هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تنفي تونس أي تبادل تجاري مع "الكيان الصهيوني"، بحسب بيان رسمي، لكن الاحتلال نشر خلال الأيام الأخيرة بيانات حديثة من شأنها أن تحرج الحكومة التونسية حول حجم تبادلهما التجاري، وفرضية التطبيع بينهما.
وتعتبر تونس بلدا مليئا بتناقضات هائلة، وفق التوصيف الإسرائيلي، مع وجود نفوذ غربي فرنسي بجانب الإسلام والعروبة، وعلمانية بجانب المحافظة، وفيها تتمتع المرأة بحقوق أكثر من بقية العالم العربي، لكن عدد المتطوعات منهن في "تنظيم الدولة" من الأكبر في الشرق الأوسط.
ويستذكر الإسرائيليون تاريخا طويلا من الصعود والهبوط في العلاقات مع تونس في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، بما فيها الدعم الاقتصادي الذي حصلت عليه من خلال قنوات سرية منذ 1956.
ولكن في أواخر الخمسينيات و1967، حدثت موجات من الاضطهاد ضد اليهود هناك، مع زيادة موجة التحريض ضد الصهيونية، حيث غادرت معظم الجالية اليهودية، قرابة مائة ألف، وبقي 1500 منهم، معظمهم في جزيرة جربة.
وزعم الكاتب في موقع زمن إسرائيل، يارون فريدمان، أن "علاقات تونس وإسرائيل تدهورت في سنوات الثمانينيات عندما استضافت تونس قيادة منظمة التحرير، وقصفت إسرائيل مكاتبها في 1985، ثم أقيمت علاقاتهما الدبلوماسية العلنية بعد اتفاق أوسلو والسلام مع الأردن، وفي 1996 افتتحت إسرائيل مكتب مصالح في تونس، وهو خطوة ما قبل السفارة، لكن اندلاع انتفاضة الأقصى أدى إلى قطيعة جديدة أواخر عام 2000، رغم سماح تونس لليهود ممن يحملون جوازات سفر أجنبية بالاستمرار في القدوم كل عام لجزيرة جربة".
وأضاف الكاتب في مقال ترجمته "عربي21" أن "تونس تشهد تيارات دينية ومحافظة قوية تمنع خيار العلاقات مع إسرائيل، لكن الرئيس العلماني قيس سعيد الذي حلّ البرلمان، مهّد الطريق لتجديد العلاقات مع إسرائيل، رغم أن برنامجه الانتخابي كان ولا يزال مؤيدًا للفلسطينيين، ومعاديا للصهيونية، ووصف تطبيع الإمارات والبحرين والمغرب بـ"الخيانة"، فيما يقف على رأس المعارضين للعلاقات مع إسرائيل حزب النهضة، النسخة التونسية لجماعة "الإخوان المسلمين".
وأكد أنه "على الصعيد السياسي، ورغم احتفاظ تونس بخط رسمي ثابت ضد التطبيع، لكن تجارتها ازدادت مع إسرائيل باطراد، حيث بلغ حجم تبادلهما 29 مليون دولار".
وحسب كاتب المقال، "تستورد تونس من إسرائيل بشكل رئيسي التكنولوجيا والمنتجات الطبية"، لكن تونس نفت هذه المعطيات، موضحة أن البضائع الإسرائيلية قد تصل عبر دولة ثالثة في أوروبا، وحينها لن تكون تونس مسؤولة عن ذلك.
وأكمل فريدمان زاعما: "تستورد إسرائيل ألف طن من الكسكسي من تونس سنويا، حيث وجهت الصحافة أصابع الاتهام لشركة "رندة" للمهندس التونسي محمد حشيشة، التي تصدره عبر ميناء في فرنسا إلى أسدود".
اقرأ أيضا: تونس تنفي مبادلات تجارية مع الاحتلال: ملتزمون بالمقاطعة
تكشف هذه القضية عن اهتمام العديد من الأطراف في تونس بالتطبيع مع دولة الاحتلال، وهم رجال الأعمال الراغبون بالنهوض بالاقتصاد، وإنقاذه من الأزمة الحالية، وفي كانون الأول/ديسمبر 2020، طرح حزبان علمانيان من المعارضة مقترحًا لتعريف التطبيع بأنه انتهاك للقانون، لكن مناقشة الاقتراح تأجلت مرارا، مما يرجح وجود جهات أخرى ترغب بإبقاء خيار التطبيع على الطاولة، رغم أن القضية الفلسطينية في قلب الحملة الانتخابية في البلاد، ولا يوجد دعم شعبي واسع لتجديد العلاقات مع الاحتلال.
وربما يأتي نفي الحكومة التونسية مؤخرا لوجود علاقات مع الاحتلال تأكيدا للمثل القائل أنه "لا دخان بدون نار"، فيما تخشى الجزائر، الدولة الأكثر معاداة في شمال أفريقيا في آرائها ضد الاحتلال، أن تتعرض لنوع من الحصار بين دولتين تربطهما علاقات معه، وهما المغرب وتونس، ولعل الوضع الاقتصادي الصعب لتونس هو الدافع الرئيسي لتجديد العلاقات معه، بزعم أن التقدم الاقتصادي للمغرب بفضل علاقاته معه سيكون بمثابة رافعة كبيرة لذلك.
وليس سرّا أن الاحتلال يحاول استغلال الوضع الاقتصادي في تونس من أجل الضغط على حكومتها عبر القنوات الدبلوماسية للانضمام لقطار التطبيع، لكن فرصه ضئيلة، وإحدى وسائل الضغط من خلال المطبوعات الإسرائيلية حول الاتصالات بينهما، ولكن من الواضح أن فرص التطبيع على المدى القصير بينهما غير مرجحة، على اعتبار أن نظام الحكم غير مستقر، وليس قوياً بما يكفي، لاتخاذ خطوة لا تحظى بشعبية في الشارع التونسي.
وخلص الكاتب في مقاله إلى أن العداء التونسي للاحتلال لا يقتصر على أنصار النهضة وعلماء الدين فحسب، بل يُسمع بوضوح أيضًا بين الهيئات العلمانية والأحزاب غير الدينية، لكن اليهود من أصل تونسي لا يفقدون الأمل في أن الحكومة قد تتغير في المستقبل في الانتخابات التونسية، وحينها قد يتغير الموقف الرافض من التطبيع.
وفي وقت سابق، نفت وزارة التجارة وتنمية الصّادرات التونسية صحة التقارير التي تحدثت عن وجود مبادلات تجارية بين تونس والاحتلال الإسرائيلي، مشددة على التزام تونس بأحكام ومبادئ المقاطعة العربية في إطار الاتفاقيات ذات الصلة على مستوى جامعة الدول العربية.
وأكدت أنه "يتم حظر التعامل مع الشركات ووسائل النقل الأجنبية التي يثبت خرقها لمبادئ وأحكام المقاطعة العربية للكيان الصهيوني بقرار من مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري".