كتب

دراسة تكشف أسرار وإعلام وأيديولوجيا تنظيم الدولة الإسلامية

ساهمت عدة ظروف سياسية وعسكرية وثقافية ودينية في تشكل الجماعات الإسلامية بمختلف توجهاتها وطروحاتها
ساهمت عدة ظروف سياسية وعسكرية وثقافية ودينية في تشكل الجماعات الإسلامية بمختلف توجهاتها وطروحاتها

يُعدُّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) النسخة الأكثر تشددا، والأشد عنفا ودموية بين تنظيمات وجماعات السلفية الجهادية، وقد تمكن من جذب الكثيرين لأفكاره الراديكالية، واستقطابهم لأيديولوجيته القتالية، ظنا منهم أنه يمكن أن يكون بديلا قادرا على إخراجهم من جحيم الحكم الاستبدادي الذي خيم على كثير من دول العالمين العربي والإسلامي خلال العقود السابقة.

وسعيا منه للكشف عن المنظومة الإعلامية لتنظيم الدولة الإسلامية، وتجلية الخطاب الاتصالي له، والكشف عن البنية الهيكلية للتنظيم بحد ذاته، غاص الباحث الأردني المتخصص في الحركات الجهادية، الدكتور مروان شحادة عبر كتابه الصادر حديثا عن معهد السياسة والمجتمع بالتعاون مع دار الأهلية للنشر والتوزيع في رصد وبحث وتتبع وتحليل "أسرار وإعلام وأيديولوجيا تنظيم الدولة الإسلامية"، كجزء من أطروحته لنيل درجة الدكتوراه. 

واختار المؤلف المنهج الوصفي التحليلي، "للكشف عن مكنونات الخطاب الاتصالي لتنظيم الدولة الإسلامية، من خلال تحليل مضمون الخطاب الأيديولوجي في افتتاحيات صحيف النبأ الأسبوعية، في الفترة الواقعة (من أكتوبر 2015 إلى ديسمبر 2016، للأعداد 1- 65) إذ تمثل هذه الصحيفة لسان حال التنظيم التي كانت تصدر بانتظام كل أسبوع". 

ووفقا للكتاب فإن أهمية هذه الدراسة "تنبع من سعيها لتشخيص وتفسير وتحليل مضمون الخطاب الأيديولوجي لتنظيم الدولة الإسلامية في افتتاحيات صحيفة النبأ، لأنها انعكاس واضح وشديد التعبير عن أيديولوجيا التنظيم، إذ تندرج الافتتاحيات في الصحف والمجلات ضمن النوع الفكري من بين الأنواع الصحفية الأخرى كالإخبارية والتعبيرية والاستقصائية، وهو بالضرورة يعبر عن السياسة الاتصالية للمؤسسة الإعلامية".

كما أن شخصية الباحث شحادة الذي يجمع بين التخصص الإعلامي الأكاديمي، والخبرة الإعلامية، وبين المعرفة والدراية الجيدة بقضايا الفكر الإسلامي، والأفكار والمقولات العقائدية والمنهجية المؤسسة لأيديولوجيا التنظيمات والجماعات الجهادية المختلفة، أضفت على الدراسة عمقا معرفيا وتحليليا في تناوله وبحثه للموضوع والنتائج التي توصل إليها في دراسته، خاصة في تحليل مضامين الأيديولوجيا المتبناة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية. 

 

هذه الدراسة "استخدمت أداة (تحليل المضمون) لتحليل مضامين الافتتاحيات عينة الدراسة، تحليلا كيفيا وكميا للوصول إلى رؤية عامة ونتائج واضحة ودقيقة، من أجل تحقيق أهداف الدراسة والإجابة على أهم التساؤلات والفرضيات التي تمحورت حولها هذه الدراسة..

  

وعن الأهداف التي سعت الدراسة لتحقيقها أشار الباحث إلى جملة منها، من أهمها: "معرفة قدرة المقال الافتتاحي لصحيفة النبأ الأسبوعية في التعبير عن أفكار وأيديولوجيا تنظيم الدولة الإسلامية، وعرض الأفكار المؤسسة لأيديولوجيا التنظيم وأهدافه الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ووسائله، وعرض مكونات مضمون الخطاب الاتصالي للتنظيم، من خلال تحليل مضمون افتتاحيات صحيفة النبأ، للتعرف على معتقدات وأفكار وأيديولوجيا التنظيم، ناهيك عن التعرف على الأطر الإعلامية المستخدمة في معالجة القضايا التي تناولتها الافتتاحيات". 

