قال الناطق الإعلامي باسم جماعة
الإخوان
المسلمين في الأردن، معاذ الخوالدة، إن "موجة
الاحتجاجات التي شهدها الأردن
خلال الفترة الأخيرة ربما تكون قد هدأت، لكن خيار عودة الاحتجاجات الشعبية يبقى
قائما وممكنا في أي وقت، خاصة في ظل استمرار النهج السياسي الحالي، وتصاعد الأزمة
الاقتصادية، وتزايد معدلات الفقر والبطالة، وتراجع مستوى الحريات العام".
وأشار الخوالدة، في مقابلة خاصة مع
"عربي21"، إلى أن "فرص عودة الاحتجاجات مستقبلا بأشكال متعددة، ومن
قطاعات مختلفة، كبيرة جدا، وقد تكون تداعياتها غير متوقعة إذا بقي الجانب الرسمي
يتعاطى مع الأزمات بذات النهج".
اظهار أخبار متعلقة
ومنذ 5 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، شهدت
محافظة معان (جنوب) إضرابا في قطاع النقل، للمطالبة بتخفيض أسعار المشتقات النفطية
بالبلاد، إلا أنه تطور فيما بعد إلى إضراب عام أغلقت على إثره المحال التجارية
بالكامل.
وإضافة إلى معان، شهدت عدة محافظات في المملكة
احتجاجات واسعة وأعمال شغب، دفعت الأمن إلى التعامل معها وفضها.
من جهتها، أعلنت الحكومة الأردنية على لسان عدد
من وزرائها، في تصريحات صحفية، أن "أزمة قطاع النقل انتهت تماما"، فيما
ينفي عاملون بالقطاع ذلك.
اظهار أخبار متعلقة
ولفت الخوالدة إلى أن "الانتخابات
النيابية القادمة ستكون الاختبار الحقيقي للجانب الرسمي في جديته بإنجاز حياة
سياسية حقيقية أم أنه سيبقى على نهجه في استهداف الحركة الإسلامية والقوى
والشخصيات الوطنية المنحازة لهموم الوطن والمواطن"، مؤكدا أن "قانون
الأحزاب الجديد لا يُشكّل تحديا للحركة الإسلامية ولحزب الجبهة، بينما المتضرر منه
هي الأحزاب الصغيرة".
لكنه استهجن ما وصفها بـ "حالة هندسة
المشهد الحزبي الذي تقوم به مطابخ القرار في محاولة لرسم مشهد جديد، وهو سلوك
شهدناه سابقا في الانتخابات البرلمانية عبر هندسة نتائجها بشكل أضعف ثقة المواطن
بمخرجات العملية الانتخابية ومدى نزاهتها".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع
"عربي21":
كيف تنظرون للاحتجاجات الأخيرة التي يشهدها
الأردن؟ وما موقفكم منها؟
الفعل الشعبي السلمي حق مشروع لكل أبناء الشعب
الأردني، ومن حق أي قطاع أو فئة شعبية أن تعارض السياسات الحكومية وتحتج عليها، لا
سيما عندما تمس هذه السياسات لقمة عيش المواطن، وعندما تصبح المعالجة الحكومية
للوضع الاقتصادي الصعب تعتمد على جيب المواطن المُنهك والمُثقل بأعباء المعيشة
الاقتصادية نتيجة السياسات الاقتصادية التي أوصلت الدين العام إلى (115.6%) وبواقع
(41.75 مليار دولار) عام 2022، وأسهمت برفع نسبة الفقر والبطالة.
ما تقييمكم لتعامل السلطات الأردنية مع تلك
الاحتجاجات؟
الجانب الرسمي بدا مرتبكا في إدارته للأزمة،
وغياب الحكومة عن المشهد العام خلال الأزمة كان محل استهجان وتنديد واسع من الشعب
الأردني وقواه السياسية والمجتمعية، وقد أدى ذلك إلى تدحرج الأزمة وتعمّقها وتوسّع
رقعتها، والمؤسف أننا خسرنا ثلة من رجال الوطن وحماته خلال هذه الأزمة.
