ثمة من يعتقد أن المؤشرات
المنطلقة من وسط المعارك الملتهبة في أوكرانيا، تظهر أن حدتها مع الأيام والاسابيع
المقبلة ستتخذ طابعا تصاعديا وغير مسبوق، وسط مؤشرات تؤكد أن الصراع الدامي
سيستغرق وقتا طويلا قبيل بزوع أي أفق للحل السياسي بين الجانبين، وهذا المسار
يترجم موافقة الإدارة الأمريكية في واشنطن على تسليم الجيش الأوكراني دبابات من
نوع "أبرامز" المتطورة، وذلك منتصف الصيف القادم.
وهذا السياق يؤدي
لاستنتاجات واضحة، هي أن التحضيرات جارية لمعارك فصل الشتاء المقبل في نهاية 2023
وبداية 2024، لذا فإن زيارة الرئيس الصيني لروسيا وإعلان اتفاقه مع نظيره الروسي
على بدء حقبة جديدة من تعميق الشراكة الاستراتيجية، لا يعني سوى اصطفاف عالمي واضح
لا لبس فيه. ولو أنه تمّ إلحاق ذلك بأنّ هذا الاتفاق ليس موجها ضد أي دولة أخرى،
فمن الواضح أنه يجري تحضير المسرح لحرب طويلة لم تنته أهدافها بعد، ولم تظهر بوادر
الإرهاق على الأطراف الدولية المنغمسة فيها.
التأثيرات البنيوية التي ضربت الشرق الأوسط بسبب الحرب، أدت إلى إعادة تشكيل العلاقات والتحالفات والمصالحات في المنطقة، وذلك بحكم خضوعها للضغوط الشاقة في الاقتصاد والمال والانهيارات المتسارعة في العملات المحلية منذ سنوات عدة.
لذا، كان جليا الانزعاج الأمريكي والأوروبي من تطور العلاقة الصينية- الروسية، وتحديدا ما خلصت إليه
القمة الروسية- الصينية، لذا يبدو أن الهجوم المضاد الذي تُعد له حكومة زيلينسكي مطلع
الربيع القادم، لن يشكّل محطة حاسمة في تاريخ هذه الحرب، التي شتت اقتصادات العالم
والشرق الأوسط. ويبدو أن المنطقة العربية والشرق أوسطية، هي الأكثر تأثرا بتطورات
هذه الحرب بعد القارة العجوز؛ نظرا للتداخل الحاصل، إن بسبب تأثير روسيا الكبير في
سوريا وليبيا، أو بسبب الشراكة العسكرية القائمة بين موسكو وطهران وآخرها الطائرات
الانتحارية المسيرة، بالتزامن مع ربط أسعار النفط العالمية بمصير هذه الحرب
المفتوحة.
والتأثيرات
البنيوية التي ضربت الشرق الأوسط بسبب الحرب، أدت إلى إعادة تشكيل
العلاقات
والتحالفات والمصالحات في المنطقة، وذلك بحكم خضوعها للضغوط الشاقة في الاقتصاد
والمال والانهيارات المتسارعة في العملات المحلية منذ سنوات عدة.
ولا يمكن فصل
أسباب الحرب وتأثيراتها عن
لبنان وسوريا؛ اللذين يقعان بالمباشر تحت التأثيرات الإيرانية
والروسية، وهذا الواقع المتأزم دفع بإيران والسعودية إلى استعجال الحلول والإعلان
عن المصالحة برعاية الصين. وهذا الأمر يشمل أيضا شعور الرياض ودول الخليج أنها
باتت متروكة عسكريا، ومستهدفة في أمنها القومي، وذلك عقب استهداف أمنها الحيوي
بعدد كبير من الصواريخ البالستية والمسيرات الانتحارية، الذي شكّل ذروتها استهداف
شركة "أرامكو" النفطية، وفق معادلة الاقتصاد مقابل الأمن"، خاصة
أن الاقتصاد الإيراني يعيش مرحلة لا مثيل لها من السوء، مع استمرار العقوبات
والاحتجاجات وعمليات الاستهداف لمسؤولين في الحرس الثوري أو في الخبرات النووية.
انطلاقا من الاتفاق السعودي- الإيراني والشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا، سيشهد الشرق الأوسط مزيدا من انعكاسات هذه الحرب وموجباتها، حيث إن المعركة التي تخوضها موسكو ستؤدي إلى مزيد من الاستنزاف العسكري والمالي والاقتصادي، في مقابل الأزمات المتلاحقة التي تعيشها إيران على كل المستويات.
