هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشفت محاميتان دوليتان لـ"عربي21"، تفاصيل شكاوى رسمية قامتا بتقديمها، قبل أيام، إلى المدعي العام الفرنسي والأمم المتحدة، بالنيابة عن حركة (مصريون بالخارج من أجل الديمقراطية)، ومنظمة (كود بينك)، بدعم من حزب "أمل مصر- تحت التأسيس"، من أجل المطالبة بالتحقيق في تورط مسؤولين مصريين، وتواطؤ مسؤولين فرنسيين، فيما وصفوه بـ "جرائم ضد الإنسانية وتعذيب".
هذه "الجرائم" وقعت ضد مدنيين خلال عمليات عسكرية لمكافحة الإرهاب مشتركة بين القاهرة وباريس في الأراضي المصرية خلال الفترة بين عامي 2016 و2018 تحت مسمى العملية "سيرلي"، نُفذ خلالها ما لا يقل عن 19 غارة جوية على الحدود المصرية الليبية.
من جهتها، قالت المحامية الفرنسية لدى نقابة المحامين في باريس، لويز دوماس: "وكلتني منظمتان غير حكوميتين أمريكيتان (حركة مصريون بالخارج من أجل الديمقراطية، ومنظمة كود بينك)، بتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر الجاري، لتقديم شكوى جنائية أمام المدعي العام الفرنسي"، موضحة أن هذه الدعوى رُفعت ضد شخص مجهول، يرمز له بالحرف إكس (X).
يشار إلى أنه في القانون الفرنسي يوضع الحرف "إكس" في الشكوى ليوضح أن تحديد هوية المتهم متروك للمدعي العام.
اقرأ أيضا: منظمة معارضة تستعرض جرائم نظام السيسي خلال 9 سنوات
تعدد الجناة
وأضافت دوماس: "بسبب تعدد الجناة المحتملين في كل من مصر وفرنسا، وأيضا بسبب القواعد الإجرائية الفرنسية تنص الشكوى على أنها مُقدمة ضد (X)، حتى تسمح للمدعي العام الفرنسي باستكشاف جميع الجناة المحتملين في مصر وفرنسا على حد سواء".
ولفتت إلى أن "هذه الدعوى رُفعت على خلفية التعذيب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها مسؤولون مصريون لم تُحدد هويتهم، وتواطؤ مسؤولين فرنسيين لم تُحدد هويتهم أيضا في ارتكاب هذه الجرائم"، موضحة أنه "تم تقديم الشكوى لوحدات جرائم الإنسانية، وجرائم الحرب، ووحدات الجرائم التابعة للمدعين الوطنيين لمكافحة الإرهاب في فرنسا".
وتابعت دوماس، في حديث مصور مع "عربي21": "تؤمن كلتا المنظمتين بأهمية المضي قدما في هذه القضية، ونحن نأمل أن يفتح المدعي العام تحقيقا ويُخضِع المسؤولين للتحقيق، خاصة أننا وثّقنا في الشكوى بعض الأدلة حول التعذيب، ويوجد في النظام الفرنسي قانون عالمي لهذا النوع من الجرائم، مما يعني أن المدعي العام بإمكانه إجراء التحقيق خارج الأراضي الفرنسية".
وشدّدت دوماس، وهي متخصصة في القانون الجنائي الدولي، على ضرورة "وضع حد لمسألة الإفلات من العقاب للمسؤولين عن مئات القتلى المدنيين على الحدود بين مصر وليبيا".
انتهاكات العملية "سيرلي"
بدورها، لفتت المحامية البريطانية المتخصصة في القانون الدولي وحقوق الإنسان، هايدي دايكستال، إلى أن الشكوى الرسمية الأولى كانت موجّهة إلى المدعي العام الفرنسي والثانية إلى الأمم المتحدة، مردفة: "هذه الطعون القانونية تأتي في أعقاب ما تم الكشف عنه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 من قِبل المنظمة الاستقصائية والإعلامية ديسكلوز عن عملية (سيرلي) والانتهاكات التي ارتُكِبت أثناءها".
وأوضحت، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "الشكوى الأولى، التي قُدمت يوم الإثنين الماضي، تتعلق بالجرائم ضد الإنسانية والتواطؤ والتعذيب التي تتابعها وحدة جرائم ضد الإنسانية، وهي وحدة جرائم الحرب في النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب، والشكوى الثانية موجّهة إلى مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالات الإعدام التعسفي، ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب، ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحماية حقوق الإنسان".
وأردفت دايكستال: "هذه الشكاوى تتمحور حول انتهاكات لحقوق الإنسان اُرتكبت خلال عملية (سيرلي)، وتم تقديم المذكرتين القانونيتين من طرفي أنا شخصيا، ومن قِبل الزميلة المشاركة لويز دوماس، وحظيت الطعون القانونية بدعم تحالف من منظمات وأفراد، بما في ذلك حزب (أمل مصر – تحت التأسيس)".