هل الاحتجاجات يمكن أن تنزلق نحو العنف؟
انزلاق الأحداث إلى العنف هذا أمر خارج عن ثقافة
الشعب الأردني وسلوكه الحضاري على مدى التاريخ، ولا أعتقد أنه وارد لا سيما وأن
الشعب الأردني يمتاز بالوعي ويستطيع أن يطالب بحقوقه بشكل سلمي حضاري.
هل انتهت الاحتجاجات في البلاد اليوم أم أنها
يمكن أن تتجدّد في وقت لاحق؟
ربما هذه الموجة من الاحتجاجات قد هدأت، وهي
بطبيعة الحال احتجاجات مطلبية وليست سياسية، ولكن في ظل استمرار النهج السياسي
الحالي، وتصاعد الأزمة الاقتصادية، وتزايد معدلات الفقر والبطالة، وتراجع مستوى
الحريات العام -الذي وصل لدرجة مقلقة جدا ومثيرة للتخوّف-، يبقى خيار عودة
الاحتجاجات الشعبية قائما وممكنا في أي وقت، بل أن فرص عودة الاحتجاجات بأشكال
متعددة، ومن قطاعات مختلفة، كبيرة جدا، وقد تكون تداعياتها غير متوقعة إذا بقي
الجانب الرسمي يتعاطى مع الأزمات بذات النهج.
ما خيارات الحكومة الأردنية لتجاوز الأزمة
الراهنة، وعلى رأسها مشكلة أسعار المشتقات النفطية؟ وهل ستتجه نحو التصعيد الأمني
أم لا؟
للأسف الحكومة كانت هي الغائب الأكبر في هذه
الأحداث، أما عن التعاطي الأمني مع المحتجين فهو يراكم من حالة الغضب الشعبي ويؤجج
الجمر تحت الرماد، وهذا لا يخدم الوطن، بل يفتح الباب للجهات التي ترغب بالعبث
بالمشهد الوطني سواء من الداخل أو الخارج.
ما موقفكم من مطالب الإطاحة بالحكومة؟
الإطاحة بالحكومة لا يعالج الأزمات القائمة،
وقد جرب الشعب الأردني عشرات الحكومات من قبل. المطلوب اليوم تغيير النهج السياسي
القائم والبدء بخطوات عملية نحو الإصلاح السياسي الشامل، وضمان حرية التعبير،
وتهيئة بيئة سياسية جديدة يمكن أن توفر حاضنة لمخرجات لجنة تحديث المنظومة
السياسية المتعلقة بقانوني الأحزاب والنواب بما يعزز قناعة الشارع الأردني بجدية
صانع القرار في الإصلاح، وهذه فرصة مهمة، إلا أن إضاعتها ستنعكس بشكل سلبي كبير
على المشهد الوطني.
قيل إن الهدف من إنشاء قانون الأحزاب الأخير هو
مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وتحجيمها.. ما مدى صحة ذلك؟
قانون الأحزاب الجديد لا يُشكّل تحديا للحركة
الإسلامية ولحزب الجبهة، وهو حزب مرخّص ويعمل وفق القانون، بينما المتضرر منه هي
الأحزاب الصغيرة عموما، إلا أن المستهجن هو حالة هندسة المشهد الحزبي الذي تقوم به
مطابخ القرار في محاولة لرسم مشهد جديد، وهو سلوك شهدناه سابقا في الانتخابات
البرلمانية عبر هندسة نتائجها بشكل أضعف ثقة المواطن بمخرجات العملية الانتخابية
ومدى نزاهتها.
لذلك، فإن الانتخابات النيابية القادمة ستكون
الاختبار الحقيقي للجانب الرسمي في جديته بإنجاز حياة سياسية حقيقية أم أنه سيبقى
على نهجه في استهداف الحركة الإسلامية والقوى والشخصيات الوطنية المنحازة لهموم
الوطن والمواطن.
