا لها في مواجهة
المشروع الأمريكي الصهيوني.
كذلك تستخدم إيران البراغماتية
السياسية العالية في الملف الفلسطيني، إذ تدعم أكبر منظمة وحركة سنية مقاومة
للمشروع الصهيوني، رغم كل التسريبات التي صدرت من القيادي في حركة حماس موسى أبو
مرزوق في عام 2016، والتي يهاجم فيها إيران، ورغم كل التباينات في المواقف
الإقليمية وخصوصا الملف السوري قبل الحديث عن المصالحة مؤخرا بين حماس والنظام
السوري، إلا أن إيران تعمل مع حركة حماس على مبدأ العمل في المشتركات ومحاولة التوافق
وتسوية الخلاف على بعض الملفات المختلف فيها، رغم قناعة إيران أن حماس تنتمي
لمعسكر الإسلام السياسي السني الأقرب لتركيا، والذي يناقض مشروع الإسلام السياسي
الشيعي، رغبة من إيران في تعظيم أوراق القوة في يدها في المنطقة.
المشروع الإيراني مشروع توسعي استيطاني إحلالي طائفي، مع مزيج من مشروع فوضوي في المنطقة يهدف إلى السيطرة والنفوذ والتوسع على أكبر قدر ممكن من الجغرافيا والثروات، والتحكم في معتقدات الناس الدينية وتبديلها في المنطقة العربية، وجمع أكبر قدر من أوراق القوة
العبث والفوضى
تسعى إيران إلى إثارة الفوضى وإضعاف
الدول والمناطق التي يصعب عليها الدخول إليها من بوابة المشروع الديني ونظرية
الولي الفقيه أو الجانب البراغماتي، لارتباط هذه الدول بمعسكر آخر منافس في
المنطقة، إذ أنها حاولت العبث في الشأن السعودي قبل أن تتم محاصرة هذا العبث الطائفي
في الشرق السعودي من قبل النظام، كما وتُتهم بالوقوف خلف إرسال مسيرات لقصف المنشآت
النفطية السعودية.
وفي نفس الوقت تحاول العبث في
الأمن الأردني وإرسال مسيرات ومحاولات تهريب أسلحة ومواد مخدرة عبر الأراضي
الأردنية، بعد أن أغلق النظام في الأردن الساحة تماما أمام أي نفوذ إيراني محتمل
في دولته ويحذر منه بشكل علني وصريح. كما سعت إيران للتدخل في كثير من دول الخليج عبر
أذرعها، كما حصل في الكويت عبر حزب لله؛ بمحاولة تشكيل خلايا تم كشفها في عام 2021
وقبل ذلك عدة مرات.
المشروع الإيراني مشروع توسعي استيطاني إحلالي طائفي، مع
مزيج من مشروع فوضوي في المنطقة يهدف إلى السيطرة والنفوذ والتوسع على أكبر قدر
ممكن من الجغرافيا والثروات، والتحكم في معتقدات الناس الدينية وتبديلها في
المنطقة العربية، وجمع أكبر قدر من أوراق القوة في يدها في مواجهة المشروعين
الأمريكي والتركي في المنطقة، أو أقلها لتحسين شروط التفاوض وتقاسم النفوذ والكعكة
مع المشاريع المتصارعة في المنطقة، على حساب الدول والشعوب العربية، فهذا المشروع بالنهاية
لا يقل خطورة عن المشروع الصهيوني في المنطقة من كل الجوانب.