أفتى "مجلس
الإفتاء السوري" التابع لـ"المجلس الإسلامي السوري" المعارض، بعدم
جواز السفر إلى أوروبا بطرق "غير آمنة"، موضحا أن هذا النوع من السفر
"يتضمن مفاسد ومحاذير شرعية".
وأوضح المجلس في نص
الفتوى التي نشرها على معرفاته الرسمية، أن "المتسبب بلجوء هؤلاء للهجرة
وسلوك تلك الطرق، ثم غرقهم أو قتلهم، آثم مشارك في الجريمة، ولا يجوز التفريط في
النفوس المعصومة أو تعريضها للتلف والهلاك، ويدخل في التفريط السفر عبر الطرق غير
الآمنة".
وتابع المجلس بأن
السفر غير الآمن يعرض النفس للإهانة والأذى والإذلال على يد تجار البشر وخفر
السواحل وجنود الحدود وغيرهم، إلى جانب إضاعة الأموال بدفع المبالغ الكبيرة لقاء
التهريب، أو احتيال المهربين بأخذ الأموال من الناس وتركهم مشردين أو تائهين، أو
تسليمهم لحرس الحدود.
وقال إن "كل سفر
لم يكن آمنا، ويتعرض فيه المسافر لخطر الموت أو الضياع أو الغرق، فهو سفر ممنوع
شرعا، ويأثم قاصده وطالبه، ومثله الطرق البرية التي فيها خطر التعرض للهلاك جوعا
أو عطشا، أو هجوم السباع، ونحو ذلك".
فتوى المجلس جاءت على
خلفية تزايد وتيرة هجرة السوريين (تهريبا) نحو أوروبا، على مدار الأشهر الماضية، ما
أدى إلى مقتل وفقدان المئات في أثناء رحلة اللجوء، غرقا في البحر، أو جوعا وعطشا في
الغابات على الطريق نحو أوروبا.
وما إن نشر المجلس
الفتوى، حتى سادت حالة من الجدل في الأوساط السورية، وسط انتقادات للمجلس، والفتوى
التي "لا تنسجم مع واقع السوريين، الذين يحاولون البحث عن حياة أفضل"،
وتجاهل الفتوى للتضييق على اللاجئين السوريين في دول الجوار.
وحول الفتوى وتوقيتها،
يقول نائب رئيس "مجلس الإفتاء السوري"، الدكتور عماد الدين خيتي، إن
الفتوى جاءت رداً على التساؤلات الكثيرة التي وردت للمجلس حول جواز
الهجرة بطرق
غير مأمونة نحو أوروبا.
ويضيف
لـ"عربي21" أن الفتوى جاءت بعد جمع المعلومات ومعاينة الخسائر الكبيرة
التي ألمت بعدد كبير من طالبي اللجوء في أثناء سفرهم بحرا أو برا نحو أوروبا، معتبرا
أنه "من هنا جاء الفتوى التي تبين حيثيات المسألة من حيث ركوب هذه الوسائل
الخطرة، وحكم التعامل مع الضحايا، حيث يجوز الترحم عليهم وقضاء حقوقهم، أي الصلاة
عليهم، رغم جمعهم بين المخالفة الشرعية وعدم اتخاذ الأسباب الصحيحة، وذلك بعد أن
تعالت بعض الأصوات التي تعتبر أن ضحايا الهجرة لا يجوز الترحم عليهم لأنهم هم من ألقوا
أنفسهم إلى التهلكة".
ويقول خيتي إن
"الفتوى بيّنت أنه لا يجوز للشخص أن يتخذ وسيلة (نحو أوروبا) غالبها الهلاك،
ولو عدنا إلى الإحصائيات الماضية، لوجدنا عددا كبيرا من الضحايا بسبب الهجرة، وما
كان غالبه التهلكة لا يجوز السفر فيه، ولا اتخاذه طريقا للسفر".
وحول الانتقادات التي
وجهت للفتوى، أشار نائب رئيس مجلس الإفتاء إلى أن "المجلس منفتح على النقد
البناء بالدليل الشرعي والتعليل الصحيح"، موضحا أن "المجلس قال إن ركوب
الوسائل والطرق غير الآمنة التي تؤدي للهلاك غالبا هي غير شرعية وغير صحيحة، ومن كان
عنده أي رأي يخالف هذه الفتوى فليطرحه بالدليل".
وتابع خيتي: "أما
الانتقادات من قبيل ما هو البديل، ولماذا تحرمون على الناس الهجرة وأنتم تعيشون في
تركيا، فأقول إن أعضاء المجلس هم من عامة السوريين، يعانون مثل غيرهم من اللاجئين".
وحول البديل، يوضح أن
"السؤال عن البديل ليس صوابا دائما، لأن المسؤول قد لا يمتلك البديل، ولكن
هذا لا يعني أن يبيح المجلس الفعل رغم الضرر فيه، وبالتالي المطلوب من كل شخص
البحث عن بديل ولو بخطة زمنية بعيدة، ولا ينسى التوكل على الله، علما أن التعامل مع
مثل هذه المسألة قد يكون فيه صعوبات على دول كبيرة، أما المجلس فليس بيده وثائق
رسمية حتى يحل هذه المشكلة".
من جانبه، يشير مدير
"مركز تكوين الوعي للفكر المعاصر"، الباحث ساجد الحموي، إلى الظروف
الصعبة التي يعيشها الشعب السوري، والضغوط الاقتصادية في الشمال السوري وفي بعض
دول اللجوء، في ظل انسداد الأفق.
ويضيف
لـ"عربي21" أن كل ذلك يدفع بكثير منهم للبحث عن حياة أفضل، رغم مخاطر
اللجوء وأهوال طرقه.
وحول الفتوى، يقول
الحموي: "في نفس الوقت، قام مجلس الإفتاء السوري بدوره وواجبه في تبيان الحلال
والحرام والمصالح والمفاسد، سيما أمام ما نشهده اليوم من تصاعد أعداد الضحايا على
طرق الهجرة غير النظامية، والفتوى تأتي حرصا على أرواح السوريين، وشعورا من المجلس
بالمسؤولية تجاههم".
ويلفت بقوله: "لا
شك أن هذه الفتوى قد تنتقد من قبيل غير الواقعية، مؤكداً أن "مسألة الفتوى
تقوم في النهاية على الحكم العام، ووفق النصوص الشرعية الثابتة، ويقع على عاتق
العلماء بيانها في كل الأوقات والظروف، ولا تخضع للمجاملات، ولا تتقيد بالحالات
الشاذة أو الخاصة، ولا بد من النصح وبيان الحق، ومن ثم يختار الشخص لنفسه، ولا أحد
سيحاسب عن غيره".
وتقول أرقام إن نحو 7
ملايين سوري اضطروا إلى مغادرة البلاد إلى دول الجوار وأوروبا، هربا من قصف النظام
السوري والفقر.