وأكملت: "العملية (سيرلي) تُشكّل أساس الطعون القانونية؛ فهي عملية أمنية واستخباراتية بين مصر وفرنسا بدأت في شباط/ فبراير 2016، وكانت نتيجة لاتفاقية تعاون سرية بين الحكومة الفرنسية والسلطات المصرية. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، كشفت المنظمة غير الحكومية الرائدة للصحافة الاستقصائية ديسكلوز عن وجود أنشطة عملية مراقبة في المناطق الواقعة على الحدود المصرية الليبية، وقد تبين أن فرنسا على علم بأن مصر أساءت استخدام (سيرلي) لاستهداف وقتل المدنيين بدلا من اتباع تفويض العملية لمكافحة الإرهاب".
اقرأ أيضا: دعوى ضد تواطؤ مسؤولين بفرنسا مع مصر بجرائم ضد الإنسانية
استهداف المدنيين لا مكافحة الإرهاب
وقالت دايكستال: "وفقا لعدد من المصادر، بما في ذلك المذكرات الداخلية من الجيش الفرنسي إلى رؤسائهم فإن عملية (سيرلي)، التي كانت تهدف في البداية إلى محاربة الإرهاب، تحوّلت بسرعة إلى عملية لتحديد مواقع المركبات التي يُزعم أنها استُخدمت من طرف مدنيين متورطين في أنشطة تهريب وليس الإرهاب".
وزادت: "تقر وثائق من السلطات الفرنسية بأن المعلومات الاستخباراتية التي قدّمتها فرنسا لمصر كانت تُستخدم باستمرار لاستهداف المدنيين المشتبه بضلوعهم في التهريب وأنشطة محظورة وليس الإرهابيين. كما أن البيانات التي جمعتها فرنسا وأعطيت لمصر أتاحت لها بعد ذلك استخدام القوات المسلحة المصرية لاستهداف مئات المركبات أدت هذه الضربات الجوية إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين دون أي محاكمة أو تحقق مسبق من هوية المستهدفين والأهداف المشتبه بها".
وواصلت حديثها بالقول: "تشير المعلومات والأدلة إلى أنه في نيسان/ أبريل 2016، وفي عدة مناسبات أخرى في 2016، 2017، 2018، و2019، قام العملاء الفرنسيون الذين كانوا يديرون العمليات في عملية (سيرلي) بإبلاغ مشرفيهم بأن العملية لا تتعلق بمكافحة الإرهاب وتخاطر بتوريط فرنسا فيما يشكل جرائم ضد الإنسانية، ورغم هذه التحذيرات، استمرت عملية (سيرلي)، وتواصل التعاون بين مصر وفرنسا".
استجواب الجناة
ونوّهت دايكستال إلى أن الدعوى تطلب من المدعي العام الفرنسي أن يساعد في تحديد هوية هؤلاء الجناة، كما أنها تقدم ادعاء ضد جرائم التعذيب التي ارتكبها مسؤولون مصريون وجرائم تواطؤ وجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها مسؤولون فرنسيون، ونحن نطالب المدعي العام الفرنسي أن يستجوب بدقة كل مسؤول محتمل من أجل توسيع التحقيقات".
ولفتت إلى أن "هذه الشكوى تهدف لفتح تحقيق وإحالة القضية إلى قاضي التحقيق من أجل فتح تحقيق قضائي رسمي لتسليط الضوء على هذه المسألة والجرائم المزعومة، وخاصة من خلال تحديد أهم المسؤولين بوضوح. هذا هو الهدف من تحديد الأشخاص الأكثر مسؤولية في كل من فرنسا ومصر وامتثالهم أمام القانون الفرنسي".
وتابعت دايكستال: "ترغب كل من المنظمة غير الحكومية مصريون في الخارج من أجل الديمقراطية وكود بينك في وضع حد للإفلات من العقاب بالنسبة للمسؤولين والمتواطئين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لمئات المدنيين والمسؤولين عن هذه الجرائم الدولية من خلال التذرع بجريمة التعذيب".
اقرأ أيضا: دعوى قضائية في هولندا ضد تصدير أسلحة لمصر
الولاية القضائية العالمية
واستطردت قائلة: "نعتمد كفريق قانوني بشكل خاص على الولاية القضائية العالمية المتوفرة في فرنسا للنظر في الجرائم المرتكبة خارج الأراضي الفرنسية، وتسمح للقانون الفرنسي والمدعي العام الفرنسي بالبت في الجرائم التي حدثت خارج الأراضي الفرنسية وفقا للقانون الفرنسي".
كما أشارت إلى أنه تم إرسال شكوى أخرى إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة لرفع انتهاكات حقوق الإنسان ضد ضحايا الغارات الجوية المُنفذة أثناء عملية (سيرلي)، وأُرسلت إلى مقرر الأمم المتحدة الخاص المُكلّف بحالات القتل خارج نطاق القضاء، ومقرر الأمم المتحدة الخاص المُكلّف بقضايا التعذيب، ومقرر الأمم المتحدة الخاص المُكلّف بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب".
