قضايا وآراء

ماذا يمثل سلجوق بيرقدار بالنسبة لتركيا؟

محمود النجار
فيسبوك
فيسبوك
على تركيا أن تحفظ حياة سلجوق بيرقدار الشاب العبقري الذي مكّن تركيا من الصعود وبلوغ غاية المجد في تقنية الطائرات المسيرة؛ بحيث أصبحت واحدة من أفضل ثلاث دول في العالم في هذا المجال، وبدأت تصدر طائراتها لنحو 16 دولة حول العالم، وأثبتت هذه الطائرات كفاءتها العالية في كل من أذربيجان في الحرب مع أرمينيا، وفي صد هجمات الجنرال خليفة حفتر على طرابلس، وفي مطاردة الوحدات الكردية المسلحة على حدود كل من سوريا والعراق، ومؤخرا في الحرب الأوكرانية الروسية..

إنني أتصور أن حياة المهندس العبقري سلجوق بيرقدار في خطر، ذلك أن أعداء تركيا وكارهي نجاحاتها وتطورها العسكري والاقتصادي والسياسي، وما وصلت إليه من مكانة دولية وإقليمية كثير. وإن ما حققه سلجوق وفريقه الهندسي من مجد تقني عسكري لتركيا؛ أوغر صدور كثيرين، وهو ما يجعله أحد أهم أهداف الحاقدين على تركيا، ومن هنا لا بد من الاهتمام بحياة هذا الشاب، وعدم الاستهانة بضرورة حمايته وأخذ الحيطة لسلامته.

وصف الكاتب الصيني سونغ ييتشانغ، المديرَ الفني لشركة "بايكار" التركية المختصة بالصناعات الدفاعية سلجوق بيرقدار، بـ"العبقري في مجال الطائرات المسيرة"، فقد قال سونغ في برنامج بعنوان "تكنولوجيا الحروب" على شاشة التلفزيون الرسمي الصيني، "إن بيرقدار يشبه مؤسس شركة أبل الأمريكية، ستيف جوبز"، وأضاف بأن "تركيا خرّجت عبقريا في مجال الطائرات المسيرة، اسمه سلجوق بيرقدار، وهو أب المسيرات التركية، ومكانته في مجال الطائرات المسيرة، مثل مكانة ستيف جوبز في تكنولوجيا الهواتف الذكية".

الناظر إلى النقلة الصناعية الحربية النوعية التي أحدثتها عبقرية هذا الشاب، يدرك كيف تسلطت عليه الأضواء ولماذا؛ فقد جعلته نجاحاته محط حقد وكراهية لكل من يكره تركيا وتقدمها، وهم كثير في أوروبا والولايات المتحدة والكيان المحتل، ومن الحركات الإرهابية المناوئة لتركيا في فترة ولاية أردوغان على وجه الخصوص
وفي مقابلة أجراها مذيع الجزيرة على الظفيري معه راعني أنه لم يقل كلمة "أنا" ولو لمرة واحدة، بل ظل يقول: "نحن"، ويشيد بالآخرين، ويتحدث بفخر عن المشاريع الصغيرة التي عمل عليها الشباب التركي، والتي وفرت لفريق المهندسين العامل على تصنيع الطائرات كثيرا من القطع المكملة لصناعة هذه الطائرات. وحين ذكر له الظفيري ما قاله عنه الكاتب الصيني سونغ ييتشانغ، لم يعلق على الموضوع، ولم تبدُ على وجهه علامات الغرور أو الفرح، بل تجاوز الموضوع بهدوء منقطع النظير، وكأن الظفيري لم يقل شيئا، وتابع حديثه في سياق الأفكار الأهم التي طرحتها أسئلة الظفيري؛ وهو ما يدل على شخصية وازنة تتميز بالوقار والأدب والتواضع، مع أنه شخص فيه كثير من تصرفات الشباب المرح الذي يصرخ ويصفق ويطير فرحا بعد كل تجربة لنموذج جديد من الطائرات أو كل تطوير ناجح لأدائها.

غالبا ما تتم عمليات الاغتيال للأشخاص المهمين في اللحظة التي يستبعدون فيها تعرضهم للخطر، ثم يبدأ اللوم ومراجعة الحسابات بعد فوات الأوان، حيث لا ينفع الندم؛ فالناظر إلى النقلة الصناعية الحربية النوعية التي أحدثتها عبقرية هذا الشاب، يدرك كيف تسلطت عليه الأضواء ولماذا؛ فقد جعلته نجاحاته محط حقد وكراهية لكل من يكره تركيا وتقدمها، وهم كثير في أوروبا والولايات المتحدة والكيان المحتل، ومن الحركات الإرهابية المناوئة لتركيا في فترة ولاية أردوغان على وجه الخصوص.

