كتاب عربي 21

هل تغير موقف الإقليم من الجنرال؟!

سليم عزوز
يعكس هجوم إعلاميي النظام المصري على السعودية رسالة من السيسي - واس
يعكس هجوم إعلاميي النظام المصري على السعودية رسالة من السيسي - واس
أكبر مشكلة يمكن أن تواجه السلطة المصرية والمعارضة معاً، أن تفقد مصر قيمتها الاستراتيجية والتاريخية، وتفتقد للنظرة الإقليمية والدولية التقليدية لها.

فقيمة مصر الاستراتيجية هي التي أبقت مبارك في سدة الحكم ثلاثين عاماً، في استقرار، وهي نفسها التي دفعت الولايات المتحدة الأمريكية في فترة ما للضغط من أجل هامش ديمقراطي معقول يكون سبباً في الاستقرار من أجل استمرار الحكم؛ وعدم دفع واشنطن ثمن الاستبداد بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وقيمتها كانت كذلك وراء تحول الموقف الدولي من مبارك، بقيام الثورة، وفي القبول بنتيجة الانتخابات وفوز الدكتور محمد مرسي، ثم التحول لتأييد الانقلاب العسكري على الحكم الشرعي. فماذا بقي من قيمة استراتيجية للمحروسة؟!

إذا حدث لسبب أو لآخر وتوقفت المقاومة في غزة، فلا دور لمصر تقوم به، ولا مهمة تكلف بها، لا سيما وأن واشنطن تأمن على أمن إسرائيل مع أي بديل، والعدو الذي تخشاه هو الفوضى، وهي وإن كانت قد رحبت بالانقلاب، فمن أجل الاستقرار، لكن السيسي ليس مبارك، وإن ظل على مدار الساعة يضغط بإصبعه على الزناد، لإنهاء حياة من يفكر في الثورة عليه، فالاستقرار ليس هو ما يفرض بقوة السلاح!

المؤسف أن يتم اختزال القيمة في معبر رفح، فمن خلال حارسه يمكن الضغط على قيادة المقاومة، وهو أمر يدركه الرئيس الأمريكي، الذي تنازل واتصل برأس السلطة في مصر من أجل التفاوض مع حماس لقبول وقف إطلاق النار مع الإسرائيليين، وهو الدور الذي طلبه من القاهرة والدوحة معاً، لكن القوم في أم الدنيا وجدوها فرصتهم ومن ثم فقد طلبوا أن يقوموا بالمهمة منفردين. وإذا حدث لسبب أو لآخر وتوقفت المقاومة في غزة، فلا دور لمصر تقوم به، ولا مهمة تكلف بها، لا سيما وأن واشنطن تأمن على أمن إسرائيل مع أي بديل، والعدو الذي تخشاه هو الفوضى، وهي وإن كانت قد رحبت بالانقلاب، فمن أجل الاستقرار، لكن السيسي ليس مبارك، وإن ظل على مدار الساعة يضغط بإصبعه على الزناد، لإنهاء حياة من يفكر في الثورة عليه، فالاستقرار ليس هو ما يفرض بقوة السلاح!

الإقليم والثورة:

الإقليم، ممثلاً في السعودية والإمارات، لم يكن سعيداً بالثورة، كما لم يكن سعيداً بفوز مرشح الإخوان بالانتخابات الرئاسية، فنجاح التجربة يغري بتصديرها أو استيرادها، والخليج دفع من لحم الحي ثمن الخوف من تصدير الثورة الإيرانية، وعلى مدى تسع سنوات هي عمر الحرب العراقية الإيرانية التي خاضها صدام حسين بالوكالة، ومن "لسعته الشوربة ينفخ في الزبادي". وهناك سبب مضاف للتدخل يتمثل في حكم المشروع الإخواني، وقد يكون الفزع أقل حدة لو فاز في الانتخابات مرشح من القوى المدنية، أو مرشح ينتمي بدرجة أو بأخرى للدولة المصرية القائمة؛ عمرو موسى أو أحمد شفيق!

الإقليم هو الذي دفع الغرب للاعتراف بسلطة الانقلاب، وهو الذي أنشأ الإعلام الذي ساهم بدرجة كبيرة في شيطنة مرحلة الرئيس محمد مرسي، وقام بتمويله!

