صمتوا طويلاً جداً ثم نطقوا ضدّنا، وكم كنا نتمنى أن
تكون حميّتهم ضد الاحتلال كما هي ضدنا، ولكنهم رفضوا إلّا أن يستخدموا لغةَ
التخوين، ومصطلحاتٍ جاهزة مُغَلّفة، أكلَ الدهرُ عليها وشرب، ومَلّ منها جمهور
العامة..
أسماءٌ قديمةٌ جداً، لم نسمع بها منذ مدةٍ من الزمن،
عادت لتظهر من جديد، في الجزء العاشر من مسلسل
منظمة التحرير الفلسطينية، لتوجّه
أصابع الاتهام لمؤتمر فلسطينيّي أوروبا العشرين، الذي سوف ينعقد في مدينة مالمو
السويدية بتاريخ 27 أيار/ مايو، تحت شعار "75 عاماً وإنّا لعائدون"، وما
إنْ أُعلِنَ عن هذا المؤتمر، حتى بدأت الهجمة النارية عليه، وقد تبعَ ذلك إصدارُ
بياناتٍ بالجملة ضد المؤتمر ورئاسته ولِجانه، وذلك من قبل المجلس الوطني الفلسطيني،
وحركة فتح، والسلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية وعدد من مكوّناتها،
الذين اتحدوا ضد هذا المؤتمر كما لو أنهم اتّحدوا في معركةٍ مصيرية ضد الاحتلال، ولهذا،
ولأنني أحدُ أبناء هذا المؤتمر، وأحد الذين سيحضرونه بمشيئة الله، فإنني أردّ على
بياناتهم كلها من خلال النقاط التالية:
أولاً: إنني أجزمُ كمختصّ في اللغة العربية، أنّ كل
البيانات التي صدرت عن منظمة التحرير والدكاكين والأسواق المنبثقة عنها، والتي
مسّت المؤتمر المُزمَع عقده، قد كتبها شخصٌ واحدٌ فقط، يحملُ شهادةَ السرتفيكا، ووزّعها
على مكاتبهم، وهم بدورهم قاموا بنشرها دون أن يطّلعوا على فحواها ربما، لأن
البيانات الصادرة تحمل الأسلوبَ نفسَهُ، والأخطاءَ اللغويةَ نفسَها، والفضائحَ
المهنيةَ ذاتَها.
ا إنْ أُعلِنَ عن هذا المؤتمر، حتى بدأت الهجمة النارية عليه، وقد تبعَ ذلك إصدارُ بياناتٍ بالجملة ضد المؤتمر ورئاسته ولِجانه، وذلك من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، وحركة فتح، والسلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية وعدد من مكوّناتها، الذين اتحدوا ضد هذا المؤتمر كما لو أنهم اتّحدوا في معركةٍ مصيرية ضد الاحتلال
وإنني أتحدّاهم أن يأتوا ببيانٍ واحدٍ فقط خالٍ من هذه
الجهالة بأصول الإعلام، وقواعد اللغة العربية، وأنصحهم بالالتحاق بأقرب دورة
إعلامية كي يتعلّموا فنّ التعديل، تماماً كما عدّلت وزارة الخارجية الفلسطينية
بياناً لها مؤخراً، كانت قد انتقدت فيه تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا
فون دير لين، التي هنّأت دولة الاحتلال الإسرائيلي وأَطْرَتْ في ثنائها عليها،
الأمر الذي دفع بوزارة خارجيّتنا الموقرة، إلى إصدار بيان ناري ضد هذه المسؤولة
الأوروبية، ثمّ ما لبثت وزارُتنا الموقّرة أنْ عدّلت على البيان بما يتماشى مع
رغبات الأوروبيين، وبالتالي صدقَ القائلون حين قالوا: أسدٌ عليّ وفي الحربِ نعامة..
ثانياً: لقد فاتَ أصحابَ هذه البيانات الوفيرة أمرٌ
مُهمٌّ للغاية، وهو أنّ هذه النسخة هي رقم عشرون، أي أنّ هذا المؤتمر متجذّر
لِعَقدَيْنِ من الزمن، حيث كانت النشأة الأولى عام 2003 في لندن، ثم جابَ بعد ذلك
كبرى العواصم والمدن الأوروبية، مُتنقّلاً بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا وإيطاليا
وهولندا والدنمارك والسويد، وغيرها من بلدان القارة الأوروبية، ليصبح هذا المؤتمر
لقاءً جامعاً وعرساً فلسطينياً، وفرصةً سانحة كي يلتقي فلسطينيو أوروبا مع بعضهم
البعض، ويعيشون ساعاتٍ معدوداتٍ مع حق العودة المقدس، وذكريات المخيمات، وأجواء
إيجابية للغاية.
وقد سمعتُ جماعةٌ بأذني في مؤتمر كوبنهاغن، وهم
يودّعون بعضهم البعض في نهاية المؤتمر قائلاً أحدُهم للآخر: بنشوفكم بالمؤتمر
القادم إن شاء الله، فردّ عليه الآخر: المؤتمر القادم إن شاء الله بفلسطين رح يكون..
