تعاني مناطق ومخيمات شمال شرق
سوريا ظروفا معيشية صعبة، مع شح المساعدات وسوء الخدمات، إضافة إلى ارتفاع درجات حرارة تجاوزت عتبة الـ40، ما حول نهار النازحين في المخيمات المنسية إلى جحيم.
تشكو رحمة الحمود (33 عاماً)، وهي أم لأربعة أطفال قتل والدهم في الحرب، من الظروف الصعبة التي تقاسي الأمرين تحت وطأتها في أحد مخيمات مدينة
الرقة.
في المخيم اليوناني حيث تعيش والذي اكتسب اسمه من مطعم يحمل الاسم ذاته على ضفاف نهر الفرات عند أطراف مدينة الرقة، تتعالى أصوات أطفال يركضون بين خيم مهترئة تحت أشعة شمس حارقة، فيما تنقل نساء المياه في أوعية تملأها من صنبور في باحة المخيم، بينما تنهمك طفلة بغسل الأطباق قرب خزان مياه.
وتقول الحمود في حديثها لـ"فرانس برس": "أطفالنا يمرضون بشكل متكرّر، يعانون من حرارة وحالات إسهال وتقيّؤ، الخيمة حارّة جدا ولا نستطيع الجلوس داخلها في فترة الظهيرة".
وتتابع السيدة التي فقدت زوجها: المساعدات قليلة والمنظمات لا تعترف بهذا المخيم. لو كانت تساعدنا كل شهرين أو ثلاثة، لاستطاع الناس العيش بشكل أفضل.
تضمّ مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية، خصوصا في محافظتي الرقة (شمال) والحسكة (شمال شرق)، عشرات المخيمات العشوائية التي تؤوي مدنيين فروا من مناطق عدة على وقع المعارك بين أطراف مختلفة من النزاع السوري المتواصل منذ العام 2011.
وتحوي محافظة الرقة التي شكّلت المعقل الأبرز لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، قبل دحره منها في تشرين الأول / أكتوبر 2017، العدد الأكبر من المخيمات العشوائية، وفق الإدارة الذاتية الكردية.
وتعمل الحمود مع أولادها الثلاثة في ظل تلك الظروف القاسية، وتقول شارحة همها: "كلمة منسيين قليلة لوصف الظروف التي نعيشها في المخيم".
وتضيف: "نحن منسيون بشكل كامل، لا مواد تنظيف والخيم مهترئة، تدخل الشمس منها، بينما تتجاوز درجات الحرارة عتبة الأربعين".
مخيمات منسية
في شمال غرب البلاد الخارج عن سيطرة النظام، ينتشر أكثر من ألف مخيم نظامي وعشوائي لنازحين يعتمدون بشكل أساسي على مساعدات المنظمات الدولية العابرة للحدود.
وتراجع الدعم الذي كان يصل إلى تلك المنطقة منذ إغلاق طريق المساعدات العابرة للحدود قبل ثلاث سنوات.
وإن كانت كميات أكبر من المساعدات تصل إلى المخيمات النظامية التي تعمل فيها منظمات محلية ودولية، فإن المخيمات العشوائية تشهد أوضاعا معيشية صعبة جراء قلّة المساعدات وانتشار الأمراض ونقص المياه.
وتقول تانيا إيفانز من منظمة الإغاثة الدولية إن "المخيمات العشوائية في شمال شرق سوريا يمكن اعتبارها منسية"، مشددة على ضرورة زيادة الاهتمام بها، وتمويلها والدفع نحو جهد مستدام تجاهها من المجتمع الدولي.
اظهار أخبار متعلقة
ويقيم قرابة 150 ألف نازح في المخيمات النظامية، بينما تؤوي المخيمات العشوائية عشرات الآلاف من النازحين، حسب مسؤول المخيمات والنازحين لدى الإدارة الذاتية شيخموس أحمد.
ويشرح لـ"فرانس برس" من مكتبه في الرقة: "نعمل على خطة لنقل المقيمين في المخيمات العشوائية إلى مخيمات منظمة، لتتمكن الإدارة الذاتية والمنظمات الإنسانية من التعامل مع الأوضاع الإنسانية والصحية".
وتُشكّل المواقع العشوائية 79 في المئة من مخيمات النازحين في الرقة، وفق تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الذي يعتبر تلك المخيمات الأكثر "هشاشة" وعرضة لتداعيات حالات الطقس القاسية جراء "غياب التخطيط والبنى التحتية والإدارة".
بحث في القمامة لأجل العيش
وفي الأطراف الشمالية الشرقية لمدينة الرقة، يقع مخيم سهلة البنات للنازحين، وبالقرب منه كومة من البلاستيك والحديد تباع عادة لسيارات تجوب المخيم القريب من مكب نفايات.
ويعتمد غالبية المقيمين في المخيم على مدخول يوفره البحث بين القمامة عن مواد يمكن بيعها. ويمكن رؤية نساء وأطفال يحملون أكياسا على ظهورهم بينما يغطي السواد أيديهم ووجوههم المرهقة.
وتقول النازحة من محافظة دير الزور شكورة محمّد (30 عاماً) بعد عودتها من جمع البلاستيك: "ما من مساعدات تأتي إلى المخيم، يعمل الناس في القمامة ويبحثون عما يمكنهم بيعه لشراء الخبز وتأمين مصروفهم اليومي".
اظهار أخبار متعلقة
وتتابع: "الوضع سيء هنا وحالة المخيم مأساوية. في الصيف ما من مياه باردة"، مضيفة أنه منذ بدء النزاع "نحن منسيون. لو تذكّرنا الناس، لما وصلنا إلى هذه الحال".
على غرار غالبية قاطني المخيم، تناشد محمّد بينما تغرورق عيناها بالدموع، المنظمات الإنسانية تقديم المساعدات. وتقول: "يجهد الرجال والنساء والأطفال هنا لأجل لقمة العيش".
في المخيم ذاته، تنظف أم راكان (أربعينية) النازحة من دير الزور، أمام خيمتها. وتعلّق باختصار: "لم نعد نعوّل على مساعدة من أحد، لأننا فقدنا الأمل منذ سنوات وقدرنا أن نعيش هذا الجحيم إلى الأبد".