والكتاب كغالب الدراسات المعدة وفق المنهجيات الأكاديمية، لنيل درجات الماجستير والدكتوراه، يغرق كثيرا في الأطر والشكليات الأكاديمية النظرية، ويفرد صفحات مطولة للتعريفات ومدلولاتها، والمنهجيات البحثية والنظريات التحليلية، وما يتعلق بذلك من شرح وعرض وبيان للمدارس الأكاديمية المتعددة في هذا المجال، لكن جوهر المادة ومضمونها سلط الضوء بكفاءة واقتدار على المنظومة الإعلامية للتنظيم، وكشف عن الأفكار والأيديولوجيا المحركة للتنظيم والدافعة له في سائر تحركاته ونشاطاته. 

الإعلام الرقمي وعلاقته بإعلام التنظيم

بين يدي تناوله لموضوع البنية التنظيمية للمنظومة الإعلامية لتنظيم الدولة الإسلامية، وآلية عملها، أطال المؤلف النفس في شرح وتفسير التطورات التي طالت الإعلام والاتصال بذاته، وبيان أهم سمات الإعلام الجديد، وبخاصة أنه بات يمزج بين الإعلام التقليدي والحديث (الرقمي)، فتحدث عن صور وأشكال الإعلام الجديد، وعن الاتصال والتلقي في الخطاب الاتصالي الإسلامي، وأهمية الإعلام لدى تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي بيانه لأهداف إعلام تنظيم الدولة، التي يتم تحقيقها عن طريق ديوان الإعلام المركزي بالتنظيم، نقل المؤلف عن وزير الحرب في التنظيم، أبو حمزة المصري ما قاله في كلمة صوتية حدد فيها تلك الأهداف: "الذب عن أعراض المسلمين وعقيدتهم، ورفع الهمة لشباب الأمة وخاصة المجاهدين، وفضح أكاذيب عقائد وأخلاق الكافرين والمرتدين، وتبصير الأمة بحقيقة زبالة حضارتهم، وزيف بضاعتهم، وكبح جماع تطاولهم على المسلمين وبث الرعب في نفوسهم، ونقل صور صادقة عن حقيقة المعارك التي تدور رحاها بين أبطال الملة وأعدائهم، وتوثيق حقائق بطولات شباب الإسلام خوفا من الضياع أو سرقة تجار الدماء". 

ولمزيد من الإيضاح والبيان نقل عن "أبي بكر ناجي" مؤلف كتاب "إدارة التوحش" الذي يعد من المراجع المعتمدة عند تنظيم الدولة الإسلامية بأن "المرحلة التي وصفها بالتمكن – مرحلة الدولة – ترتكز بالإضافة إلى الدعم اللوجستي على المال، وتوفير محطات الانتقال للأفراد على الإسلام، والاستراتيجية الإعلامية التي يقترحها تستهدف: التركيز على فئتين: فئة الشعوب، بحيث تدفع أكبر عدد منها للانضمام والجهاد، والفئة الثانية هم جنود العدو أصحاب الرواتب الدنيا لتدفعهم للانضمام أو الفرار من الخدمة العسكرية..". 

كما أن من بنود الاستراتيجية الإعلامية، وفق ما يقترحه أبو بكر ناجي "فهم السياسة الإعلامية للخصوم والتعامل معها هام جدا في كسب المعركة العسكرية والسياسية، والتأكد من وصول الرسالة الإعلامية إلى عامة الشعوب وليس النخب، وتأمين وصول الرسالة الإعلامية بذات القدر الذي تؤمن فيه العمليات العسكرية، حتى وإن تعرض الفريق لخطر قتالي أو اضطروا لأخذ رهينة من أجل دعوة وسائل الإعلام لشرح مطالبهم، وتوظيف التغطية الإعلامية للمناطق الآمنة في مناطق إدارة التوحش من شأنه استقطاب الناس إلى الهجرة والتحرك نحو هذه المنطقة". 

تحليل مضامين افتتاحيات صحيفة النبأ

في سياق تحليله لمضامين افتتاحيات صحيفة النبأ الأسبوعية، لاحظ المؤلف أن "عناوين المقالات الافتتاحية تندرج في إطار مفاهيمي أيديولوجي، وأن الخطاب الديني حاضر بقوة في التوظيف السياسي لتلك العناوين، ومنها ما كان عسكريا أو دعائيا، وأن أغلب العناوين كانت مقتبسة من الكتاب والسنة والتراث الإسلامي" مقدما قراءة تفصيلية لطبيعة تلك العناوين مع ذكر أمثلة لها.

