هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلن وزير
الخارجية المصري، سامح شكري، مساء الجمعة، في حواره مع قناة "العربية"
السعودية، عن توقف الجلسات الاستكشافية بين بلاده وتركيا، بعد انعقاد جولتين منها،
ما يعكس وجود توترات جديدة بين الجانبين حول الملف الليبي، رغم ما أحرزاه من تقدم
في تطبيع العلاقات على مدار عامين.
وزير الخارجية
المصري، برر عدم استئناف مسار المباحثات مع تركيا بقوله إنه "لم تطرأ تغيرات
في إطار الممارسات من قبل أنقرة"، مشيرا إلى غضب مصر من التواجد العسكري
التركي بليبيا، مؤكدا أن "من الأمور
التي تثير القلق هو عدم خروج القوات الأجنبية من ليبيا حتى الآن".
"اتفاقية
الدبيبة"
وفي تقديره
لدلالات إعلان مصر توقف المفاوضات مع الجانب التركي الآن، قال الكاتب والمحلل
السياسي التركي مصطفى أوزجان: "من البداية كانت طريقة القاهرة باردة في ملف
تطبيع العلاقات بين البلدين".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، يعتقد أوزجان، أن "مصر تريد الاحتفاظ بمكانتها في
المحافل الدولية، وخاصة موقفها من الملف الليبي"، موضحا أن "الاتفاقية
التركية مع حكومة الدبيبة حول ترسيم الحدود المائية من المحتمل أنها جعلت مصر ناقمة على
تركيا".
"نفق
مظلم"
وفي تصوره يرى
الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة، أن "تصريحات شكري تأتي بعد
أيام قليلة من توقيع أنقرة اتفاقية مع حكومة الدبيبة سبقتها اتفاقية مطلع الشهر
الجاري"، مؤكدا أنها جميعها "لها تأثير في العلاقات التركية المصرية".
وألمح في
حديثه لـ"عربي21"، إلى وجود "غضب مصري حيال هذه الاتفاقية، رغم أن
أنقرة لم توجه أي انتقادات إلى الجانب المصري، رغم دأبها على انتقاد الجانب
اليوناني والأوروبي خلال الأسابيع الماضية دون مصر".
ولذا فإن عودة يتصور أن "الخطوة المصرية للوراء مرتبطة بالملف الليبي الذي شهد تطورات
متسارعة بالفترة الأخيرة الماضية، وخاصة أن الأمور تتجه نحو نقطة جديدة خاصة
بتعيين مبعوث أممي إلى ليبيا".
وأشار إلى أن
"العلاقة المصرية التركية المتعلقة بالتطبيع حاليا تسير في نفق مظلم ولم تصل إلى المستوى المطلوب الذي كان يرغب فيه الطرفان، وخاصة أن أردوغان صرح قبل أيام بأن
هناك تقاربا على مستوى القنوات الاستخباراتية".
اقرأ أيضا: محللون: قضايا شائكة تبطئ تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر
وأكد أن
"أنقرة كانت ترغب في مستوى أعلى كتبادل السفراء أو حتى زيارات للمسؤولين؛ وهو
ما لم يتحقق بسبب الملفات الإقليمية والملف الليبي العامل الأساسي في هذه
الخطوة".
ووقعت حكومة
عبدالحميد الدبيبة في طرابلس ووزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في 26 تشرين الأول/
أكتوبر الجاري، اتفاقيتين جديدتين للتعاون العسكري بناء على اتفاقية سابقة مع
حكومة فائز السراج عام 2019، في حين أن مصر بالمقابل تدعم حكومة فتحي باشاغا
المدعومة من برلمان طبرق.
وفي 3 تشرين
الأول/ أكتوبر الجاري، زار وفد تركي عالي المستوى ضم وزراء الخارجية والطاقة
والدفاع والتجارة، ومتحدث الرئاسة التركية، العاصمة الليبية طرابلس، لتوقيع
مجموعة اتفاقيات تجارية منها التنقيب عن النفط والغاز بالمياه الليبية.
"علاقة
تنافسية"
من جانبه، قال
الباحث والأكاديمي المصري محمد الزواوي، إن "طبيعة العلاقة بين مصر وتركيا
علاقة تنافسية، بالنظر إلى الحجم الجيوسياسي للدولتين، وصراعهما على القيادة في
منطقة الشرق الأوسط".
