كتاب عربي 21

هكذا جعلت الثورة السورية الأبد أسبوعين

أحمد عمر
"معجزة أن يسقط صاحب شعار الأسد أو لا أحد"- الأناضول
"معجزة أن يسقط صاحب شعار الأسد أو لا أحد"- الأناضول
"أوَ فتح هو"؟

سأل عمر رسول الله عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية.

لا أعرف خصائص النصر الفاتنة، ولم أطلع على أوصافه وعلاماته في العلوم العسكرية، هو يعرف بالفطرة، لكننا نعرف الهزيمة جيدا، وقد ذقنا الذل والهوان مدة نصف قرن.. كان الإذلال زعتر خبزنا وزيت شرابنا وعسل دوائنا، كنا نتقوت به في المسلسلات والإعلانات التجارية والأناشيد، ومناهج المدرسة، ولم نكن نصدق أن يسقط الأسد، لأننا نشأنا على الشعارات التي تقول: الأسد إلى الأبد. ونذكر أنه حينما مات (الأب)، تأخرت وسائل الإعلام الرسمية في إعلان موته، إما لارتباكها في الخبر، وإما نقعا له في الماء حتى يلين، ويسهل بلعه.

لذلك فإن فتح الشام الثاني بعد فتح خالد بن الوليد بالسيف، وفتح أبي عبيدة بالكلمة، يشبههما من الوجهين؛ وجه السيف ووجه الكلمة، ويشبه فتح القسطنطينية أيضا، ووجه الشبه هو في بحار الدم التي أحاط بها بشار الأسد سوريا. وكان محمد الفاتح قد دفع سفنه إلى البر ودرجها على الجذوع المدهونة بالزيت من بشكتاش إلى القرن الذهبي مسافة ثلاثة أميال تجاوزا للسلاسل في البحر! وهي معجزة عسكرية.

كان قد حِفِظ النصيحة الذهبية القائلة؛ إن أي تغيير سيكون فيه سقوط ملكه، وكنا نحن السوريين نظن أنه خالد، وإنه بلا نقطة ضعف، وإن روحه قد وزعت في كل حجر في سوريا، وفي تماثيله، والحجر لا يقتل، لذلك كان الثوار حريصين على تحطيم تماثيله المنصوبة في كل الساحات، وتمزيق صوره التي قضى الثوار في إتلافها أكثر مما قضوا في فتح حصونه

 أمست دمشق منذ أربع وخمسين سنة عاصمة الروم، أو عاصمة الفرس إن شئت، أو عاصمتيهما كليهما، بل إن عبارات مثل: من دخل داره فاتركوه، ومن فرَّ فلا تدركوه، أقوال من آثار فتح مكة. يمكن القول إنَّ سوريا ضُربت بقنبلتين نوويتين هما الأسد الكبير، والأسد الصغير أو الحقير، الأسدان؛ الأسد الوحش، والأسد الأجيد (طويل الرقبة).

والآية في ذلك أن قصف سوريا بالأسدين يشبه القصف الذريّ الأمريكي على هيروشيما في نهاية الحرب العالمية الثانية في آب/ أغسطس 1945، وكان بسبب رفض تنفيذ إعلان مؤتمر بوتسدام باستسلام اليابان استسلاما كاملا بدون أي شروط، إلَّا أنَّ رئيس الوزراء الياباني سوزوكي أبى وتجاهل المهلة التي حدَّدها الإعلان. فأصدر الرئيس هاري ترومان أمره بإطلاق السلاح الذري، المسمى الولد الصغير، على مدينة هيروشيما (يوم الاثنين 27 شعبان عام 1364 هـ / الموافق 6 آب/ أغسطس 1945م)، ثمَّ تلاها بإطلاق قنبلة الرجل البدين على مدينة ناغازاكي في التاسع من شهر آب/ أغسطس.

قتلت القنابل ما ناف على 140 ألف شخص في هيروشيما، و80 ألفا في ناغازاكي بحلول نهاية سنة 1945. وإن أعداد المقتولين بالأسدين "الذريين" تقارب أعداد اليابانيين، فقد نافت على الخمسين ألفا في وقائع الثمانينات، وعجزت مراكز الإحصاء عن حصر أعداد المقتولين بقنبلة الأسد الصغير، فوقفوا عند المليون، لأن المليون نهاية الأعداد، ولم تكن العرب تعرف المليون، فكانت تقول ألف ألف.

أوَ فتح هو؟

لم نكن نأمل بنزع الأسد إلا أمل اليائس، فالرجل كان مشدود الملك، ومحروسا بعين أمريكا وفيتو روسيا والصين وأموال وكتائب إيران، ومساندة الإخوة الأعداء ملوك العرب، وقد سعوا إلى تعويمه، أي إعادة تأهيله، لكن الرجل كان قد وصل إلى حال "النيرفانا" السياسية ومقام الغوثية الصوفية. وكان قد حِفِظ النصيحة الذهبية القائلة؛ إن أي تغيير سيكون فيه سقوط ملكه، وكنا نحن السوريين نظن أنه خالد، وإنه بلا نقطة ضعف، وإن روحه قد وزعت في كل حجر في سوريا، وفي تماثيله، والحجر لا يقتل، لذلك كان الثوار حريصين على تحطيم تماثيله المنصوبة في كل الساحات، وتمزيق صوره التي قضى الثوار في إتلافها أكثر مما قضوا في فتح حصونه!

وقد قيل في أسباب انتصار الثورة الثانية عليه بعد أربع عشرة سنة من التهجير والألم، والألم خير معلم، إنها وهن قواته وجوع جنده، وفسادهم، ووهن روسيا وانشغالها بأوكرانيا، وتراجع إيران وحرصها على قنبلتها النووية (والتي لم ترد على آخر قصف إسرائيلي)، وأضيف إليها: دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ، وهو اسم كتاب من تأليف إريك دورتشميد. والمصادفة والغباء آيتان من آيات الله، ولله جنود السماوات والأرض.

لقد جعل الثوار السوريون الأبد أسبوعين، ويوم الأحد جمعة، وأنقذونا من القنبلة الثالثة: حافظ بشار الأسد، بطل الرياضيات والأوهام

لذلك كان فتح القسطنطينية الشامية سهلا، يشبه الانزلاق في مزلقان سباحة، كأن الأرض مدهونة بالزيت، ويشبه قتل ذبابة للنمرود، وإن النظام ذعر من جرائمه وانفضاض أنصاره وحلفائه، بعد إدراكهم عدم قابليته للإصلاح، ومن أسبابها "طوفان الأقصى" الذي أضعف حزب الله، أشد حلفاء النظام ولاء، وأوفاهم إخلاصا.

إنها معجزة، أن يسقط صاحب شعار الأسد أو لا أحد. لقد أسقطنا عظيما، خارقا له قوة ثلاثة وعشرين مليون سوري، وله خصائص موقعها وبركتها وثرواتها وسمائها وبحرها وبرها.

لقد عبرت سفينة الثورة الوهاد والأوعار ونزلت البحر، بعد أن دُهنت بالدم، وفرّ الأسد الخارق، تاركا صورا له عارية وعارا "إلى الأبد"، وآثارا أشد وأضرى من آثار القنبلتين على هيروشيما وناغازاكي.

لقد جعل الثوار السوريون الأبد أسبوعين، ويوم الأحد جمعة، وأنقذونا من القنبلة الثالثة: حافظ بشار الأسد، بطل الرياضيات والأوهام، في سباق الأربع وخمسين سنة حواجز.

x.com/OmarImaromar
التعليقات (0)

خبر عاجل