منذ وقوع
زلزال يوم الإثنين الماضي، والعالم كله مشغول بآثاره ـ وحق
له ذلك ـ فهو كارثة عالمية وإنسانية بكل المقاييس، ويحتاج إلى تضافر جهود الجميع
للمعاونة في معالجة آثاره، سواء على البشر أو الحجر، فالدمار الذي لحق بالناس
وبيوتها وبلدانها ليس قليلا، خاصة وأن الزلزال كانت آثاره كبيرة على بلدين:
تركيا
وسوريا، ورغم ما قدمه الكثيرون من الدول والأفراد والجمعيات من الدعم، إلا أنه متجه
معظمه إلى جوانب مهمة بلا شك، لكنها ليست وحدها تمثل أبعاد المشكلة والكارثة.
فالطواقم الطبية والإنقاذية تتجه حاليا لإخراج من كان حيا تحت
الأنقاض، أو من كان ميتا لدفنه، أو من كان جريحا لمداواته، والبحث له عن سكن بديل
مؤقت حتى يتم بناء سكن له، وكل هذه أمور مهمة تتعلق بالجانب المادي في الأزمة،
ويبقى جانب مهم، لا بد من التفكير فيه فيما بعد، أو الآن جنبا إلى جنب مع ما سبق،
وهو الجانب النفسي والإيماني، فإن آثاره لا شك ستكون أكثر ترويعا وألما من الجوانب
الأخرى.
وهذا الجانب النفسي هو دور وواجب المختصين فرادى وكيانات، فمن
الطبيعي أن مثل هذه التخصصات قليلة في عالمنا العربي والإسلامي، ولذا لا يمكن أن
يقوم بتغطيته أهل المكان وحدهم، ويجب ألا يهمل هذا الجانب، لأن آثاره تأخذ وقتا مع
الإنسان، فالطفل الذي رأى أهله يموتون تحت الأنقاض، وخرج سالما من تحتها، بعد مرور
ساعات امتدت ببعضهم إلى 30 ساعة.
وقد رأينا مشهد الفتاة السورية التي خرجت ولما سألوها المنقذون: هل
بقي أحد معك؟ فقالت: أمي وإخوتي، لكنهم كلهم ماتوا، فهل يتخيل الإنسان حال طفلة
ظلت لساعات مع أمها وأخواتها المتوفين كل هذه الفترة، فكم الفترة التي تحتاج
للتعافي النفسي من هذا المشهد، ورأينا مشهد الأب التركي الذي ظل ممسكا بيد ابنته
المتوفاة تحت الأنقاض، ولم يتمكن من إسعافها، فكل هذه المشاهد بلا شك تحتاج إلى
دعم وعلاج نفسي ربما طال مداه.
وهذا دور ينبغي أن تقوم به مؤسسات مجتمعية، لأن معظم هذه الجهود التي
تقوم به مؤسسات متخصصة، كلها تقول: إن نجاح هذا العلاج يحتاج إلى قاعدة مجتمعية،
فليس الدور هنا للمعالجين النفسيين فقط، بل للمجتمع دور كبير وأساسي، لأن إمكانيات
المعالج هنا ستكون محدودة، ولا بد لهذه القاعدة المجتمعية أن تكون مؤهلة ومستعدة
لأداء هذا الدور، وهو ما رأيناه بفضل الله متوفرا في مستوى المتطوعين وكثرتهم،
سواء على مستوى الكارثة في تركيا أو
سوريا.
هناك جهود مؤسسية عالمية مبذولة في هذا الإطار، موجودة أون لاين على
النت، قام بها الصليب الأحمر، والهلال الأحمر، منذ فترة، وهو على مواقعهم متوفرة،
معلومات الدعم النفسي في الأزمات والكوارث، وهنا يأتي دور المؤسسات المجتمعية، إن
لم يكن لدى شبابها ومتطوعيها خبرة أن يستفيدوا من هذه الجهود.
علمنا القرآن الكريم أنه عقب الكوارث تأتي الأسئلة، فبعد غزوة أحد، واستشهاد عدد من الصحابة تساءلوا: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟) آل عمران: ، وهو ما حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وما ثار من جدل حول ذلك، فعلى الدعاة والمؤسسات الدعوية أن تتفهم ذلك، فهو ليس توقحا على الدين، ولا تطاولا عليه، بل هي أسئلة مشروعة، وعلينا أن نعد لها الجواب المناسب، والعلاج الناجع.