إلى أي مدى ترون أن "الدولة تقف على مسافة
واحدة من الجميع ولا تنحاز لجهة على حساب أخرى"، كما قال وزير الشؤون السياسية
والبرلمانية وجيه عزايزة، في تصريحات سابقة؟
من حيث المبدأ الإخوان جزء من الدولة، ولهم
إسهاماتهم في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والدعوية
والخيرية، إلا أن تيار الشد العكسي وقوى الفساد المتنفذة تسعى لإقصاء كل مكون وطني
مخلص يتبنى برامج وأفكارا إصلاحية، وبطبيعة الحال هذه الجهات لا يطيب لها استمرار
الحضور الشعبي والسياسي لجماعة الإخوان المسلمين فتعمل على إقصائها واستخدام كافة
الأدوات الممكنة لمواجهتها، ولكن التجربة أثبتت فشل مثل هذه المسارات؛ فالجماعة
مكون أصيل من مكونات الوطن وراسخة في عمق الحالة الوطنية بفكر إسلامي وسطي راشد.
كيف ترى علاقة جماعة الإخوان بالسلطات الأردنية
في الوقت الراهن؟
العلاقة اليوم يمكن أن نقول إنها تقف مكانها
دون تغير جذري، إلا أننا نأمل أن ننتج معا حالة جديدة تطور العلاقة بما يخدم
المصالح الوطنية العليا، ويحافظ على الجماعة وأدوارها الوطنية المختلفة؛
فالمعادلات الصفرية غير مجدية والتعاطي مع مكون وطني عمره يزيد عن سبعة عقود ونصف
يحتاج إلى رشد وحكمة متبادلة.
وبشكل أوضح الحوار هو الشكل الأمثل للوصول إلى
الصيغة المناسبة في العلاقة؛ فنحن لا نصنع العجلة من الصفر لكون العلاقة بين
الجماعة والجانب الرسمي امتدت على مدار سبعة عقود وشكّلت نموذجا فريدا وملهما من
الرشد على مستوى العالم العربي؛ فإذا كان الجانب الرسمي يرى ضرورة إعادة إنتاج هذه
العلاقة وفق أسس جديدة فنحن مستعدون لتطوير هذه العلاقة بشكل توافقي عبر حوار
مسؤول يكون الرابح فيه هو الوطن.
البعض يرى أن السلطات الأردنية قامت بتقليم
أظافر "الإخوان" دون صدام.. ما ردكم؟ وهل فقد الإخوان حضورهم في الشارع؟
لا شك أن ما تعرضت له الجماعة من ظلم وسعي
لانتزاع مركزها القانوني وشيطنتها عبر حملات إعلامية موجّهة أثّر على الجماعة بشكل
نسبي، إلا أن الجماعة ما زالت حاضرة في المشهد الوطني بمجالاته المتعددة بشكل واضح،
وتبذل جهدها في خدمة الوطن والقيام بواجبها تجاه القضايا الوطنية المختلفة وتجاه
قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تُشكّل محورا مركزيا في غاياتها
وأولوياتها.
هل تجاوزت الجماعة اليوم انشقاق بعض منتسبيها
الذي حدث أثناء فترة "الربيع العربي"؟
الجماعة تجاوزت تلك المرحلة منذ زمن، وهي
مستمرة في أداء واجباتها وأدوارها بحكمة وعزم وثبات.
وفق تقديرك، إلى أين تتجه الأمور في الأردن
مستقبلا؟
في ظل التحديات الداخلية والخارجية، الأردن لا
يملك ترفا في الخيارات؛ فالمنطقة تعج بالأزمات، والقضية الفلسطينية مقبلة على مزيد
من التسخين والتصعيد بعد عودة نتنياهو وفوز اليمين الديني الفاشي في الانتخابات
الأخيرة، فضلا عن انعكاسات الأزمة الروسية الأوكرانية على المنطقة وفي مقدمتها
الأزمة الاقتصادية، وسعي قوى إقليمية لتوسيع حضورها في المنطقة كالصين مثلا.
لذا، فإن السيناريو الأمثل هو تنويع الأردن
لعلاقاته الخارجية وتعددها بما يحقق له مزيدا من الفرص السياسية، ويضيف له وزنا
سياسيا أكبر، ويُعزّز من مكانته وأدواره في المنطقة. وعلى الصعيد الداخلي يبقى
الإصلاح السياسي الشامل والمتدرج هو الأولوية الأولى، إضافة لضرورة البحث عن
معالجات اقتصادية عاجلة لتخفف من العبء عن كاهل المواطن الأردني، ومحاربة الفساد
الذي يُشكّل تهديدا للدولة وينخر في بنيانها.