من يدقق الرؤية جيدا، يرى اليوم الكيان
الإسرائيلي أنه أشد تآكلا من داخله وخارجه، وخير دليل على هذا ما أشارت إليه تصريحات
القادة الأمنيين المتقاعدين. وفي أكثر من مناسبة فاحت رائحة الخيبة واليأس، ففي نظرهم
المشروع الصهيوني آخذ بالضمور والتقاعس، وأنه يفقد للقادة الحكماء (حسب اعتقادهم).
رئيس الموساد السابق "شبتي شفيت" ذكر في لقاء له مع
هآرتس عام 2014، أنه "منذ ظهور الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر، ويهود
أرض إسرائيل يزدادون قوة من حيث الأرض والديموغرافيا، رغم الصراع الدائر مع
الفلسطينيين، وقد نجحوا في ذلك لأنهم تعاملوا بحكمة وتدبير استراتيجي بدلا من
التعامل مع أعدائهم بحماقة، لكن اليوم ولأول مرة أصبحت لدي آرائي الخاصة المختلفة،
إذ ينتابني القلق حيال مستقبل المشروع الصهيوني، لا سيما الأخطار المتزايدة ضد
وجودنا، وأن هرولة الكثير من الإسرائيليين يسعون للحصول على جوازات سفر أجنبية،
يشي بتراجع إحساسهم بالأمن".
لن نبتعد كثيرا، هنا يوفال ديسكين رئيس
الشاباك السابق (المخابرات الإسرائيلية)، في لقاء مع "يديعوت أحرنوت" في
تشرين الأول/ أكتوبر 2022، قال؛ "إن تراكم المشاكل الاستراتيجية الخارجية
والداخلية يضع "إسرائيل" للمرة الثالثة في مواجهة تهديد وجودي، "إسرائيل"
على وشك الانزلاق إلى سلسلة من الصراعات الداخلية العنيفة، قد تؤدي إلى تفكك داخلي
وربما إلى حرب أهلية، والقيادة في معظمها عمياء ومنغمسة في ذاتها".
ثم أردف قائلا: "لأكثر من عقد من
الزمان، والجمهور منقسم وغير مبال، في حين أن التهديد الوجودي يزداد سوءا. لم أكن
قلقا أبدا كما أنا الآن، بينما نتفكك كأمة وكمجتمع، الضعف الدراماتيكي للحكومة
وجهات إنفاذ القانون، يُدخل المنظمات الإجرامية إلى فرض إرهاب الخاوات وإلى سباق
التسلح غير المشروع".
ويضيف: "حوالي
مليون إسرائيلي، يحملون جنسيات أخرى خاصة من أوروبا أو الولايات المتحدة".
مثل تلك
التصريحات وغيرها، تعطي إشارة واضحة بأن الكيان الإسرائيلي بدأ بالتخلي عن
الأيديولوجية التي قاتل من أجلها مع بداياته على أرض فلسطين، وبات انعدام الثقة في
الأحزاب يزداد، واليهود المحتلين لفلسطين يبحثون عن بدائل أخرى
أبرزها العيش في الخارج.
لم نكتف
بوصف الصورة، حالة
المقاومة التي يعبّر عنها أبناء الشعب الفلسطيني في ساحات الضفة
الغربية المحتلة وغزّة والقدس وأراضي الـ48، أصبحت تؤدي الدّور الأكبر في تآكل
المشروع الصهيوني على أرض فلسطين. وما تُمثله ظاهرة "عرين الأسود" في
الضفة الغربية على الأرض، وما يقابله من أرق
الاحتلال الإسرائيلي، يتمثّل بإشراف
مباشر من قادة الجيش والشاباك الإسرائيلي على عمليات اغتيال المقاومين في نابلس،
ما هو إلا إشارة واضحة بأن ثقة القادة باتت هشّة بقادة الفرق القتالية الخاصة، التي لطالما كان يمتدحها الكيان الإسرائيلي.
لقد تعلّمنا أن السارق الذي يُقدم على سرقة ما ليس له، يبقى في
حالة خوف دائم، حتى يعيد ما سرق لأصحابه، أو يُنتزع الحق انتزاعا.