ودفع الإقليم كثيراً من أجل تعويم النظام الجديد، وبحسب جريدة "القبس" الكويتية، فإن إجمالي ما دفعه الخليج لمصر منذ الثورة وإلى كانون الأول/ ديسمبر 2019 هو 92 مليار دولار، استناداً لمصادر في البنك المركزي المصري، ما بين مساعدات، وقروض، واستثمارات. وهو مبلغ لم تحصل عليه مصر حتى في وقت الحروب، وعلى مدى نصف القرن السابق، بما في ذلك عهد مبارك الذي تخلى عن الدور المصري لصالح المملكة العربية السعودية، قانعاً بدوره بجانبها!

وقديماً قيل "خذ من التل يختل"، وتكمن المشكلة في هذا التصور الذي عبرت عنه التسريبات في بداية عهد السيسي، في أن الخليج لديه أموال ضخمة، لا يعرف أين ينفقها، وبالتالي فالنظام الجديد مؤهل لهذا الإنفاق. وفضلاً عن أن التسريبات أكدت بُعد الجنرال عن شؤون الدولة المصرية، لأنه كان يعتقد أن مصر لم تتقاضَ ثمن خوضها لحرب تحرير الكويت، وهذا غير صحيح، فالإشكالية في النظرة التقليدية للإنسان الخليجي، فهو دائماً يملك أموالاً لا أول لها ولا آخر، وبقليل من الحيل يمكن الذهاب به للبحر والعودة به عطشاناً. وهي صورة نمطية ساهمت فيها الدراما، وعندما موّلت بعض المؤسسات الخليجية بعض الأعمال الدرامية المصرية، لم تهتم بتغيير هذه الصورة النمطية!

يستقر في وجدان الجنرال، أنه مطلوب لشخصه في الإقليم، ولقدرته على إسكات المعارضة الإسلامية بالذات بقوة السلاح، ومن هنا وجب عليهم الاستمرار في تمويله، ولهذا أخذ أموالهم إلى مشروعات بلا عائد، اعتقاداً منه أن مصر ستعيش عالة على دول الخليج (السعودية والإمارات) تحديداً، وإلى الأبد، فالبديل له هم الإخوان، ولهذا جعل من التنظيم الإخواني فزاعة

وقد لا تكون نظرة مبارك مختلفة، لكنه في النهاية كان يتصرف في إطار الأصول، فحاز على ثقة القادة السعوديين بالذات، وقنع بنصيبه من هذه العلاقة، بدون احتيال أو ابتزاز!

فزاعة الإخوان:

ويستقر في وجدان الجنرال، أنه مطلوب لشخصه في الإقليم، ولقدرته على إسكات المعارضة الإسلامية بالذات بقوة السلاح، ومن هنا وجب عليهم الاستمرار في تمويله، ولهذا أخذ أموالهم إلى مشروعات بلا عائد، اعتقاداً منه أن مصر ستعيش عالة على دول الخليج (السعودية والإمارات) تحديداً، وإلى الأبد، فالبديل له هم الإخوان، ولهذا جعل من التنظيم الإخواني فزاعة.. يستسلم الإخوان للوضع القائم، ومع هذا يحرص على الإبقاء عليهم مطاردين ورهن الاعتقال، وكلما انكمشوا تقرر أن يعيد في موضوعهم ويزيد، لدرجة أن يمول مسلسلاً ليؤكد فيه ضمن ما يؤكد أن التنظيم لا يزال خطراً على حكمه!

والمشكلة الأكبر في الاعتقاد أنه يمكن أن يبيع المطلوب للدولتين أكثر من مرة، ويناور في تسليم ما تم دفع ثمنه بالفعل، فلا يسلم المباع ولا يرد ثمنه، على أساس أن القوم مضطرون للتعامل معه حتى لا يعود الإخوان للحكم!

