ملفات وتقارير

ما الأسباب وراء تصاعد وتيرة المحاكمات للمعارضين بتونس؟

العديد من الشخصيات السياسية جرى التحقيق معها واحتجازها خلال الأيام الماضية- الأناضول
العديد من الشخصيات السياسية جرى التحقيق معها واحتجازها خلال الأيام الماضية- الأناضول
يسود المشهد السياسي في تونس، ضبابية مقلقة، محاكمات تلاحق أغلب المعارضين للسلطة الحاكمة في تونس شملت رئيس البرلمان، قيادات حزبية بارزة نواب وغيرهم، رئيس تحدث عن قضايا فساد كبيرة تلاحق شخصيات كبرى دون تسميتها، ويتوعدهم بالمحاسبة والتطهير عبر القضاء الذي يعرف هو الآخر أزمة متواصلة، منذ أشهر طويلة، خاصة بعد قرار إعفاء 57 قاضيا بشبهة فساد.

أزمة اقتصادية واجتماعية تنذر بانفجار اجتماعي وفق مراقبين، بالنظر إلى التدهور الكبير لقدرة المواطن والغلاء غير المسبوق في الأسعار مع فقدان المواد.

خناق السلطة

وقال أستاذ القانون الدستوري والحقوقي جوهر بن مبارك (عضو عن حراك مواطنون ضد الانقلاب)، في تصريح خاص لـ"عربي21"؛ إن "ما يحدث اليوم في تونس من محاكمات، خاصة للمعارضين للرئيس، هو أمر متوقع".

وفسر ابن مبارك ذلك قائلا: "كلما اشتدت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والخناق على سلطة الانقلاب، إلا ذهبت في اتجاه التصعيد ومحاولة فك الخناق عن نفسها بمهاجمة المعارضين وتقديم كباش فداء".

ويرى ابن مبارك أن "منظومة الانقلاب تلقي بأوراقها الأخيرة، وذلك بالتصعيد والقمع لكل المعارضين".

بدوره يقول الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري في تصريح خاص لـ"عربي21"؛ إن "سلطة الانقلاب تستمر اليوم في إلهاء الرأي العام عن القضايا الحقيقية، التي هي في علاقة بالمواطن وهي اقتصادية واجتماعية ومالية ودولة متعثرة".

وأضاف الخميري: "إثارة قضايا ومحاكمات لقيادات حركة النهضة وهي بريئة منها، هو بدافع إلهاء الرأي العام، محاولات فبركة ملفات للمعارضة عبر الضغط على القضاء والمؤسسة الأمنية، لن تثني الأطراف السياسية عن التصدي للانقلاب".

ارتباك فانفجار

تجمع أغلب الآراء أن المناخ العام بالبلاد على غاية من التوتر والاحتقان جراء الأزمة السياسية، التي تعرفها تونس منذ اتخاذ الرئيس قيس سعيد للإجراءات الاستثنائية وحل البرلمان، وإجراء استفتاء تم بمقتضاه وضع دستور جديد للبلاد، مع قانون انتخابي جديد ينتظره تطبيقه في الاستحقاق التشريعي المقرر في 17 كانون الأول/يناير القادم .

قال الأستاذ والمحلل السياسي قاسم الغربي في حديث خاص لـ"عربي21"؛ إن "الجانب السياسي واضح جدا المعارضات والسلطة في نوع من المأزق، فمنظومة الحكم ليس لها رؤية سياسية، وهي غير قادرة على تأسيس منظومة حكم يمكن أن تستمر مع رؤية اقتصادية تقوم على الارتهان على البنك الدولي، مما يجعلها قريبا في أزمة اجتماعية".

وعن ما يعتبره الأستاذ الغربي معارضات، يوضح: "هناك معارضة مرتبطة بجبهة الخلاص التي تعيش أزمة بعدم امتلاكها للبديل وإحداث تغيير، ومعارضة أخرى من أحزاب لا تنطلق من فكرة مقاومة الانقلاب، ولكن تنطلق من فكرة معارضة مسار سياسي، وإنما تعارض لأنها لم تجد حظها في المنظومة الجديدة وهذه هي الصورة العامة للمشهد".

بدوره قال الباحث والسياسي عبد الحميد الجلاصي لـ"عربي21" عن المشهد السياسي؛ إنه "في حالة ارتباك وحيرة، وهو يجني ثمار أخطائه الكثيرة قبل الانقلاب، ويجني خاصة نتائج أخطائه بعده".

واعتبر الجلاصي أن "سوء تقدير مخطط سعيد، والمكابرة ورفض الاعتراف بالأخطاء لمحاولة استعادة ثقة الناس، واستمرار تغليب الاعتبارات النفسية والأيديولوجية، كلها أدت إلى فسح المجال أمام سعيد ليفرض أجندته خطوة خطوة، وينجز ما لم يكن يتوقعه أكبر المحللين".

ولفت الجلاصي إلى أن أكبر الخاسرين في المشهد، هو الاتحاد العام التونسي للشغل (منظمة نقابية)، الذي انتقل من موقع الطرف الذي يملي شروطه، إلى طرف ذليل يستبعد عن الشأن السياسي وتفرض عليه مخرجات الملف الاجتماعي".

وأشار الباحث الجلاصي إلى أنه "حاليا الطرفان الفاعلان في الحياة السياسية هما قيس سعيد والإعلام الذي كان طرفا رئيسا عشية الثورة، وفي الغالب يبث نفسا عدميا ومناخا من الإحباط".

ما المتوقع ؟

وعن توقعاته للمشهد في قادم الأيام، أجاب الجلاصي: "الأوضاع لن تستقر للانقلاب، فالأمور أكثر تعقيدا، والقادم أمامه أصعب، عليه أن يواجه التحديات المالية والاقتصادية والاجتماعية، والتحكم في تدفقات الهجرة غير النظامية التي لن تطول سياسة غض الأوروبيين الطرف عنها، خاصة مع الصعود المرجح لقوى اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية المقررة للأسبوع القادم في إيطاليا".

وأكد الجلاصي أن "كل القضايا التي أثارها الانقلاب منذ أشهر، لم تؤد إلى ما كان يرجوه من أحكام نتيحة استمرار المقاومة في المؤسسة القضائية الحريصة على استقلاليتها. كما أن الانتخابات المتوقعة في كانون أول/ديسمبر الماضي، ستجر إلى صراعات في الأحزمة الموالية للانقلاب؛ نظرا لتعقد إجراءات الترشح بالنسبة لها، كما أنها قد تؤدي إلى إحياء الصراعات القبلية والجهوية".

ورجح الباحث أن تكون السنة السياسية صعبة على المعارضة، ولكنها ستكون أصعب على سعيد الذي سيكتشف الناس عجزه بما قد يؤدي إلى فتح الجبهة مع الشارع الاجتماعي. وهو العامل الأساسي القادر على خلط الأوراق ودفع مختلف الفاعلين "شارع سياسي، أطراف خارجية، مؤسسات الدولة الصلبة إلى تغيير مقارباتها".

من جهته، رجح قاسم الغربي أن تعيش البلاد حالة ركود وقتيّا، وسيتمسك كل طرف بموقفه إلى أن يحصل شيء ما اجتماعيّا واقتصاديّا".

ونبه الغربي إلى أنه: "سيتراكم الغضب الشعبي؛ لن يؤثر قريبا جدا، ولكن سيشتغل على الزمن حتى ينتج وعيا، ويطالب بمنظومة جديدة" .
 
التعليقات (0)