قضايا وآراء

الشهيد محمد صلاح ومصر التي في خاطري..

محمود النجار
صمت مصري حول العملية ومنفذها- فيسبوك
صمت مصري حول العملية ومنفذها- فيسبوك
ما أوسع البون بين الحكومات العربية وشعوبها؛ فالشعوب في واد وحكوماتها في واد آخر، وتلك ضريبة الدكتاتورية التي سُلطت على رقابنا، خلافا لإرادتنا وبعيدا عن توقنا للحرية والديمقراطية؛ ففي حين تنسجم إرادة الشعوب مع حكوماتها وبرلماناتها في الدول الديمقراطية، غالبا، يحرم المواطن العربي من هذا الانسجام، بل يحرم من مجرد التعبير عن رأيه، وإن فعل؛ كان الاعتقال وتلفيق التهم في انتظاره، ويتم التعامل معه على أنه مجرم وتوجه له تهم أقلها نشر أخبار كاذبة وتكدير السلم العام والتآمر على أمن الدولة.

كان الموقف الشعبي المصري والعربي متوافقا تماما على إسداء أسمى آيات التقدير والإجلال للشهيد محمد صلاح الذي نفذ عملية ضد عناصر من جيش الاحتلال داخل الحدود مع فلسطين المحتلة؛ ليردي ثلاثة جنود، ويصيب رابعا، ثم ليرتقي شهيدا، وليزرع في قلوب جنود الاحتلال الرعب والقلق، وليؤكد للجميع بأن مصر والمصريين لن يخيّبوا ظن أمتهم فيهم، ولن يقبلوا بالارتهان للسياسات المتعلقة بعملية التطبيع وحالة السلم المعلنة رسميا بين مصر والكيان الغاصب.

خشيت السلطات المصرية من جنازة مهيبة تهز صورة العلاقات مع الكيان الصهيوني، في ظل التأييد الذي يحظى به السيسي من الكيان المحتل، والسيسي غير مستعد لفقدان هذا التأييد، الذي يخدم علاقاته مع الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا التي يتمتع فيها الكيان المحتل بعلاقات خاصة

كم كان مؤلما أن يصف المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية الشهيد محمد صلاح بالمتوفى، حين عجز لسانه عن لفظة شهيد، وأن يتنصل الجهازان العسكري والدبلوماسي من الاعتراف بالتفاصيل الحقيقية للعملية، في حين ظلت الأخبار تردنا من الإعلام الصهيوني على الرغم من مرور وقت طويل على العملية.. حتى إجراءات استلام جثمان الشهيد ودفنه تمت بسرية تامة، وسط إجراءات أمنية مشددة؛ ناهيك عن العدد القليل الذي رافق الجنازة من أهل الشهيد رحمه الله، فقد خشيت السلطات المصرية من جنازة مهيبة تهز صورة العلاقات مع الكيان الصهيوني، في ظل التأييد الذي يحظى به السيسي من الكيان المحتل، والسيسي غير مستعد لفقدان هذا التأييد، الذي يخدم علاقاته مع الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا التي يتمتع فيها الكيان المحتل بعلاقات خاصة.

ولم تكتف الأجهزة الأمنية المصرية بالتعتيم على استلام الجثمان الطاهر ودفنه بطريقة غاية في الضعة والهوان، بل لقد قاموا باعتقال شقيق الشهيد وعدد من أصدقائه. وربما نتفهم، على مضض، أن تقوم السلطات المصرية باستدعاء شقيق الشهيد أو بعض أهله وجيرانه وأصدقائه للاستفسار عن شخصية الشهيد ودوافعه، لكننا لن نتفهم ولن نتقبل أن يعتقل أي من أهله وأصدقائه؛ فذلك عار جديد يضاف إلى قائمة العار الطويلة التي تخطها الأجهزة المصرية بيد مرتجفة بين الحين والآخر؛ لتسطر أكبر الخيبات الأمنية وأكثرها ظلما وعدوانا.