ومن الأمثلة التوضيحية التي ذكرها مشيرا إلى أرقام الأعداد والعناوين: "توضيح العلاقة مع الخالق، وواجبات الفرد والجماعة من الناحية السياسية بمنظور أيديولوجي يصب في تعزيز فكرة إعلان الخلافة.. وشرح أهمية الخلافة والدولة الإسلامية، والتحريض على دعمها على اعتبار أن ذلك من التعبد والتقرب إلى الله، وواجب ديني.. وتوضيح العلاقة مع الآخر على مستوى الأفراد والجماعة – المجتمعات – والدول، وذلك وفق رؤية أحادية تستند إلى معياري الإيمان والكفر، والولاء للمؤمنين والبراءة من المشركين". 

ومن المضامين الهامة التي لفت إليها الكتاب "ممارسة الدعاية الداخلية التي تستهدف عناصر ومجتمع التنظيم، والدعاية الخارجية التي تصب في جانب الحرب النفسية ضد المخالفين للتنظيم.. وكذلك تناول موضوع الجهاد القتالي وما يتعلق به من أحكام ومسائل، والحث والتحريض على التنكيل بالعدو، والصبر عند المحن.. وتناول المواقف السياسية للتنظيم للجمهور المستهدف الداخلي والخارجي في مختلف القضايا التي تواجهه..". 

وفي تقييمه للعناوين المعتمدة في تلك الافتتاحيات، رأى المؤلف أنها "كانت مختارة بعناية وعن دراية، إذ عبرت بشكل لائق عن أيديولوجيا الصحيفة، فكانت أغلب العناوين مستقاة من الكتاب والسنة أو من التراث الإسلامي بصفة عامة كالأمثال والحكم والأقوال المأثورة، كما كانت العناوين المختارة على قدر كبير من الدقة والتحديد، عبرت عن مضامين الافتتاحيات باقتدار متحاشية الشمولية والفضفضة، فكانت جميع العناوين سهلة الفهم والإدراك، احترمت اهتمامات جمهور الصحيفة، كما تجنبت التلاعب بالألفاظ، مستعملة الأسلوب المباشر المختزل..". 

وفي تحليله لفئات المضمون (ماذا قيل) تناول المؤلف ذلك من خلال تحليل الفئات التالية: "فئة موضوع الاتصال، فئة المرجعية الأيديولوجية، فئة الفاعلين، فئة الأهداف، فئة طرق تحقيق الأهداف، متناولا جملة القضايا والأفكار المركزية في المنظومة الفكرية والأيديولوجية للتنظيم، كقضية الجهاد، وقضية خلاف الجماعة والفصائل، والقضية الثالثة الخلافة، والقضية الرابعة النظم السياسية الفاسدة، والقضية الخامسة العقيدة القتالية، والقضية السادسة الديمقراطية..". 

وبعد شرحه المطول لمضامين تلك القضايا بتحليل الفئات المذكورة، أتبع المؤلف ذلك بتقرير خلاصات جامعة لكل تلك المعاني، وكمثال كاشف فقد خلص في خلاصته عن قضية الجهاد إلى القول "من خلال ما سبق، فإن قضية الجهاد استحوذت على أكبر عدد من التكرارات البالغة (25) تكرارا في المواضيع المعالجة من قبل صحيفة النبأ الأسبوعية، ما يعكس أهمية هذه القضية في عقيدة تنظيم الدولة الإسلامية، إذ ترى في الجهاد وقتال المشركين الحل الوحيد والنهج السليم لاستعادة مجد الأمة الإسلامية، وقد اعتبرت الأنظمة العربية الحاكمة سواء جمهورية منتخبة أو ملكية متوارثة ضمن الأعداء الواجب محاربتهم وقد وصفتهم بالطواغيب..". 

نتائج الدراسة

وفقا للكتاب فإن هذه الدراسة "استخدمت أداة (تحليل المضمون) لتحليل مضامين الافتتاحيات عينة الدراسة، تحليلا كيفيا وكميا للوصول إلى رؤية عامة ونتائج واضحة ودقيقة، من أجل تحقيق أهداف الدراسة والإجابة على أهم التساؤلات والفرضيات التي تمحورت حولها هذه الدراسة.. وتبين من خلال مضمون افتتاحيات الصحيفة بأنه عبر بقوة عن معتقدات وأفكار وأيديولوجيا التنظيم، وذلك من خلال الأطر الإعلامية المستخدمة في تناول القضايا والمواقف التي عبرت عنها الافتتاحيات لتشكيل الأفكار والاتجاهات لدى الجمهور المستهدف من محتوى الرسائل الإعلامية التي تم بثها".

