وصل بالأمس رئيس جمهورية فرنسا مانويل
ماكرون إلى
الصين،
مع رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون ديرلاين، وكانا قدما لإقناع الصين بمباعدة
روسيا وشؤون أخرى. حمل رئيس الصين ماكرون بطائرات صينية وأهمل رئيسة المفوضية،
وجال به بين الحدائق والمتاحف يريه عظمة الصين، واجتمع بهما على كمين منضدة عظيمة
واسعة، يبلغ قطرها قُطر سقوط نيزك على الأرض، ودار حوار من وراء برزخ المنضدة من
غير مكبرات صوت. وقد صارت المنضدة علامة على المودة والنفرة، مع أن عهد كورونا قد
انقضى.
وأشاع رئيس الصين صورة له وهو في صدر المجلس ووراءه
الزينات والأعلام، والرئيسان الضيفان أعراء من البيارق والزينات، فذكّرنا بمكر
بوتين الإعلامي، وثكنات مناضده الطويلة، يصلب إليها ضيوفه ووزراءه. وأفلت مرّة كلبه
على مستشارة ألمانيا التي يقال إنها تهاب الكلاب، ثم اعتذر منها. كان بوتين سباقاً
إلى مجافلة ضيوفه بالصور والأبهة وحواجز المناضد والطاولات التي يستقبل من ورائها
ضيوفه وزوّاره، بعد أن استتّب له الأمر في روسيا الاتحادية، واستعاد بعضا من
مكانتها القديمة، برز مستعرضاً الحرس في قاعات فاخرة، مثل قارون في زينته.
ومن ذلك أنه زار سوريا، فاستعرض جنده في قاعدة حميميم
ولحق به الأسد، كي يقوم بواجب المراسم، ظناً منه أنه لا يزال رئيس البلاد، فمنعه رئيس
الحرس، فإن كانت الأرض سورية، فالسيادة عليها روسية.
كان بوتين سباقاً إلى مجافلة ضيوفه بالصور والأبهة وحواجز المناضد والطاولات التي يستقبل من ورائها ضيوفه وزوّاره، بعد أن استتّب له الأمر في روسيا الاتحادية، واستعاد بعضا من مكانتها القديمة، برز مستعرضاً الحرس في قاعات فاخرة، مثل قارون في زينته
وكان وقع أمر مشابه لرئيس صندوق تحيا مصر وبطل مسلسل
الاختيار عبد الفتاح
السيسي، فظهرت له صور بالأمس القريب مترجلاً من الطائرة، وهو
يتأخر عن ولي العهد السعودي ويجهد في اللحاق بصاحب الخطوات الواسعة، مثل الصبي
وراء محمود ياسين في أفواه وأرانب، والسيسي يستعين بيديه في شرح ما يعجز عنه لسانه،
فظهر في مظهر المعتذر أو المذنب أو المتوسل، وولي العهد متصامّ ماض في طريقه غير
مكترث به، وقيل إنه يطلب منه مصروف العيد.
وانتشرت تحليلات تقول بنيّة ولي العهد استبدال محافظ
ولايته مصر. وظهر السيسي في فيديو آخر والسفير السعودي يدفعه كما يُدفع المتزاحمون
أمام باب الجمعية التعاونية، وهو ضيف ورئيس جمهورية، وقائد ثورة الثلاثين مليون،
ليتيح لولي العهد مصافحة ضيوفه، يخلو بعدها لأداء أمانة سيقان الفراخ إلى صاحبها.
للسيسي صور كثيرة لا تسرّ أتباعه، في أمريكا، أشهرها وهو
يظهر يعرج تحت جناح الرئيس الأمريكي من الخجل والفرحة، محاطاً بحنانه وفي أحضانه،
أو مسروراً بالمشي إلى جوار ترامب مثل التلميذ المكرم، وغالباً ما يعوض عن ذلّ
الصورة في بلاد الغرب التي يكتسب من ظلالها الشرعية والمجد بصور أفخر وأكلف في مصر،
كسير سيارته على السجاد الأحمر أو تصوير خطواته خطوة خطوة في مهرجان الشباب
بكاميرات تسحب على سكة "للرئيس القطار".
انشغلت المعارضة التركية بمراسيم رئاسية روسية تركية
شوهد فيها أردوغان ينتظر أمام الباب للقاء الرئيس الروسي في الكرملين، جرى التوضيح
لاحقاً أنها من شعائر المراسم، والمواقيت الرئاسية. ثم رأينا ردّاً تركياً عليها
عند زيارة بوتين تركيا، صورة بصورة، والجروح قصاص. ويجد الناظر أردوغان حريصاً يقظاً
في أثناء زياراته إلى أمريكا وروسيا، يرقب كل حركة من حركات مضيفه خشية كيد أو
مكر.
والأمر يشبه حكاية الثعلب واللقلق، وكان الثعلب قد دعا
اللقلق إلى إفطار من حساء ومرق، فردّ عليه اللقلق بدعوة إلى وليمة من الحَبِّ في خابية.
ويمكن تذكّر زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما هافانا في
سنة 2016 بعد تسعين سنة من القطيعة، وهو يربّت على كتف راؤول كاسترو، فاعترضه الرئيس
البالغ تسعين سنة وكفّ يده عنه ورفعها حتى لا يظهر في مظهر الولد.