إن استهدف سلجوق بيرقدار -لا قدر الله- سيكون ضربة موجعة لتركيا معنويا وماديا، وستكون خسارة رمزية كبيرة، وتقصير أمني فادح، وكثيرا ما يلجأ بعض الأعداء إلى السعي لتحطيم الروح المعنوية للخصوم السياسيين أو العسكريين من خلال اغتيال شخصيات رمزية يشكل غيابها أثرا ماديا ومعنويا كبيرا.

وقد شاهدنا في العراق العدد الكبير من أصحاب الكفاءات العلمية الذين تم اغتيالهم بعد الغزو الأمريكي، حيث تم اغتيال 310 علماء حتى العام 2005، ولم يزل عدد منهم على قوائم الاغتيال بعد فشل الولايات المتحدة في شراء ولائهم؛ مما دفع الموساد الإسرائيلي للتحرك وتصفية ما استطاع منهم للقضاء على خطرهم المحتمل، بينما اختفى عدد آخر منهم في ظروف غامضة.

وذلك مما يجب أن تتنبه له تركيا في الحفاظ على بيرقدار وزملائه في وحدات التصنيع، وأخذ موضوع حمايته وزملائه بمنتهى الجدية والصرامة، وهذا لا يعني اتهام الأمن التركي بالتقصير، فمن المؤكد أن الأمن التركي يولي الأمر أهمية خاصة، لا سيما أن بيرقدار أيضا زوج ابنة أردوغان، واستهدافه سيكون ضربة قاسية لأردوغان وعائلته أيضا، حيث يكون الأثر المترتب على ذلك مضاعفا وخصوصا على الرئيس التركي..

إن المقصود بالحماية التي أعنيها الابتعاد عن الأساليب التقليدية النمطية بالمرافقة الأمنية المعتادة، إلى العمل المخابراتي المشدد، وتمكين حالة الحذر حيال ذلك طوال الوقت، والتدقيق في أحوال الأشخاص الذين يتعامل معهم داخل المؤسسة الصناعية الحربية من الفنيين والعمال.

ولنا أن نتخيل -لا قدر الله- أن يكون استهدافه بوسيلة من جنس عمله بطائرة مسيرة، إمعانا في قهر تركيا والتسبب لها بكثير من الألم؛ فنحن في عصر الاغتيالات بالذكاء الصناعي، واغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، أكبر مثال على ذلك، حيث استخدمت مخابرات الكيان المحتل في اغتياله أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الذكاء الصناعي.

لم يزل خطر الاغتيال قائما في كثير من مناطق العالم وخصوصا في أفريقيا والشرق الأوسط، وبؤر التوتر في العالم، ولم تزل كثير من الدول تستخدم الأساليب القذرة في اغتيال الخصوم، وعلى تركيا أن تعي درس الاغتيالات جيدا، وما اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي إلا دليل دامغ على خطورة الأشخاص المبدعين على منظومة الكراهية والحقد على نجاحات الآخرين، وتفوقهم الذي يثير لدى الكارهين غريزة القتل والتخلص من هؤلاء الذين يشكلون فارقا في حياة أمتهم.
التعليقات (6)
تقوى
الخميس، 02-02-2023 04:55 م
الله يوفق تركيا ويحمي هذا الشاب من الأعداء والله شيئ نرفع به الرؤوس شكرا لك أستاذي على هذا المقالة الراءعة
علي م.
الثلاثاء، 31-01-2023 08:58 م
نعم لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الكبير والأساسي لسلجوق بيراقدار بعد أن أثبت للعالم أن العقل التركي قادر على منافسة الغرب وهو شيئ يجعلنا نفتخر بأن دولة اسلامية تصل إلى هذا المستوى الغير عادي في الصناعات العسكرية، مع العلم بأن تركيا متقدمة في أمور أخرى مثل صناعة الإلكترونيات والكمبيوترات والآن السيارات والسيارات الطائرة والكهربائية
عبد العالي
الثلاثاء، 31-01-2023 08:35 م
مقال ممتع ومفيد غني بالمعلومات بوركتم أستاذ محمود النجار الكاتب الالمعي الحصيف والشاعر المقتدر
قدس
الثلاثاء، 31-01-2023 08:05 م
بيرقدار ليس فخرا لتركيا فقط، بل للعالم الاسلامي كله فقد أحسسنا بالفخر لما وصلت اليه دولة إسلامية من تفوق في الصناعات العسكرية وخصوصا في طائرات الدرونز العملاقة التي فاق تميزها كل تصور، وجعلنا لآول مرة نحس بأننا لسنا أقل من غيرنا كمسلمين, ان أي نجاج تحققه دولة عربية أو اسلامية يعتبر نجاحا لنا جميعا وأدعو الله أن يحفظ أبناء المسلمين ويوفقهم لمزيد من التألق والتوفيق.
Issa Abumuqaddam
الثلاثاء، 31-01-2023 06:19 م
أصبحت فخر الصناعة التركية ويشار إليها بالبنان ونقلت تركيا من عصر التسول من الامريكان إلى عصر أن تبيع هذه الطائرات المسيره إلى كثير من البلدان