بين الأعوام 2005
إلى 2023، شهد العالم الغربي 18 حالة تدنيس وحرق للقرآن الكريم. أكثرها عدداً كان
ضمن الدول الأوروبية وبلغت 15 مرة، وهي موزعة على الشكل التالي: 4 مرات في السويد،
3 مرات في الدانمارك، 3 مرات في النرويج، 3 مرات في بريطانيا، ومرة في ألمانيا
ومرة أخرى في فرنسا ضمن جزيرة كورسيكا.. بينما المرات الثلاث المتبقية حصلت في
الولايات المتحدة الأمريكية، وضمنها واحدة في معتقل غوانتانامو.
آخر محاولة كانت
الشهر الفائت، حينما أقدم زعيم حزب "الخط المتشدد" اليميني المتطرف في
الدنمارك راسموس بالودان، على حرق القرآن أمام السفارة التركية في عاصمة السويد
ستوكهولم، وذلك بعد أن حصل على تصريح بذلك من سلطات بلاده، التي يُفترض أنّها كانت
تعلم بالتبعات والتداعيات، ومنحته التصريح لحجج تتعلّق بالحريات.
في حينه، أدانت
الدول العربية والإسلامية تلك الحادثة، لكنّ الجانب التركي كان الأكثر شراسة في
رفض ذاك الفعل، إذ وصف وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو الحادث بأنّه
"جريمة عنصرية وكراهية".
بعد ذلك بأيام،
وقع الزلزال المدمر في
تركيا وامتدت أضراره إلى شمال سوريا، فجاء الردّ من صحيفة
"شارلي إيبدو" الفرنسية، التي نشرت رسماً كاريكاتورياً استهزأ بضحايا
الزلزال، وذلك من خلال جملة كُتبت تحت صورة لمبنى مدمّر وسيارة مقلوبة، تقول:
"لا داعي حتى لإرسال دبابات!".
كلام دبلوماسي لا يؤثر في شيء، لكنّه يخبرنا بحقيقة المشاعر الأوروبية تجاه مقدسات المسلمين ويتطابق مع الأفعال المتفرقة التي تعكس دوماً حقيقة الأمور
قناة
"الحرّة" الأمريكية الناطقة باللغة العربية استفسرت من المجلة الفرنسية
عن حقيقة هذا الرسم، فأكدت المجلة الفرنسية
الساخرة، بتبرير ضعيف ولا يمت إلى ما نشرته بأي صلة، أنّ الرسم "ليس للاستهزاء بمأساة
الضحايا وإنّما لتسليط الضوء على الحدث وربطه بأحداث أخرى جارية"، قاصدة بذلك
الحرب في أوكرانيا.
وبدورها المفوضية
الأوروبية أعلنت أنّه يتوجب على السلطات السويدية اتخاذ خطوات بشأن الحادثة، مؤكدة
أنه "لا مكان للعنصرية وكراهية الأجانب والكراهية العرقية والدينية في
الاتحاد الأوروبي".. وهو مجرد كلام دبلوماسي لا يؤثر في شيء، لكنّه يخبرنا
بحقيقة المشاعر الأوروبية تجاه مقدسات المسلمين ويتطابق مع الأفعال المتفرقة التي
تعكس دوماً حقيقة الأمور.
صحيح أنّ الرسم
أثار غضب وسخط المجتمعات العربية والاسلامية، لكنّ الغضب التركي كان مختلفاً، لأنّ
تركيا شعرت بأنّها مستهدفة مرتين:
المرة الأولى يوم
اصطفت خلف الدول العربية والإسلامية فشعرت جميعها أنها مُسّت بهويتها الإسلامية،
وفي المرة الثانية يوم استُهدفت هويتها القومية من خلال الاستهزاء بمأساة شعبها من
خلال الرسم الكاريكاتوري على خلفية الزلزال. ولهذا كان ردّ الفعل التركي أكثر حدّة
من بقية الدول العربية والإسلامية، ولربّما هذا ما دفع بالناطق الرسمي باسم
الرئاسة التركية إلى الردّ عبر "تويتر" قائلاً: "البرابرة الجدد..
اختنقوا في كراهيتكم وأحقادكم".
هاتان الحادثتان
ثم تداعياتهما، حملتا الكثير من المعاني والعبر، التي تؤكد أنهما زادا في الشرخ
بين الدول الأوروبية وتركيا، نختصرها بالنقاط التالية:
- أولاً، لأنّها
تأتي في خضمّ النزاع القائم بين تركيا وحلف شمالي الأطلسي (الناتو) وخلفه السويد،
على خلفية طلب ستوكهولم الانضمام إلى الحلف، ورفض أنقرة الطلب حتى الآن.
المحاولات الغربية لربط سياسة تركيا بالإسلام ثم النظر إليها من هذه الزاوية دوماً، تكشف أنّ الحقد الغربي ضد أنقرة دافعه الدائم هو رفض تركيا عضواً ضمن الأسرة الأوروبية بسبب دين الدولة.. فتعود تلك الحادثتين لتعمّق الخلاف بين الطرفين، وتتبدّد أي فرصة لتلاقيهما حتى حول أبسط الأمور
- ثانياً، لأنّ
رواسب حادثة حرق القرآن تعكس حال الازدراء المتواصل للإسلام والمسلمين وكتابهم
المقدس، بل تنسحب أيضاً على أمور سياسية أخرى، تتعلق بالحرب في أوكرانيا، وبالموقف
التركي الرافض للسير بالعقوبات الأوروبية والغربية ضد موسكو، وبالمتوازن الذي
أظهرته أنقرة في التعامل مع الكرملين خلال أزمته مع الغرب عموماً.
- ثالثاً، لأنها
تعكس حقيقة نظرة المجتمعات الأوروبية إلى تركيا قبل وخلال وبعد الحادثتين. فحجم
الحقد الأوروبي ضدّ الأتراك وضد هويتهم الإسلامية، هو استمرار لمسار طويل يمتدّ
منذ اللحظة الأولى التي قررت فيها تركيا التقدم للحصول على عضوية دائمة في الاتحاد
الأوروبي، ذاك الاتحاد الذي تكتفي بلدانه الأساسية باعتبار تركيا مجرد "شريك
اقتصادي" فقط، مُمارِسة المماطلة والتسويف في عملية البتّ بالعضوية بسبب
الاعتبارات الدينية إياها.
المحاولات
الغربية لربط سياسة تركيا بالإسلام ثم النظر إليها من هذه الزاوية دوماً، تكشف أنّ
الحقد الغربي ضد أنقرة دافعه الدائم هو رفض تركيا عضواً ضمن الأسرة الأوروبية بسبب
دين الدولة.. فتعود تلك الحادثتين لتعمّق الخلاف بين الطرفين، وتتبدّد أي فرصة
لتلاقيهما حتى حول أبسط الأمور، حتى لو كانت رسماً كاريكاتورياً يعلو جملة واحدة
من بضع كلمات!