الباحث في
الشأن التركي، والمحاضر بمعهد الشرق الأوسط بجامعة "سكاريا" التركية،
أضاف لـ"عربي21"، أن "الأزمة الليبية جاءت لتعزز تلك الطبيعة
التنافسية".
وتابع بأنه
"من ثم فإن التحول إلى إطار تعاوني يحتاج إلى الكثير من الجهد، وإلى تقريب
وجهات النظر في القضايا الإقليمية، وهو ما لا يتوفر الآن نظرا لاختلاف طبيعة
النظام السياسي وتوجهات السلطة الحاكمة في كلا الدولتين".
واستدرك
قائلا: "ولكن يبدو أن المتفق عليه على المستوى الإقليمي بين كل من الإمارات
والسعودية ومصر وتركيا هو التهدئة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وكذلك عدم
التحريض على الدول الأخرى".
وأوضح أن
"هذا كان سبب إخراج الفضائيات المعارضة المصرية من تركيا"، مضيفا أنه
"من ثم يمكن أن نفهم كذلك لماذا قامت السلطات التركية بتوقيف الناشط حسام
الغمري؟"، معربا عن اعتقاده بأنه "ليس لدى أنقرة نية لترحيله، ولكن يبدو
أن الأمر ظاهريا يتعلق بقضايا الإقامة وتجديدها".
والجمعة،
أوقفت تركيا الإعلامي المصري المعارض من إسطنبول، حسام الغمري، الداعي إلى تظاهرات
(11/11) ضد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، عبر مقاطع فيديو يومية وبنشر مقاطع
مصورة لمصريين يعلنون نزولهم ضد النظام.
ويرى الزواوي،
أنه "ربما يتم الوصول إلى اتفاق بعدم العمل على التحريض ضد أي دولة أجنبية
من داخل الأراضي التركية، ومن ثم يمكن خروج الناشطين إلى دولة ثالثة"، وأضاف:
"ولكن يظل الوضع على ما هو عليه في ما يتعلق بالتقارب المصري التركي كما صرح
وزير الخارجية المصري".
وفي إجابته
على التساؤل "رغم غياب الدعم الإماراتي الفرنسي للقاهرة في ملف ليبيا وتصالح
أبوظبي مع أنقرة، لماذا تصر مصر على استدعاء الخلاف الليبي في علاقاتها مع تركيا؟"،
قال الزواوي: "مصر لا تصر على استدعاء الخلاف بقدر ما هي لا تريد منافسة
إقليمية في محيطها الحيوي في ليبيا وغيرها من مناطق الصراع".
وأضاف أن
"فشل النظام الإقليمي العربي والدول الكبرى في احتواء الصراعات هو ما
استدعى التدخلات الخارجية من تركيا، وهي التي تعمل على تأمين مصالحها كذلك بعدم وصول
المد الانقلابي إلى الداخل التركي، وتريد كذلك الحفاظ على استقرارها
وديمقراطيتها".
وختم بالقول:
"ومن ثم فإن ذلك الاختلاف في بنية النظامين المصري والتركي هو العامل الرئيسي
في عدم توصل الطرفين إلى صيغة توافقية حتى الآن، والتي تعمل على تأمين
مصالحها".
"تنفيذ
للتعليمات"
وفي قراءته
لدلالة إعلان مصر توقف المفاوضات مع الجانب التركي، في هذا التوقيت، قال الخبير في
القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبو الخير: "النظام لا يعمل
لصالح مصر، بقدر ما ينفذ تعليمات شركائه الدوليين متمثلين في الأمريكيين،
والإقليميين ممثلين في الكيان الإسرائيلي".
الأكاديمي
المصري أكد بحديثه لـ"عربي21"، أن "من مصلحة مصر أن تنسق وتنظم
وترتب الحدود البحرية مع تركيا، وليس مع الكيان الصهيوني واليونان فقط، وذلك
استمرار في التفريط في ثروات مصر الطبيعية".