وقالت المحامية الدولية: "تعرض المراسلة أو الشكوى الإجراءات التي اتخذتها مصر لشنّ هجمات ممنهجة وموجهة أدت إلى سقوط قتلى وإصابات بين صفوف المدنيين المنخرطين في أنشطة التهريب والأعمال المشبوهة التي لا تمت بصلة للإرهاب في المنطقة، وقد مثّلت انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية للمدنيين المتضررين".
وتشير المراسلات أيضا، وفق دايكستال، إلى "وقوع انتهاكات للحق في الحياة، والحق في مناهضة التعذيب، والحق في التمتع بالمعاملة الإنسانية، والحق في محاكمة عادلة للمستهدفين بالغارات الجوية المصرية. كما تؤكد المراسلات حدوث انتهاك للحق في الحياة الأسرية، والحق في سبل الانتصاف والبحث عن الحقيقة لضحايا الهجمات من القتلى والجرحى، ويمكن اعتبار العائلات ضحايا غير مباشرين، لأنهم تضرروا بشدة من الهجمات الموجّهة".
وأضافت: "تسلط المراسلات الضوء على المسؤولية التي تقع على عاتق فرنسا عن انتهاكات حقوق الإنسان؛ ففي حين أن مصر تتحمل المسؤولية الرئيسية عن تنفيذ هجمات موجّهة على طول الحدود بين مصر وليبيا، والتي ترقى إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والمدنيين، تتحمل فرنسا مسؤولية ثانوية بسبب مساعدتها في توفير المعلومات الاستخبارية التي سمحت للجيش المصري باستهداف المدنيين".
وتابعت دايكستال: "كما أن مسؤولية فرنسا جلية في استمرارها في تقديم المساعدة لمصر، على الرغم من البلاغات التي تفيد باستخدام مصر التعسفي للمعلومات الاستخبارية المُقدمة في إطار عملية (سيرلي)، وأيضا على الرغم من التقارير المكثفة عن اتباع مصر القمع المنهجي والانتهاكات ضد المدنيين بذريعة مكافحة الإرهاب".
ونوّهت إلى أن "طلب الأمم المتحدة يقوم على تكليف المقررين الخاصين للأمم المتحدة بالمراجعة والتحقيق في الانتهاكات التي اُرتكبت أثناء عملية (سيرلي)، وتقييم مزاعم الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان الدولية وتقديم المقررين الخاصين للأمم المتحدة نتائجهم وتوصياتهم إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان".
حقائق وأدلة قوية
واستطردت قائلة: "سنتابع تطور هذه الدعوى القضائية والشكاوى خلال الفترة المقبلة، ونؤكد أن الهدف من مناقشة أفعال مصر بمساعدة فرنسا أمام الأمم المتحدة ومكتب المدعي العام الفرنسي هو البحث عن الحقيقة والعدالة على الصعيدين الوطني والدولي"، مضيفة: "أقمنا دعوتين قويتين تستندان إلى مئات الصفحات من الوثائق والأدلة المختلفة".
وشدّدت دايكستال على أن "هذه القضايا تستند إلى حقائق وأدلة قوية وواسعة النطاق، كما هو مطبق في القانون، ولم يتم تقديمها لأي سبب آخر، والهدف الوحيد هو السعي لتحقيق العدالة والمساءلة عن الضرر الذي لحق بالضحايا، وليس هناك أي غرض سياسي أو أي غرض آخر لتقديم هذه الشكاوى".
وتابعت: "لقد تمكنا أخيرا مع المقررين الخاصين للأمم المتحدة، والمدعي العام الفرنسي، من تسليط الضوء على الانتهاكات التي تم ارتكابها خلال عملية (سيرلي) باعتبارها جريمة وانتهاكات لحقوق الإنسان، وبالتالي قمنا بتغطية مجالين مختلفين من القانون التي توفر حلولا مختلفة وأنماطا متعددة من المسؤولية".
وقالت: "تركز الجرائم على الجناة المسؤولين، بينما تركز الجرائم الدولية على مرتكبيها في أعلى المستويات في حين تركز انتهاكات حقوق الإنسان على الأذى الذي يلحق بالضحايا، وبالتالي من المهم أن يتم التحقق من هذه الانتهاكات وتحليلها والاعتراف بها باعتبارها جرائم ارتكبها الجناة، وذلك بموجب القانون المحلي الفرنسي".
ودعت دايكستال، والتي تملك خبرة تفوق العقد في الترافع أمام المحاكم والهيئات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، إلى "إتاحة الفرصة للاعتراف بضحايا هذه الجرائم، وبالضرر الذي لحق بهم، وبحقوق الإنسان المُنتهكة"، مطالبة الأمم المتحدة بالنظر في "الآثار والأذى الذي لحق بالضحايا المباشرين الذين قُتلوا أو أُصيبوا جراء الهجمات التي نفذتها مصر ضد المدنيين".
واختتمت دايكستال بقولها: "نتطلع إلى تلقي أي مستجدات من مكتب المدعي العام في فرنسا حول خطوات التحقق من الشكوى، وأيضا من المقررين الخاصين الثلاثة للأمم المتحدة الذين تلقوا الشكوى المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وسنقدم لكم أي تحديثات فور ورودها".