ومن الضروري هنا أن نستذكر قصة حارس السفارة الإسرائيلية في عمّان الذي قتل أردنيين اثنين، ليتم بعد ذلك تسليمه للكيان المحتل، والذي لقي ترحيبا خاصا من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بينما يتنصل الجانبان العسكري والدبلوماسي المصري من الحادثة التي قام بها شاب مصري في مقتبل العمر دفاعا عن شرف مصر والأمة العربية.

ومن الضروري أيضا أن نستذكر عملية الشهيد سليمان خاطر الذي قتل في زنزانته، وادعى القتلة أنه قام بالانتحار، بينما هم من قتلوه إرضاء لأسيادهم الذين طالبوا بإعدامه، وخشية من ردود فعل المصريين في حال تم التعامل معه بطريقة مهينة، فكان الأنسب لحكومة مبارك أن يتم التخلص منه. وكان سليمان خاطر أجهز على سبعة إسرائيليين، وهو يقوم بواجب الحراسة على الحدود سنة 1985. كما أنه من الضروري استذكار المجند الأردني أحمد الدقامسة الذي قتل عددا من الإسرائيليات اللواتي هزئن به وهو يؤدي الصلاة وذلك عام 1997، وحُكم عليه بـالسجن 20 عاما. وقضى الدقامسة عقوبة السجن، حتى أفرج عنه في 12 آذار/ مارس 2017.

مع كل حادثة كبرى كانت أو صغرى لها علاقة بمصر، تطلع علينا الأجهزة الأمنية بتبريرات ومخادعات لا تقنع أحدا، وتصبح مثارا للسخرية، وما قصة جوليو ريجيني عنا ببعيد. والمشكلة أنهم لا يتعلمون، ولا يغيرون أساليبهم المفضوحة، ويقعون في ذات الأخطاء الكارثية، ثم تظهر الحقيقة على غير ما أرادوا لتكشف وهن أساليبهم المعوجة التي تفاقم الصورة السيئة للأداء الدبلوماسي والأمني والإعلامي في آن معا

لقد شكلت هذه العملية صدمة للمجتمع الصهيوني على المستويين الرسمي والشعبي؛ ذلك أن هذا الحدث جاء مباغتا، وغير متوقع في ظل التنسيق الأمني الوثيق بين الجانبين المصري والإسرائيلي. وقد حاولت مصر أن تجعل من الحادثة عملا جرميا لا أمنيا، فادعت أن الجندي كان في حالة صد لعملية تهريب، وكان البيان هزيلا غير منطقي ولا مقبول بحال من الأحوال، بل كان مضحكا أثار سخرية رواد التواصل الاجتماعي. ومن أسف أننا كنا نتلقى أخبار الحادثة من الإعلام الإسرائيلي ونصدقه، ونهزأ بالإعلام المصري الذي اكتفى بالبيان الصادر عن المتحدث الرسمي للقوات المسلحة، وأوعز للإعلام المصري بالصمت..!!

ومع كل حادثة كبرى كانت أو صغرى لها علاقة بمصر، تطلع علينا الأجهزة الأمنية بتبريرات ومخادعات لا تقنع أحدا، وتصبح مثارا للسخرية، وما قصة جوليو ريجيني عنا ببعيد. والمشكلة أنهم لا يتعلمون، ولا يغيرون أساليبهم المفضوحة، ويقعون في ذات الأخطاء الكارثية، ثم تظهر الحقيقة على غير ما أرادوا لتكشف وهن أساليبهم المعوجة التي تفاقم الصورة السيئة للأداء الدبلوماسي والأمني والإعلامي في آن معا.

وقد فضح البيان العسكري نفسه حين حاول تبرير الحادثة بأنها ناجمة عن مطاردة مهربين، حيث كان يجب أن يوصف منفذ العملية بالشهيد ما دام قتل في أثناء أداء الواجب الوطني بمطاردة المهربين؛ ذلك أن عدم وصفه بالشهيد دليل دامغ على المراوغة المكشوفة والساذجة التي استخدمها البيان، غير عابئ بسمعة القوات المسلحة، ولا لردود أفعال المصريين، ذلك أن النظام الحالي لا يقيم وزنا للمواطن المصري، ولا يحسب له أدنى حساب، وكل ما يعنيه أن يبيض صفحته أمام الرأي العام العالمي، وليته نجح مرة واحدة في ذلك.

الشعور الإسرائيلي بأن السنوات القادمة والتغيرات المحتملة في دول الطوق ستكون سنوات صعبة وقابلة للاشتعال في أي وقت، لا سيما في ظل التخوفات التاريخية التي يتحدث عنها ساسة الكيان المحتل ومفكروه عن نهاية دويلتهم

إن هذه العملية الفدائية تؤكد على ثلاث نقاط مركزية محبطة للكيان المحتل:

أولها: التأكد من استحالة استمالة الشعوب العربية وإقناعها بأن العدو التاريخي صار صديقا، بينما لم يزل يمارس أبشع صنوف الإجرام في حق الفلسطينيين.

ثانيها: أن أحلام نتنياهو والمؤسسة الأمنية الصهيونية بتحقيق الأمن مع الدول العربية لم تكن سوى أضغاث أحلام.

ثالثها: الشعور الإسرائيلي بأن السنوات القادمة والتغيرات المحتملة في دول الطوق ستكون سنوات صعبة وقابلة للاشتعال في أي وقت، لا سيما في ظل التخوفات التاريخية التي يتحدث عنها ساسة الكيان المحتل ومفكروه عن نهاية دويلتهم.

لقد كان المصريون وسيظلون علامة فارقة في مواجهة العدو الصهيوني، وسيظل الشعب المصري رائدا في وعي حقيقة العدو وألاعيبه ومخططاته، وهو على دراية بما يدور حوله، مهما حاول الساسة طمس الحقائق، وقلب سحنة التاريخ..
التعليقات (7)
خليل ابراهيم العجيلي
الجمعة، 09-06-2023 06:02 ص
يؤسفنا أن البون واسع ونحمده سبحانه على ذلك.. ليس تناقضا هذا لكنه أمر واقع نعيشه و نتمنى أن نغيره فنرى فيه شعبين أو ثلاثة شعوب عربيه ...على الأقل.. ملتفة على قيادتها تحت غاية واحده وهدف واحد هو الصلاة في المسجد الأقصى المبارك.. رحم الله شهداءنا الابرار الذين جاءوا بأرواحهم في سبيل دينهم وارضهم وعرضهم ولعن قيادات الذل والهوان الذين جبنوا أن يذكروهم بخير خوفا على كراسيهم..
راضية
الخميس، 08-06-2023 11:53 ص
الله يرحمه وينعمه ويبارك في أمه وعايلته ويصبرهم والى جنان الخلد ان شاء الله هاذوم هم رجال مصر الابطال اللي يرفعوا راس العرب ربي يكثر أمثالهم وترجع فلسطين معززة مكرمة وشكرا لشاعرنا الكبير محمود النجار
قدس
الأربعاء، 07-06-2023 11:59 ص
رحم الله الشهيد البطل، وسوف تبقى مصر أكبر من الحقيقة، فهي الوطن العربي وهي الأمة العربية، لا نشك في هذا ولا ننتظر منها إلا أن تكون القائد والرائد والملهم للأمة العربية.... ولا نزال نتمنى على الله أن يخرجها مما هي فيه من مصائب وكوارث تكاد تقضي على المجتمع وتبدد وجودها كدولة ذات سيادة. اللهم انتقم من كل حاكم ظالم وأرنا فيه يوما عن قريب.
سعيد
الأربعاء، 07-06-2023 12:47 ص
هو من الرجال القليلين الذين يعرفون طريقهم للجنة وطريقهم للمجد الله يرحمه وينعمه
عيسى ابو مقدم
الثلاثاء، 06-06-2023 06:15 م
مخطاء من يظن أن الشعوب العربيه تواقه إلى السلام والتطبيع مع الصهاينة ، والدليل على ذلك أن في مونديال قطر رفض كل أبناء الشعب العربي حتى السلام أو إجراء اللقاءات مع التلفزه الاسرائلية وجاء الرد جليا من الشهيد البطل محمد صلاح بقتل ثلاثه من الصهاينة غير الجرحى هذا ما اعترفت به التلفزه الاسرائلية ليكون ردا قويا لكل المطبعين والخونة أننا قادمون نحو التحرير للوطن طال الزمن او قصر