انظروا كيف أصبح المؤتمر موعداً سنوياً لفلسطينيي أوروبا الذين وجدوا أنفسهم اليوم
في دائرة التخوين من قبل منظمة التحرير ومشتقّاتها. ليس هذا فحسب، بل إنّ المؤتمر
أيضاً لم ينعقد يوماً من دون مشاركة شخصيات مرموقة في منظمة التحرير، من الداخل
الفلسطيني والشتات، أو من دون مشاركة سفراء فلسطين في الدول الأوروبية، أو أمناء
سرّ حركة فتح حتى.
ففي السويد على سبيل المثال وهي البلد المستضيف للنسخة
العشرين، كانت قد استضافت سابقاً نسختين اثنتين، الأولى في عام 2006 بحضور سعادة
سفير فلسطين في السويد آنذاك صلاح عبد الشافي الذي تم تكليفه بالحضور من الرئيس
محمود عباس شخصيا، والثانية في عام 2016 بحضور سعادة سفيرة فلسطين آنذاك هالة فريز.
وفي كلتا النسختين كان للسفير والسفيرة كلمتان مهمّتان على منصة المؤتمر خلال جلسة
الافتتاح، بالإضافة إلى كوكبةٍ من ضيوف الداخل والشتات الذين يتزينُ بهم المؤتمر
سنوياً، بعضهم يحضر بين إخوته في الشتات، وبعضهم الآخر يغلبُهم العذر، فيسجّلون
للمؤتمر كلماتٍ مُتلفزة، تُعرَض على المنصة، فتتآلف القلوب فيما بينها، فهل كل
هؤلاء هم خونة ومنشقّون وضِعَاف الحسّ الوطني وجزءٌ من الانقسام؟!! غريبةٌ هذه
العقلية الأمنيّة الرثّة التي ما تزال تتمتع بها بعض دوائر صُنّاع القرار
الفلسطيني.
ثالثاً: إنّ هذا المؤتمر منذ نشأته حتى اليوم، لم يكن
بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، ولن يكون، ولم يطرح نفسه على أنه منافس لها،
بل على العكس تماماً، حيث لا يوجد تصريحٌ واحدٌ يتيم لأي مسؤول في المؤتمر يهاجم
فيه منظمة التحرير، فالمؤتمر وعلى لسان رئيسه وأمينه العام ولجانه العاملة، أكّد
في أكثر من مناسبة أنّ منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي
البيت الفلسطيني الجامع ومظلة الوحدة الوطنية، ولا يسعى المؤتمرُ أبداً إلى
إلغائها أو تهميشها، ولهذا أتساءل: ماذا يريدون أكثر من ذلك؟ وما هي الفاتورة
المطلوب دفعها كي يصبح المؤتمر في نظرهم وطنياً بامتياز؟ وهل المطلوب أن نرفع صورة
الرئيس محمود عباس على منصة المؤتمر كي يحظى المؤتمر بإشادتهم؟؟
من ينتقد أي مشروع، عليه أن يقدّم البديل، فماذا لو أُلغي المؤتمر وحُلّت مؤسساته؟ وماذا لو لم يُعقَد المؤتمر؟ هل هناك فرصة أخرى للقاء فلسطيني جامع على مستوى القارة الأوروبية؟ وهل هم قادرون على تحمّل أعباء ومسؤولية هذا اللقاء الذي يلتقي فيه القادمون من مختلف بلدان القارة الأوروبية؟ وهل نجحوا يوماً في عقد مؤتمر واحد فقط بحجم مؤتمر فلسطينيي أوروبا؟
إنّ منظمة التحرير ومشتقّاتها بمثل هذه البيانات، تكون
هي التي تبرّأت منا وليس العكس، وهي التي وضعتنا خارج الحسابات والمشروع الوطني، وهذه
ليست المرة الأولى، بل إنّ الكثيرين من المسؤولين فيها قالوا أكثر من مرة: كل من
يعمل خارج مظلة منظمة التحرير هو غير وطني، ولهذا راحوا يهاجمون المؤتمر والقائمين
عليه، ويتهمونهم بالانتماء لحركة حماس، لأنهم على دراية بأنّ هذه التهمة هي أكثر
ما يمكن أن يضرّ الفلسطيني المقيم في أوروبا، في حين أنني أدينهم من تصريحاتهم،
فكيف يمكن لحماس أن تعقد كما يدّعون ويفترون، مؤتمراً لأتباعها ومناصريها في عقر
القارة الأوروبية؟!
رابعاً وأخيراً: إنّ من ينتقد أي مشروع، عليه أن يقدّم
البديل، فماذا لو أُلغي المؤتمر وحُلّت مؤسساته؟ وماذا لو لم يُعقَد المؤتمر؟ هل
هناك فرصة أخرى للقاء فلسطيني جامع على مستوى القارة الأوروبية؟ وهل هم قادرون على
تحمّل أعباء ومسؤولية هذا اللقاء الذي يلتقي فيه القادمون من مختلف بلدان القارة
الأوروبية؟ وهل نجحوا يوماً في عقد مؤتمر واحد فقط بحجم مؤتمر فلسطينيي أوروبا؟ وكيف
يمكن لي كفلسطيني أن أذهب إلى مؤتمر أؤكد فيه على حقي في العودة إلى فلسطين لو
أُلغِيَ هذا المؤتمر؟
سؤال برسم الإجابة..