أثار
اعتزام
مصر انسحابها من اتفاقية تجارة
الحبوب متعددة الجنسيات (GTC)، والتي جرى إبرامها قبل عقود، دون إخطار مسبق، تساؤلات بشأن الخروج
المفاجئ من الاتفاقية التي تعزز شفافية السوق لزيادة التعاون التجاري، في أعقاب فترة
من الاضطرابات في أسواق الحبوب المرتبطة بالحرب في أوكرانيا والمخاوف المتعلقة بالأمن
الغذائي العالمي.
وأعلنت
مصر، أحد أكبر مستوردي القمح في العالم، أنها سوف تنسحب في نهاية حزيران/ يونيو المقبل
من معاهدة الحبوب التي أبرمتها مع الأمم المتحدة منذ 1995، مما أثار القلق بين بعض
الموقعين الآخرين على الاتفاقية الدولية.
أرجعت
وزارة الخارجية المصرية القرار إلى أنه اتخذ بعد تقييم من وزارتي التموين والتجارة
خلص إلى أن عضوية مصر في المجلس "بلا قيمة مضافة"، لكن مصدرين مطلعين على
الأمر، طلبا عدم الكشف عن هويتهما، قالا لوكالة "رويترز" إن مصر مدينة برسوم
عضوية المجلس وهو سبب الانسحاب، دون تحديد قيمتها، فيما لم ترد وزارة الخارجية على
سؤال حول الرسوم.
وتعرضت
مصر بشكل خاص لصدمة أسعار القمح باعتبارها أكبر مستورد للقمح في العالم حيث إن نحو
80% من وارداتها تأتي عادة من
روسيا 50% وأوكرانيا 30%، ما اضطرها إلى التوجه إلى أسواق
جديدة بأسعار أكثر ارتفاعا لزيادة احتياطياتها لتوفير الخبز الذي تصرفه على بطاقات
التموين، لكن الواردات الروسية ظلت مصدرا رئيسيا.
"خفض
النفقات وسوء إدارة الأزمة"
عن أسباب
هذا القرار، صرح مصدر حكومي مسؤول لموقع محلي، أن الحكومة اتخذته في إطار تبنيها سياسة
التقشف وترشيد الإنفاق العام بالجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة والهيئات العامة
الاقتصادية، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلد حاليا.
تعليقا
على محاولة مصر تخفيض النفقات، قال أستاذ العلوم الزراعية والمستشار السابق بوزارة
التموين، عبد التواب بركات، إن "سحب النظام المصري عضويته في اتفاقية تجارة الحبوب هو لتخفيض النفقات، وهو نفس السبب الذي أعلن عنه وزير الزراعة المصري عندما قرر رئيس الوزراء
إغلاق المكتب الزراعي المصري في واشنطن سنة 2016، وهو واحد من اثنين فقط لمصر في الخارج
لتنسيق العلاقات الزراعية المصرية مع واشنطن والتي بدأت سنة 1952 وازدادت متانة منذ
سنة 1978، والثاني في روما، وما زال العمل فيه مستمرا".
مضيفا
لـ"عربي21": "لكن توقيت سحب عضوية مصر من اتفاقية تجارة الحبوب سيؤكد
المؤكد، وهو الأزمة المالية التي تمر بها مصر، والتي لا تخفى على المجتمع الدولي، وخاصة
الدول والشركات المصدرة للقمح والتي أصبحت تطلب أسعارا أعلى للقمح المصدر لمصر بسبب
دفع نسب مالية أعلى للتأمين على صفقات القمح التي تشتريها الحكومة، وهو ما يفسر اقتراض
النظام عملة أجنبية بنسبة فائدة كبيرة".