وفي رؤيته
لاحتمالات أن يكون وقف الجانب المصري التفاوض مع الجانب التركي ردا من القاهرة على
أنقرة، بعد توقيع اتفاقية أمنية جديدة قبل أيام واتفاقية اقتصادية قبل 3 أسابيع،
يعتقد أبوالخير، أن "نظام القاهرة يرى في أي وجود تركي بليبيا خطرا على
مصالحه".
وأضاف:
"وكذلك يرى الحضور التركي بجارته الغربية خطرا على مصالح الأمريكيين في سرقة
ثروات الشعب الليبي"، وذلك إلى جانب العمل على إفشال ثروة جيرانه الليبيين،
التي يعتقد أن نجاحها يهدد بقاء الانقلاب في مصر".
وبشأن استخدام
القاهرة الدائم لملفات ليبيا واليونان في العلاقة مع تركيا وهي ملفات غير ملفاتها
وقد تتعارض مع مصالحها، يرى السيد، أنها "ملفات واشنطن والانقلاب العسكري
والعداء للربيع العربي والثورة الليبية، ولسرقة البترول الليبي والغاز
الطبيعي".
ويعتقد الخبير
الدولي، أن ما يعانيه النظام المصري من أزمات مالية واقتصادية وسياسية لا يتعارض
مع قراره وقف التفاوض مع تركيا، موضحا أن "الأزمة الاقتصادية تضغط بقوة على
النظام، وكي يستمر فلا بد له من أموال لدعم الانقلاب الذي بدأ بالتهاوي بفعل
الضغوط الاقتصادية".
ويرى
أبو الخير، أن "من مصلحة تركيا استمرار تواجدها في ليبيا".
"جولات
مكوكية"
حديث شكري،
يأتي بعد نحو عامين من التواصل واللقاءات بين مسؤولي البلدين وأجهزتهما
المخابراتية في القاهرة وأنقرة، وسط آمال في استعادة علاقات الجانبين.
وفي 5 أيار/
مايو 2021، عُقدت مشاورات مصرية تركية، لأول مرة منذ العام 2013، بوزارة الخارجية
المصرية بالقاهرة.
الجولة
الثانية عقدت في 7 و8 أيلول/ سبتمبر 2021، في أنقرة، وتبعتها قرارات تركية بخفض حدة
انتقاد فضائيات المعارضة المصرية التي تبث من إسطنبول لنظام السيسي، ووقف بعض
الإعلاميين بها.
وكان تسلم
القائم بأعمال السفارة التركية في القاهرة صالح موتلو شان، مهام عمله في حزيران/
يونيو الماضي، الصعود الأهم والأكبر في العلاقات بين البلدين.
وكان لافتا في
21 تموز/ يوليو الماضي، مشاركة وفد مصري رفيع المستوى ضم مسؤولين بجهاز المخابرات
المصرية في لقاء دولي استضافته تركيا حول الأزمة الليبية.
ورغم تطور
العلاقات ولقاءات المسؤولين في القاهرة تارة وأنقرة أخرى وعلى هامش اجتماعات دولية
مثل اجتماع وزيري خارجية البلدين في نيويورك خلال اجتماعات الأمم المتحدة في
أيلول/ سبتمبر الماضي، فإن الجانبين لم يتمكنا من التوصل إلى عقد لقاء بين أردوغان
والسيسي في أي من البلدين أو خلال أي تجمع دولي أو إقليمي.
"مطالب
مصر"
ومقابل تطبيع
العلاقات تطالب القاهرة أنقرة بخروج قواتها من ليبيا، فيما تقول تركيا إن التواجد
التركي يستند على اتفاقيات دفاعية مع حكومة طرابلس السابقة بقيادة فائز السراج.
وتدعو مصر إلى وقف نشاط المعارضين المقيمين في إسطنبول، وبخاصة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين،
ووقف بث الفضائيات المعارضة لنظام السيسي، وبعض الإعلاميين.
وتوترت
العلاقات بين البلدين منذ انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح السيسي 3 تموز/ يوليو 2013،
على الرئيس الراحل محمد مرسي، المنتخب ديمقراطيا والمنتمي لجماعة الإخوان
المسلمين، وهو ما اعتبرته أنقرة انقلابا على الشرعية وترفض تعرض مصر لما تعرضت
تركيا له بعقود.