وانطلاقا من
الاتفاق السعودي- الإيراني والشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا، سيشهد الشرق
الأوسط مزيدا من انعكاسات هذه الحرب وموجباتها، حيث إن المعركة التي تخوضها موسكو
ستؤدي إلى مزيد من الاستنزاف العسكري والمالي والاقتصادي، في مقابل الأزمات
المتلاحقة التي تعيشها إيران على كل المستويات، الأمر الذي سيجعل
السعودية والصين
الطرفين الأقوى في هذه المعادلة.
والسعودية تحرص
على تصفير مشكلاتها وعدم الانحياز إلى أي جانب في هذه الحرب المفتوحة والهوجاء،
لكنها أقدمت على الاتفاق مع إيران برعاية الصين، بعد استمرار حالة الابتعاد
بينها وبين إدارة بايدن. إذ ستكون الصين وروسيا في حاجة إلى استقطابها؛ نظرا لموقعها وقدرتها الاقتصادية الهائلة، في حين سيسعى الغرب إلى استعادتها، وهذا
لا بد أن يكون له مقابل سياسي؛ أبرزه الاعتراف بمحمد بن سلمان على عرش السعودية،
في حين يبقى الأخطر هو إشعال المنطقة كجزء من التخريب ونوع من إدخال الشرق
الأوسط في خضم هذا الصراع، وهذا المسار هو المسار الإسرائيلي المتأزم.
وأمام السياسات
الجديدة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورؤيته الاقتصادية القائمة على تصفير المشاكل،
بدا الحديث عن مصالحة بين الرياض ودمشق هو الشغل الشاغل للأطراف في سوريا ولبنان، وآخره
ذلك ما جرى تسريبه عن معطيات حول إعادة فتح السفارات بين الجانبين. لكن ما تم
التوصل إليه يتعلق حصريا بإعادة فتح مكاتب تمثيلية في القنصليات، لتسهيل شؤون تأشيرات
السفر والحج.
وهذا الانفتاح
الخليجي باتجاه الأسد عنوانه الرئيسي منع طهران من الاستئثار بكل النفوذ في سوريا،
وسط انشغال روسيا في حرب أوكرانيا وحاجتها المستمرة للشراكة العسكرية مع إيران. وعلى
الرغم من الأجواء التفاؤلية حول عودة سوريا إلى الجامعة العربية خلال اجتماعها
المقبل، لكن الحقيقة أن النظام السوري سيكون أمام اختبارات سمعها مسؤولون سوريون
في الرياض، لا يمكن القفز فوقها نهائيا. وتبدأ بانطلاق معالجة عودة اللاجئين بشكل
آمن برعاية أممية- عربية. ويتم التداول في طرح يقتضي بعودة تجريبية لمئات اللاجئين
الموجودين في الأردن، بحيث تشكّل عودة هؤلاء اختبارا لناحية عدم التعرض لهم
أمنيا، ولناحية عدم إلزامهم بالخدمة العسكرية.
هذا التطور شجع أطرافا حليفة لدمشق في لبنان على المراهنة على عودة الدور السوري، من خلال انعكاس هذه التطورات على الواقع الداخلي وخصوصا انتخابات رئاسة الجمهورية، أي وصول سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.
والنقطة الأهم تتعلق
بتشديد السعوديين على حسم ملف وقف تهريب المخدرات، التي بات مصدرها الرئيسي سوريا إلى دول الخليج عبر الأردن، من خلال جملة إجراءات حاسمة وفاعلة. ومن ثم ستشكّل
هاتان الخطوتان اختبارا للمضي قدما في ملف التسوية السياسية في سوريا، وفتح أبواب
الاستثمارات في الاقتصاد السوري المتهاوي.
بالتوازي، يبرز
حديث عن وجود رؤية مشتركة لقطر والسعودية بأن التجارب مع النظام كانت تفشل بشكل
مستمر، ما يعني أن الاختبارات وعدم الاستعجال هو الذي سيظهر التزام الأسد وقبوله
بالشروط الخارجية، ما يؤكد أن عودة السعودية إلى المسرح السوري عبر هذه البوابة ستكون
بحاجة إلى مسارات طويلة ومعقدة.
وهذا التطور شجع أطرافا
حليفة لدمشق في لبنان على المراهنة على عودة الدور السوري، من خلال انعكاس هذه
التطورات على الواقع الداخلي، وخصوصا انتخابات رئاسة الجمهورية، أي وصول سليمان
فرنجية لرئاسة الجمهورية.
وهذا الأمر ما
تحرص السعودية وقطر على نفيه، انطلاقا من سياسة فصل الملفات، وهذا ما تجلى في
الاجتماعات الثنائية والخماسية حيال لبنان، والتأكيد أن وصول فرنجية يعني
العودة سنوات طويلة للوراء، ربطا بتموضعه السياسي والإقليمي، وليس انتهاء بسيرته
الذاتية التي تخالف فكرة وصول رئيس متخصص وغير منحاز.