وأنحى
بركات باللائمة على فشل الحكومة في التحوط من مثل هذه الأزمات، موضحا: "كانت الدول
تتسابق على وزارة التموين عام 2012 في بيع القمح لمصر بتسهيلات في السداد بالآجل، وشاهدت
مصدرين من كندا عرضوا على وزير التموين آنذاك الدكتور باسم عودة بيع القمح لمصر بتسهيلات
ستة أشهر في السداد، وكذلك بناء صوامع تخزين القمح بنفس التسهيلات، وكذلك طلبت إيطاليا،
وكل ذلك كان بسبب خطط الاكتفاء الذاتي من القمح التي أعلنت عنها مصر وقتها، لكن هذا
الوضع تغير للنقيض حاليا، ويزداد الأمر تعقيدا عند طرح مناقصات استيراد القمح من الخارج
حيث يعرض الموردون أسعارا أعلى وجودة أقل".
واردات
ضخمة من الحبوب
تستورد
مصر نحو 12 مليون طن من القمح سنويا (حكومي وخاص)، وتستهلك قرابة الـ18 مليون طن، من
بينها نحو 9 ملايين طن لإنتاج الخبز المدعوم الذي يُصرف على البطاقات التموينية لإنتاج
ما يقرب من 270 مليون رغيف يوميا.
الخبز
المدعم هو الدعم العيني الوحيد المتبقي في منظومة السلع التموينية، ويصرف على بطاقات
التموين، ويستفيد منه 71 مليون مواطن بسعر 5 قروش للرغيف، ويحصل كل مواطن بمقتضاها
على خمسة أرغفة يوميا، بإنتاج يومي يبلغ 270 مليون رغيف.
تصل
واردات مصر من الحبوب أكثر من 7 مليارات دولار سنويا، وبلغ إجمالي الواردات خلال الفترة
من شهر كانون الثاني/ يناير حتى تشرين أول/ أكتوبر 2022 (10 شهور)، تضمنت قمحا بنحو
3.4 مليارات دولار، ودرة صفراء للأعلاف بنحو 2.5 مليار دولار، والباقي أرز ودرة شامية،
بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
"رسالة
لروسيا وأخرى للغرب"
ذهب
الصحفي المتخصص في شؤون الزراعة، جلال جادو، إلى القول بأن "أسباب انسحاب مصر
من هذه الاتفاقية غير واضحة حتى الآن، لكن لو قرأنا موقف مصر كأكبر مستورد للقمح في
العالم، فإن أي تحرك منها دون شك مقلق لتجار الحبوب الذين يعتبرون مصر سوقا مهما ومربحا،
لكن النظام برر قراره هذا بأن عضوية مصر في هذه الاتفاقية لا تنطوي على قيمة مضافة
وهي رسالة لوم للغرب".
مضيفا
لـ"عربي21": "أزمة الحبوب التي ضربت العالم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا
قد ذاقت مصر مرارتها ولم تجد عونا من أعضاء هذه المعاهدة، كما أنه يبدو أن الانسحاب
هو رسالة لإرضاء روسيا فهي المصدر الأساسي للقمح لمصر لكن هذا أيضا يحمل مخاطرة كبيرة
على مصر خاصة لو رفضت روسيا تجديد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود
والذي سينتهي في 18 من هذا الشهر، ومن ثم قام الغرب بفرض عقوبات على تصدير الحبوب الروسية
ربما يمثل هذا ضربة قاصمة للنظام في مصر لأنه سيضطر لشراء القمح بشروط أشد ومن مناشئ
بعيدة".
ورأى
جادو أن "الحل بالنسبة لمصر وبعيدا عن هذه الاتفاقيات وغيرها هو إرضاء الفلاح المصري
ليزيد من إنتاجه للقمح برفع سعر توريد القمح للحكومة، فقد وضعت مصر موازنة العام المقبل
والتي تبدأ في يوليو المقبل سعرا تقريبيا في حدود 424 دولارا للطن للقمح المستورد وهو
ما يعادل أكثر من 13 ألف جنيه مصري، بينما حددت نحو 8 آلاف فقط للطن من المزارعين المحليين".