لقد كانت دولة مثل الإمارات تعتقد أن التأييد الإسرائيلي للسيسي من شأنه أن يدفع الإسرائيليين إلى تبنيه وتعويمه، فيعومون هم على إثر ذلك، لكنهم فوجئوا بأن إسرائيل لم تنجح في فرضه على الإدارة الأمريكية الجديدة. وكان الإماراتيون قد تجاوزوا مصر حتى في الملف الذي احتكرته لسنوات طويلة، وهو الخاص بالتطبيع مع إسرائيل، فكانت بوابة للعرب الذين يريدون ذلك، لكن الإمارات تعاملت مع تل أبيب بشكل مباشر بدون وسطاء، فماذا بقي لمصر من دور؟!

مصر مهمة للاستثمار الخليجي، لأنه في ظل الظروف الاقتصادية البائسة فكل شيء قابل للشراء، ثم إنه يمكن الشراء لصالح الغير، الذي لا يمكنه الشراء مباشرة. ومع هذا يبدو أن الرتق قد اتسع على الراتق

لقد ملّ الخليج من مناورات الجنرال، وسياسة إرسال الرسائل، يتقرب من قطر كرسالة للإمارات، ويتقرب من السعودية كرسالة أيضاً لها، ثم يلتقي بمحمد بن زايد كرسالة لمحمد بن سلمان، والمناورات السياسية إن لم تكن قائمة وفق الأصول، في التعامل مع الخليج، فقد تدفع القوم ليذهبوا بعيداً!

إن مصر مهمة للاستثمار الخليجي، لأنه في ظل الظروف الاقتصادية البائسة فكل شيء قابل للشراء، ثم إنه يمكن الشراء لصالح الغير، الذي لا يمكنه الشراء مباشرة. ومع هذا يبدو أن الرتق قد اتسع على الراتق، فذهبت أبو ظبي للاستثمار في كوريا الجنوبية بـ30 مليار دولار. وكانت قد قررت 10 مليارات دولار لتأسيس صندوق لدعم الاستثمارات في تركيا! والسعودية قالت بتخصيص 3.3 مليارات دولار للاستثمار في تركيا أيضاً.

ومع ذلك فلن تقطع الدولتان علاقتهما بالقاهرة، لكنها مع ذلك لن تستطيع أن تواصل تقديم المساعدات والقروض، واعترف السيسي نفسه بأن الخليج لم يعد معه كما كان. لكنه لن يحصل على ذات المبالغ التي حصل عليها في السابق، ومن هنا كان الهجوم على السعودية في وقت واحد من قبل ثلاثة من الإعلاميين المرتبطين بالنظام، تحت بند الهجوم على عمرو أديب، الذي يدافع عن المشروع السعودي الذي يتناقض مع المشروع المصري، وهي سياسة لا تصلح مع الخليجيين.

توقف الخليج عن رعاية الانقلاب العسكري لا يعني سقوطه، فقد وقف الإقليم وراء انقلاب قيس سعيد، ثم تركوه ولم يموّلوه ليجد قبولاً شعبياً إذا حلت مشاكل البلد الاقتصادية، حيث أوكلوه لذاته

والمنطق، أن يدفعوا ليحافظوا على ما دفعوه، لكن في النهاية إنهم أمام قاعدة "خسارة قريبة ولا مكسب بعيد"، لا سيما وأنه مع زيادة مساحات الغضب في الداخل المصري، يجعل الوضع على كف عفريت، ومهما دفعوا فلا يمكن التغلب على هذه الحالة، ليصبح النظام مستقراً ولو لعشر سنوات قادمة!

ويحدث هذا في وقت فقدت فيه مصر مكانتها الاستراتيجية، من حيث كونها الشقيقة الكبرى، فالشقيقات الصغيرات كبرن، ولم يعدن بحاجة إلى خدماتها!

توقف الخليج عن رعاية الانقلاب العسكري لا يعني سقوطه، فقد وقف الإقليم وراء انقلاب قيس سعيد، ثم تركوه ولم يموّلوه ليجد قبولاً شعبياً إذا حلت مشاكل البلد الاقتصادية، حيث أوكلوه لذاته، إيماناً من الرعاة بأن اللعبة أعجبته وسيواصل التمسك بها، ليكون أضعف منقلب؛ قوته الوحيدة في ضعف خصومه، والسيسي أقوى من قيس سعيد، لكن معارضيه أقل همّة من المعارضة التونسية!