ومن مكائد الزعماء وليس مكائد رامز جلال أن معمر القذافي
نقل الرؤساء والزعماء العرب في شاحنة لحضور القمة العربية في ليبيا ١٩٨٠، ولم نعرف
إن كانت من النوع القلاب. ولأبي مازن رئيس السلطة الفلسطينية فيديو مهين مع وزير
الخارجية جون كيري، وهو يعبث به كما يعبث الهرّ بالفأر، يمدّ كيري يده ليصافح الرجل
ثم يخطفها منه حتى أعيا الرجل.
تقول صورة المنضدة العملاقة إن مكانة فرنسا الدولية تتراجع، وإن ماكرون ينكسر ويكع في الداخل والخارج، وإن الصين تتقدم وتسود العالم
تقول صورة المنضدة العملاقة إن مكانة فرنسا الدولية تتراجع،
وإن ماكرون ينكسر ويكع في الداخل والخارج، وإن الصين تتقدم وتسود العالم. وللرئيس
الصيني صورة أخرى وهو يتأخر عن مصافحة الرئيس الفرنسي الذي يمدّ يده والرئيس الصيني
غافل أو متغافل، وصورة ثالثة والمصور يأمر ماكرون بإخراج يده من جيبه كما لو أنه
تلميذ في الفصل، فامتثل وفعل فالرؤساء بشر ويخافون من المصورين وهم أشد الناس
عذابا يوم القيامة. والأمر ليس جديداً، وإن كثر وشاع مؤخراً بسبب اشتداد الصراع
الدولي المقبل على حرب عالمية، وتقاسم منازل السيادة الدولية، والمباهاة بالصورة
في معارض الأخبار.
يطلقون على التصوير في لغة الإنجليز شوتينغ، أي الرمي
والرصاص.
وكان للصورة منزلة في عصر الكلمة، وكانت تؤخذ بكاميرا
القصيدة أو الخطبة، وفي مرويّات العرب أدب اسمه أدب المنافرة، والمفاخرة، والمشاعرة،
ويمكن تذكّر وفد بني تميم وكلمة عطارد في عام الوفود في السيرة النبوية، وكان
معاوية بن أبي سفيان وهو أدهى العرب، قد أدرك أثر الصورة، ويروي الطبري في كتابه
تاريخ الأمم والملوك: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الشَّامِ، فَرَأَى
مُعَاوِيَةَ فِي مَوْكِبٍ يَتَلَقَّاهُ، وَرَاحَ إِلَيْهِ فِي مَوْكِبٍ، فَقَالَ
لَهُ عُمَرُ: يَا مُعَاوِيَةُ، تَرُوحُ فِي مَوْكِبٍ وَتَغْدُو فِي مِثْلِهِ،
وَبَلَغَنِي أَنَّكَ تُصْبِحُ فِي مَنْزِلِكَ وَذَوُو الْحَاجَاتِ بِبَابِكَ!
قَالَ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْعَدُوَّ بِهَا
قَرِيبٌ مِنَّا، وَلَهُمْ عُيُونٌ وَجَوَاسِيسُ، فَأَرَدْتُ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَرَوْا لِلإِسْلامِ عِزّاً، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّ
هَذَا لَكَيْدُ رَجُلٍ لَبِيبٍ، أَوْ خُدْعَةُ رَجُلٍ أَرِيبٍ، فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مُرْنِي بِمَا شِئتَ أَصِرْ إِلَيْهِ،
قَالَ: وَيْحَكَ! مَا نَاظَرْتُكَ فِي أَمْرٍ أَعِيبُ عَلَيْكَ فِيهِ إِلا
تَرَكْتَنِي مَا أَدْرِي آمُرُكَ أَمْ أَنْهَاكَ.
معارك الصور والرموز والعلامات في الصين وأمريكا وموسكو، قائمة على قدم وساق، وإن كان فناً، فهو فنٌ سياسي فيه مكر ودهاء، ويؤخذ للفخر والاستشفاء والاستبراء أحيانا وإثارة الضغينة والحسد كثيرا
ومن ضحايا الشوتينغ، وأصلها عربي من شاط وشط: عبثُ إعلام
السيسي بصور مرسي في السجن شططا، وبثّ تلك الصور المهينة للشماتة به. أما خامنئي
فلا يظهر إلا جالسا على سدة أعلى من ضيوفه الرؤساء فهو الإمام المعصوم.
أهدى نتنياهو إلى شعبه وقومه صورة لـ400 شاب فلسطيني
معتكفين في الأقصى وهم مبطوحون مأسورون، عشية عيد الفصح، وضنت الحكومة الأمريكية
الديمقراطية على رئيس أمريكا السابق ترامب بصورته مقيدا بالحديد وقد اعتقلته؛ من
أجل صورة، وبثت وكالات الأنباء صورة لأوباما الأسود وهي يمد قدميه على طاولة
الرئاسة في البيت الأبيض كما يفعل الشريف في أفلام الكاوبوي إيذانا بمرحلة جديدة
في عهد أمريكا. اما صورة آخر جندي أمريكي يخرج من أفغانستان ويلج الطائرة
المتقهقرة، فهي صورة ليليّة بالأشعة من غير إشارة نصر أو جثث يحبُّ المنتصرون
الظهور إلى جانبها عادة.
معارك الصور والرموز والعلامات في الصين وأمريكا وموسكو،
قائمة على قدم وساق، وإن كان فناً، فهو فنٌ سياسي فيه مكر ودهاء، ويؤخذ للفخر
والاستشفاء والاستبراء أحيانا وإثارة الضغينة والحسد كثيرا.
twitter.com/OmarImaromar