توفي أمس الأربعاء 15 من آذار (مارس) الجاري،
المنشد السوري المعروف
(أبو مازن)، والذي كان في فترة السبعينيات والثمانينيات صاحب شهرة واسعة، بين
أطياف أبناء الصحوة والحركة الإسلامية، على مستوى امتدادها الجغرافي بين جل بلدان
العرب، رغم أن الأشرطة التي قام بتسجيلها كانت قليلة ومحدودة، وبصوت ضعيف جدا،
ولكنه كان يمثل بدايات السماع لفن الإنشاد الحركي لمعظم هذا الجيل، وما تلاه من
أجيال لفترة معينة، قبل أن تظهر أشرطة الإنشاد التي تستعين بالتقنيات الحديثة، ثم
استعملت الآلات الموسيقية.
الإنشاد الديني بوجه عام، فن معروف في أوساط المتدينين، لكن التدين
الشعبي يميل إلى الإنشاد الديني المتمثل في الابتهالات والتواشيح الدينية، وهو
مشهور في
سوريا ومصر بكثرة، فكان في سوريا عدة منشدين معروفين، منهم: حسن حفار،
ومن جيل الوسط: عماد رامي، وغيرهم من المنشدين، وفي مصر كان هناك جيل قديم بدأ من
الشيخ طه الفشني، ونصر الدين طوبار، والنقشبندي، وغيرهم، ذلك هو الإنشاد الديني
الشعبي، وهو يعنى غالبا بالمدائح النبوية، والابتهال إلى الله بدعائه، وذكر صفاته
وأسمائه الحسنى.
ومع نشأة جماعة الإخوان المسلمين في مصر سنة 1928م، بدأ نوع جديد من
الإنشاد، هو ما يمكن أن نطلق عليه الإنشاد الحركي، وهو إنشاد معني بإشعال الحماسة،
والنضال والجهاد، وما إلى هذه المعاني، وقد بدأه الإخوان بنشيد مثل شعارا لهم، وقد
كتبه أحد علماء الأزهر، وهو الشيخ أحمد حسن الباقوري، وفيه: يا رسول الله هل يرضيك
أنا، إخوة لله في الإسلام قمنا. ولما خرج الإخوان من مصر إلى الخليج، سعى الإخوان
المقيمون في الخليج إلى تغيير مطلع النشيد، فجعلوه: يا إله الكون هل يرضيك أنا.
بدلا من: يا رسول الله، حيث خافوا من اتهام السلفيين في الخليج لهم بالاستغاثة
برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم توالت أناشيد الإخوان الحركية، فكتب شاعر الإخوان عبد الحكيم
عابدين، نشيده المشهور: نشيد الكتائب، والذي بدأه بقوله: هو الحق يحشد أجناده،
ويعتد للموقف الفاصل، وأصبح النشيد الإسلامي الحركي، أحد سمات أنشطة الإخوان
المسلمين.
لأن أبو مازن رحمه الله، لم يكن يعرف الناس شكله، ولا ملامحه، ولا إسمه، فأحاطت بشخصيته شائعات مناسبة لأناشيده الحماسية، فأشيع أن النظام السوري لبغضه له، ولحنقه على أناشيده، قاموا بقطع لسانه، وكلها كانت شائعات لا أساس لها، لأن أبا مازن كان قد خرج من سوريا، واستقر في مصر،
في هذه الأجواء أيضا نشأ النشيد الحركي في سوريا، لكنه جاء متأخرا
إلى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، وهنا برز شاب يحمل كنية: أبو مازن، رغم
أنه غير متزوج، لكنها عادة اتخذت من باب العرف السائد آنذاك، والحرص الأمني، وهو
ما كان من منشدين آخرين، مثل: أبو راتب، وأبو الجود، وأبو دجانة، وهي كنى لشخصيات،
وكان أشهرهم في بدايات النشيد الحركي: أبو مازن، واسمه: رضوان خليل عنان.
ورغم بداءة الأدوات، وبساطتها لدى أبو مازن، إلا أنه ظل محفورا في
آذان شباب الحركة الإسلامية، فكان التسجيل بأدوات بسيطة، وبدون أي مؤثرات صوت، أو
محسنات، ولكنها أناشيد تعنى ببث روح الحماسة، والصبر والثبات، وتدخل معظمها تحت
باب: الملاحم، فكان من أوائل من أنشدوا قصيدة سيد قطب، أخي أنت حر وراء السدود.
نوع أبو مازن في مختاراته الشعرية، فأنشد لكثيرين، دون معرفة من
أصحاب هذه القصائد، فأنشد لسيد قطب، وأنشد لشاعر مصري شاب، توفي شابا في الفرقة
الثالثة من كلية دار العلوم، وهو هاشم الرفاعي، فأنشد له: أرملة الشهيد تهدهد
طفلها، وأنشد لمحمد إقبال: ملكنا هذه الدنيا القرونا، وأنشد لآخرين غير مشهورين من
شعراء الدعوة.
كان صوت أبو مازن في التسجيلات خافتا، لا يكاد يبين في عبارات معينة،
لرداءة الصوت، إلى أن قام الأستاذ أحمد الجدع، والمرحوم الأستاذ حسني أدهم جرار،
بجمع معظم هذه القصائد وغيرها، في سلسلة كتب بعنوان: أناشيد الدعوة الإسلامية،
فبدأ الناس يعرفون الكلمات المتقطعة التي لم تكن آذانهم تلتقطها بدقة.
ولأن أبو مازن رحمه الله، لم يكن يعرف الناس شكله، ولا ملامحه، ولا إسمه،
فأحاطت بشخصيته شائعات مناسبة لأناشيده الحماسية، فأشيع أن النظام السوري لبغضه
له، ولحنقه على أناشيده، قاموا بقطع لسانه، وكلها كانت شائعات لا أساس لها، لأن
أبا مازن كان قد خرج من سوريا، واستقر في مصر، وحاول كثيرون من أهل الإعلام الوصول
إليه، ومحاولة إقناعه بالظهور الإعلامي، لكن الرجل رفض، فقد عاش آخر سنين حياته
منذ ذهب لمصر، يعنى بأسرته، وحياته الخاصة.
ومات في البلد الذي عاش فيه آخر عقود حياته، في مصر، وقد فوجئ
الكثيرون بذلك، لكنها كانت معلومة لدى بعض المهتمين بالنشيد الإسلامي، وبالسؤال عن
أبو مازن، رغم انقطاعه عن النشيد، إلا أنه ظل ذكره دائما بين أجيال السبعينيات وما
تلاها من أجيال، فقد ارتبطوا بصوته، وارتبطوا بفنه، وارتبطوا بأدائه، وانتقائه
الرائع للأناشيد، ورغم استمرار إخوانه المنشدين الكبار كأبي راتب وأبي الجود،
وغيرهم، وانقطاع أبو مازن، إلا أن ما قدمه ظل أثره باقيا، وهو دلالة على نية الرجل
الصالحة، وعلى حسن عمله، نحسبه كذلك والله حسيبه، رحمه الله رحمة واسعة وتقبله في
الصالحين.
[email protected]