وفي بيانه للنتائج التي توصلت إليها الدراسة، ذكر المؤلف جملة منها، من أهمها: "ساهمت عدة ظروف سياسية وعسكرية وثقافية ودينية في تشكل الجماعات الإسلامية بمختلف توجهاتها وطروحاتها الأيديولوجية التي تندرج من التغيير السلمي الإصلاحي، إلى التغيير الجذري الذي يتسم باستخدام القوة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الاستبداد السياسي، وفشل الدولة الوطنية في التنمية والمواطنة، وسوء توزيع الثروة والسلطة، وغياب العدالة الاجتماعية، والاستعمار الجديد بكل صوره وأشكاله". 

وعن المرجعية التي استند إليها التنظيم، أوضح المؤلف أنه "على الرغم من التباين الواضح في النصوص الدينية مرجعية المسلمين أجمعين، إلا أن التنظيم اعتمدها في التأطير الأيديولوجي لأفكاره وعناصره ومؤيديه، وعبر عنها بقوة من خلال رجوعه للنص المقدس والتزامه الحرفي به؛ ما انعكس ذلك على أدبياته وسلوكه ضمن زاوية محددة دون اللجوء للآراء والأحكام الفقهية التي تعارض توجههاته.. ويبدو أن السلفية الوهابية ألقت بظلالها على معظم المرتكزات الأيديولوجية للتنظيم، بمعنى آخر فإن علماء الدعوة النجدية ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في بناء تلك الأيديولوجيا، واعتبر المنهج الوهابي هو أحد المرجعيات الدينية الأساسية للتنظيم". 

 

في ضوء ما يجري في العالم من أحداث، باتت مراجعة حقل أفكار الجماعات الإسلامية عموما، والمسلحة منها على وجه الخصوص ضرورة مُلحة، بسبب الأزمة التي تعيشها أيديولوجيا تلك الجماعات، بهدف السعي نحو إنتاج عصر جديد من الأفكار والحلول التي ترقى إلى طموحات الأمة العربية والإسلامية..

 



ومن النتائج التي خلص إليها المؤلف ما عبر عنها بالقول "إيمان القائمين على وضع استراتيجيات التنظيم بالهدف الأساسي له الذي يتمثل في الإعلان عن الخلافة، وهذا ما ميزه عن غيره من التنظيمات والجماعات الإسلامية، حيث رسخ التنظيم هذا المفهوم بالتطبيق العملي بعد الإعلان عن الخلافة في الموصل عام 2014، وهو أحد الأسباب الجوهرية في الخلاف مع الجماعات الأخرى، على اعتبار أنه يمثل الولاية العامة لكل العباد والبلاد، بما تشمله من أفراد وجماعات ومجتمعات ودول، وهي تختلف عن إمارة الحرب التي تنتهجها الجماعات الإسلامية المسلحة الأخرى". 

أما في ما يتعلق ببنية الخطاب الإعلامي للتنظيم، فقد "بدا واضحا ـ حسب الكتاب ـ أنها قائمة على سيطرة وتحكم مركزي للقائم بالاتصال في المحتوى الذي ينتجه التنظيم، واختيار الوسيلة المناسبة الأكثر فاعلية وتأثيرا لإيصال رسالته، وقد اعتمد بدرجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت كوسيط حامل لأيديولوجيته، ودعايته التحريضية، بهدف الاستقطاب والتجنيد، والحرب النفسية التي يخوضها ضد خصومه". 

ولعل من النتائج الكاشفة التي لفت إليها المؤلف ما صاغها بقوله "حاول تنظيم الدولة الإسلامية إعادة إنتاج (أيديولوجيا) عصر الصحابة، وإسقاطها على الواقع المعاصر، من خلال الإلتزام بالنص المقدس للقرآن الكريم، وما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بغض النظر عن التأويلات الخاصة بمنظريهم لهذا التراث الفكري، الذي قد يسبب انحرافات في الفهم والسلوك وعكس صورة نمطية يغلب عليها العنف والتوحش، وحاول بناء دولة معاصرة طبعت صورتها النمطية بتطبيق الحدود والابتعاد عن بناء المجتمع والدولة". 

وفي ختام خلاصات النتائج التي توصلت إليها الدراسة، لاحظ الباحث أنه "في ضوء ما يجري في العالم من أحداث، باتت مراجعة حقل أفكار الجماعات الإسلامية عموما، والمسلحة منها على وجه الخصوص ضرورة مُلحة، بسبب الأزمة التي تعيشها أيديولوجيا تلك الجماعات، بهدف السعي نحو إنتاج عصر جديد من الأفكار والحلول التي ترقى إلى طموحات الأمة العربية والإسلامية..". 


التعليقات (0)