كانت هناك تجربة رائدة في هذا المجال؛ مجال إدارة الكوارث والأزمات
الطبيعية، في مصر، قام بها طبيب من أمهر أطباء مصر، وهو الدكتور عاطف رضوان، وأنشأ
مركزا مهما في هذا المجال في كلية الطب جامعة الزقازيق، واشتهر بخبرته في هذا
الميدان، وأسهم في إنشاء مركز آخر في دولة قطر، وعندما حدث الانقلاب في مصر،
غادرها إلى المملكة العربية السعودية، وظل يعمل لسنوات في مجال عمله، إلى أن تم
سجنه منذ ثلاث سنوات في السعودية، بلا أي تهمة، فلا هم سلموه لمصر، ولا تركوه
يعمل، ليعطل كفاءة طبية نادرة في عالمنا العربي والإسلامي، بجريرة الاستبداد في
مصر والخليج للأسف، فليتهم يخرجوه للاستفادة منه في هذه الكارثة.
كما يحتاج الضحايا بجانب الدعم النفسي، إلى دعم آخر مهم لا يقل عنه،
بل يدخل فيه وهو الدعم الإيماني، فإن هناك أسئلة سترد كثيرا على ألسنة الضحايا، لا
يصلح للإجابة عنها سوى دعاة وعلماء يجمعون بين التمكن الديني، والمعرفة بالعلوم
الإنسانية، فإذا كانت أسئلة المظلومين في سوريا من قبل: لماذا لا ينصرنا الله على
الظلمة؟ سيكون السؤال الآن: لماذا يبتلينا الله بالزلازل والظواهر الكونية، والتي
تصيب الإنسان في أعز ما يملك، في نفسه، وبدنه، وأهله، وماله، فيصبح بعد أن كان في
بيت يؤويه إلى العراء، إن كتب الله له النجاة.
ولماذا يفقد الإنسان أعز من يملك، كأبوين، أو أبناء؟ ولماذا نرى
مشاهد الألم والحسرة للأطفال والنساء والبسطاء من الناس؟ وهي أسئلة إن لم تطرح
الآن، فسوف تطرح بعد أن يلتقط الناس أنفاسهم، ويروا آثار الزلزال المدمرة على
مستوى الحجر والبشر كما ذكرت، لكنها ستكون على مستوى آخر، وهو الفكر والدين.
هنا يأتي دور مؤسسات دعوية، ودعاة، لهم جهود موفقة في هذا الجانب،
أتمنى أن يتم البدء من الآن بتواجدهم، سواء على مستوى تركيا، كالمؤسسة الدينية
والهيئات العلمائية التركية، أو سوريا، وفيها عدة مؤسسات علمائية ودعوية، وهناك
مؤسسات أخرى عامة، وعلى سبيل المثال: مؤسسة تكوين، ومؤسسة جسور التي يقوم عليها
المهندس فاضل سليمان، وما يقوم به الأساتذة: أحمد يوسف السيد، وسامي عامري، وعبد
الرحمن ذاكر الهاشمي، ومؤسسات أخرى لا أريد الحصر حتى لا أنسى، لكنها مشكورة لها
جهود طيبة وعلمية مهمة في هذا المسار والجانب، ووسائلها معاصرة مناسبة للشباب
وطرحه، فليتهم يبدأون من الآن في هذه الجهود، فليكن بالتحصين المبكر، قبل أن يكون
علاجا لأفكار تطرح، وهي مشروعة بالمناسبة.
وقد علمنا القرآن الكريم أنه عقب الكوارث تأتي الأسئلة، فبعد غزوة
أحد، واستشهاد عدد من الصحابة تساءلوا: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم
أنى هذا؟) آل عمران: ، وهو ما حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وما ثار من
جدل حول ذلك، فعلى الدعاة والمؤسسات الدعوية أن تتفهم ذلك، فهو ليس توقحا على
الدين، ولا تطاولا عليه، بل هي أسئلة مشروعة، وعلينا أن نعد لها الجواب المناسب،
والعلاج الناجع.
[email protected]