ومهما يكن، فلم يعد له من بواكي.

twitter.com/selimazouz1
التعليقات (6)
كاظم صابر
الأربعاء، 18-01-2023 04:19 ص
الأساس العام في السياسة الدولية أن تغيَر مواقف المتحكمين - في بلدان خاضعة لبلدان أقوى منها – يكون بتوجيهات أو بأوامر القوي للمتحكمين من طراز " افعلوا كذا و لا تفعلوا كذا" بما يشبه ، مع الفارق طبعاً ، سلوك الملائكة – عليهم السلام – مع ربَ العالمين في تنفيذ العذاب على أهل النار (... لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). الاستعمار - سواءً القديم منه أو الفرعوني الحديث – يفرِضُ على عبيده من المتحكمين الطاعة العمياء و لا يمنحهُم أيَ هامشٍ في تحرَكٍ ذاتي في قولٍ أو فِعلٍ نهائياً . بمجرد أن يتكلَم العبدُ بما لا يعجب السيَد أو يعمل عملاً لا يرضيه ، يتمَ ترحيل العبد إما من القصرِ إلى القبرِ أو إلى إذلالٍ بعذابات الدنيا ليكون عبرةً لكل عبدٍ آخر قد يسعى للتمرَد أو للتحرَر من طوق العبودية و هذه سياسة الهيمنة الاستبدادية الخالية من أيَة عواطفٍ أو وفاءٍ نتيجة خدماتٍ سابقة. يقال أن "الرجال مواقف" لكن العبيد المتحكمين ليسو بِرجالٍ على شاكلة من قال الله سبحانه و تعالى في حقَهم (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً). يُوجد فرقٌ هائلٌ بين المؤمنين الرِجالِ و بيْن أشباه الرِجالِ الأنذال .
الكاتب المقدام
الثلاثاء، 17-01-2023 01:19 م
*** إلى الدكتور وليد خير، شكراُ لاهتمامك بقراءة تعليقاتنا الطويلة المملة، المكررة في أحيانٍ كثيرة، المفتقدة بالضرورة لحسن العرض والترتيب، لكونها تكتب على عجل للحاق بصفحة المقالة الأصلية، قبل اختفائها في أرشيف المقالات المتقادمة، فهي بمثابة التفكير الشخصي بصوت عال، وليس كل الحديث إلى النفس جهرة من أعراض الاضطرابات العقلية، فهناك من ينصح به كوسيلة للتخفيف من ضعوط الحياة النفسية، وهناك دراسات غربية مستفيضة لظاهرة التعليقات، التي اتسع مجالها على المقالات والأخبار المنشورة على مواقع الانترنت، مع سهولة التراسل الفوري الذي اتاحته شبكات الاتصالات الحديثة، والتعليقات في غالبيتها ليست إلا وسيلة سهلة ومتاحة لإثبات الذات، وكأنها صرخات من كتابها: "أنا موجود يا عالم"، حتى مع علم كتابها بأن غالبية من سيقع بصره عليها سيمر عليها مرور الكرام، ولكنها تسجيل للمواقف، وانتهز الفرصة للاعتذار لعمنا الكاتب سليم عزوز، عل صدره أن يتسع لنا، فكثيراُ ما أجد بعد نشر تعليقي عليه حدة غير مقصودة، أو مشاكسة غير مطلوبة، أو خروجاُ وابتعاداُ عن موضوع مقالته، مع حرصي على قراءة مقالاته، وكامل تقديري لكتاباته وأفكاره ومواقفه، واتفاقي مع خطها العام. وعودة لسؤالك، فإن مصر في مختلف أطوارها ليست بدعة وحدها بين الأمم، بل تخضع لما تخضع له غيرها من المجتمعات البشرية من السنن الطبيعية، والتاريخ لا يحابي أحداُ، ونهاية الحكام المستبدين معروفة ومقررة في تاريخ كل الشعوب، فكأمثلة ليست على سبيل الحصر، اعدام موسوليني الفاشستي شنقاً، وانتحار هتلر النازي وعشيقته، واعدام شاوشيسكو وزوجته بالرصاص، وإن فضلت أمثلة من واقعنا العربي، سواء قبل ثورات الربيع العربي أو بعدها، فخذ عندك، اعتقال اللواء محمد نجيب على يد ضباطه، قتل ناصر لصديق عمره عامر بدس السم له، قتل السادات بالرصاص وسط جيشه وحراسه وهو في كامل زينته، قتل القذافي ضرباُ بالصرم في ماسورة المجاري، وكنا نعجب من نهاية شجرة الدر، سجن مبارك وإدانته بسرقة أموال صيانة القصور الرئاسية، وهناك نهايات أشد وأنكى لقتل الأب على يد ابنه، وحتى لا تطول القائمة العجيبة، اترك لك استكمالها، وأن تختار أنت منها نهاية مناسبة متوقعة للجنرال المسخ المنقلب السيسي دجال العصر، والصفتين ليستا على سبيل السباب المرسل، ولكنهما صفتين ينطبقان بحذافيرهما على شخصية سيسيهم، لمن ألقى البصر.
Dr. Walid Khier
الثلاثاء، 17-01-2023 09:51 ص
الى الكاتب المقدام: كم كنت اتمنى أن اشاركك النظره المتفائله للمستقبل و لكن تاريخ مصر المكتوب يبلغ 5200 سنه. هل أن تخبرنا كم سنه من ال-5200 سنه خضعت فيها مصر للاحتلال؟ وكم مره ثار المصريون فيها ضد إستبداد الحكام؟
الكاتب المقدام
الإثنين، 16-01-2023 09:03 م
*** -3- من أكثر المصطلحات توفيقاً في وصف أحداث الحراك الشعبي الذي بدأ في تونس في ديسمبر 2010، والذي تلاه انفجار الشعب المصري في وجه حكم مبارك وابنيه علاء وجمال وأمهما سوزان وحزبهم الوطني الديمقراطي، الذين تسلطوا على حكم البلاد لما يناهز ثلث قرن، ثم سرعان ما امتدت الموجات الثورية لغالبية الدول العربية، فقد وصفت تلك الأحداث التاريخية بكونها "ثورات الربيع العربي"، ورغم أن ذلك الوصف قد بدأ استخدامه وصكه صحافيون غربيون مراقبون للأحداث من خارجها، فكان انتشاره لأنه قد عبر بوضوح عن مدى قوة الارتباط العضوي بين تلك الثورات، التي انفجرت متزامنة في مختلف الدول العربية، كما أن المراقبين الخارجيين قد أعطوا لذلك الحراك الشعبي وصف "الثورات"، رغم أنه ما زال هناك ممن شاركوا فيها، من ينكرون عليها صفة كونها ثورات أصلاً، بل ومن يعتبرها بحسن نية أو بسوء نية ثورات مصطنعة، ولكن الحكام المستبدين العرب، أدركوا قبل غيرهم، بأن تلك الموجات الثورية لو نتج عنها إقامة أي حكومة وطنية مدنية ناجحة، تتمتع بتأييد ودعم جماهير شعبها، من شأنها أن تمتد إلى بلادهم سريعاً، وتنهي حكمهم الاستبدادي الفاسد العميل الذي امتد لأحقاب، ولذلك كان تضافر جهودهم وتوحدهم في مواجهتها، لإسقاط الحكومات الثورية التي انتخبت ديمقراطياً، لأول مرة في تاريخ المنطقة العربية، وذلك ما يفسر الدعم الحالي للعاق لأسرته بن سلمان وللمتصهين بن زايد للمسخ دجال العصر الجنرال السيسي، للحفاظ على عروشهم في المقام الأول، ومستقبل الثورات العربية ونجاحها في تحقيق أهدافها، متوقف على موازين القوى ضد قوى الثورة المضادة، وانحسار دائرة المستفيدين من حكومة السيسي الفاسدة، التي فشلت في كل المجالات، من شأنه انفضاض غالبية قوى 30 يونيو التي أيدته ودعمته، كما يأس كثيراًمن داعميه الخارجيين والداخليين من فشله وتزايد أطماعه وخطورة شطحاته، وليس من المستبعد أن يقوم بعض خلصائه ممن بقوا حوله بالتضحية به، وإلقائه ككبش فداء، للحفاظ على ما بقي من مصالحهم، كما فعلوا في مبارك، ورغم ادعاء البعض أو ظنهم بأن ثورات الربيع العربي قد خمدت، وأن الخبرات المتراكمة في مواجهاتها، لن تنتقل لجيل جديد، فإن التقييم الصحيح للأحداث الجارية أنها استمرار واحد للأحداث الثورية قبلها، وأسباب قيام تلك الثورات ومقوماتها ما زالت قائمة، وقد لا يدرك عزوز كمثال، بأن دوره الثوري (وليس المهني) الإعلامي بعد الانقلاب، أكثر اهمية من دوره في ميدان التحرير أبان أحداث الثورة الأولى، كما أن مقاومة أنظمة الحكم الاستبدادية مستمرة ولم تتوقف يوماً، وهي تكتسب مؤيدين وداعمين لها كل يوم، سواء من الأجيال القديمة، أو ممن خدعوا في السيسي لسذاجتهم وجهلهم، ولكنهم فطنوا مؤخراً، بأن السيسي لن يقودهم إلا لمزيد من الفشل والخيانة لشعبهم، ورغم صعوبة توقع ما الذي سيحدث في العام الجديد، فإن مسار الأحداث تدل على قرب انهيار انقلاب السيسي سياسياً واقتصادياً واجتماعياُ بل وأمنياً، وإفلاسه بالمعنى الحرفي والمجازي، والله أعلم.
الكاتب المقدام
الإثنين، 16-01-2023 06:08 م
*** -2- وعندما كان ناصر زعيم الأمة العربية المزعوم، يقف لاستعراض جيشه المؤزر، ويرتفع صوت المذيع بأنكم تشاهدون أقوى جيش في الشرق الأوسط، لم يكن من الصعب إقناع البسطاء والدهماء من الشعب المصري، بأن جيش ناصر قد اخترع وصنع المقاتلة النفاثة القاهرة، التي هي أقوى الطائرات الحربية في العالم، كما أن جيشهم المظفر قد اخترع وصنع الصواريخ البعيدة والمتوسطة والقصيرة المدى الناصر والظافر والقاهر، وهي مخترعات الجيش المصري العظيمة التي سيدمر بها دولة اسرائيل المزعومة، والتي تولدت على شاكلتها بين ضباطنا الأشاوس المعاصرين، كفتة الجنرال عبد العاطي لعلاج كل الأمراض والقضاء على كافة الفيروسات، وتصل المهزلة لقمتها في يونيو 1967، عندما خلع كل مصري جلبابه وأعد لباس بحره، استعداداً للتصييف في حيفا ويافا، بعد إلقاء الدولة المزعومة في البحر، ولذلك كانت صدمة المصريين عنيفة، عندما رأوا من عاد من جنودهم وضباطهم الأشاوس في لباسهم الداخلي. والواقع أن قصة الموقع الاستراتيجي والدور التاريخي ومكانة الشعب العظيمة، هي مقولات تستخدم لتغذية الشعور بالعنصرية فيهم، وكان شعار حزب مبارك والسادات من قبله: "مصر فوق الجميع"، وهو نفس شعار الحزب النازي الألماني تحت حكم هتلر: "المانيا فوق الجميع"، والنهاية معروفة. وكم من دولة صغيرة كان لها دور استراتيجي قيادي ومؤثر، فبريطانيا العظمى من جزيرتها الصغيرة على أطراف العالم القديم، وبعدد سكانها المحدود، استطاعت أن تغزو وتحكم بلاد عشرات أضعافها في مساحتها وعدد سكانها، كالهند والصين، ولم يكن لشعبها تاريخ قديم معروف، بل كانت مجرد مستعمرة رومانية منعزلة في جزيرة يحيطها الضباب من كل جانب، كما أن قبائل جزيرة العرب، خرجوا من صحراواتهم وبواديهم، وهم الذين يصفهم العلمانيون من المصريين تقليلاُ من شأنهم، بأنهم بدو الصحراء وأعرابه، واستطاع هؤلاء نشر لغتهم ودينهم، وهزيمة أقوى الامبراطوريات في عصرهم، وحكم ما يزيد عن نصف العالم القديم المعروف وقتها.