كلام
لا بد منه:
العرب قبل الإسلام قبائل لها عرفها
المعروف، لكن قبائل العصر لا يحكمها فكر ولا رؤية وإنما الغرائز والحاجات وقيم تميّز
أمة عن أمة وفقا لما يمكن أن نسميه واقع السلطات السياسي وتطوره كمدنيات تسمى الآن
حضارات لكنها ليست حضارات، فالحضارة فكر وما ينتج عنه وهذا لم يعرف إلا بعد مجيء الإسلام
رغم أنه لم يُعَرَّفْ إلا وجوبا في العصر الحديث لكن لم ينتشر؛ لميل الناس
للتقليد.
ما حصل بعد ردح
من زمن حكم الراشدين أن الحكم الإسلامي انحسر نحو التدين وليس الدين، وانفصل عن
الحكم بمؤسسة اعتبارية مثلها فقهاء العصور، وهؤلاء بين محاولات التوافق والتماهي
مع واقع الحال وبين إصلاحه أنتجوا نظريات لا علاقة لها بمنظور الإسلام في الحكم
ومعاني الشورى وكيفية اختيار الحاكم.
ولعل الخوف من
تكرار ألطف كان سببا في التقليد وحذر التجديد، فأصبح الخليفة اسما مؤسلما للملوك
والسلاطين، وبقي التدين سمة للحاكم والمحكوم وليس الدين، فلا يوجد نظام حكم إسلامي
شوري يفترض أن يتطور إلى مؤسساتي مع الزمن وتوضع له آليات، لكن رأينا تداول قبائل
تعظم لتكون دولا ودخل من الثوابت توارث الحكم والسلطنة.
وحكم المتغلب في
الحقيقة هو المعيار من معاوية بن أبي سفيان إلى يومنا هذا، تعددت أشكاله وتبدلت
صيغه، وإن ظهر للناس رأي انقلب عليه ليعود التغلب خصوصا بعد أن ترك المحتل الذي
استعمر الأفكار والناس ليحكم العسكر. ووسيلة العسكر لتبادل الحكم هي الانقلابات
وليس الانتخابات، والانتخابات ما هي إلا نوع من التجميل لمظهر يرانا به من لا
ينخدع به ونحن نعرف أنه لا ينخدع به، وهو يعرف أننا نعرف أنه يعرف أننا نعرف أنه
لا ينخدع به.
عندما تكون الأمة في حالة انحدار حضاري وتخلف مدني تعيش في الفوضى وأحلام اليقظة.. فمن أمة ممتدة لمشارق الأرض ومغاربها مكانيا وبعد أن فقدت حضارتها الفكرية وتقوقعت في محاريب السلطة؛ انهارت وتفككت فلم يعد هنالك وجود لما يجمعها فاتجهت إلى الروابط الهابطة التي تخاطب الغريزة ولا تنتج فكرا
عندما تكون
الأمة
في حالة انحدار حضاري وتخلف مدني تعيش في الفوضى وأحلام اليقظة.. فمن أمة ممتدة لمشارق
الأرض ومغاربها مكانيا وبعد أن فقدت حضارتها الفكرية وتقوقعت في محاريب السلطة؛
انهارت وتفككت فلم يعد هنالك وجود لما يجمعها فاتجهت إلى الروابط الهابطة التي
تخاطب الغريزة ولا تنتج فكرا، كالقبلية عند الحوادث والطائفية عند خلل القيم، أو
كما حصل عند الحاجة للنهضة فاختاروا أسوأ الطرق في تقليد للغرب المتصاعد مدنيا في
الدعوة إلى القومية والقومية.. فكرة لا تنتج فكرا، لهذا كل ما فعله دعاتها ومن
توصلوا الحكم عن المحتل ترسيخ حدود نفوذ المستعمرين ونادوا بالقومية العربية
وغيرها إلى أن أصبحوا يغزون بعضهم بعضا.
وعندما فقدت
الشعوب المصطنعة الأمل بوحدة قومية بقيادة مجموعات عوائل وعسكر اتجهت لتقديس سايكس
بيكو، بعد أن كانت دعوة وحدوية.
هذه أمة لا قيامة لها بأي فكر سيئ أو مشوه حتى
لو حمل اسم الإسلام وسكن المساجد.
كيانات الأقطار
الآن هيكلية مدنية كدول لكن بعقلية قبائل الجاهلية، ففي الجاهلية تديّن أيضا لكن
بلا دين؛ فكيف نجد حلا لأرض ونفوس دمرها جنوح الأفعال ومرض الأفكار وسلطة الرعاع؟
الأمة
في مأزق فكيف الإصلاح؟
أمتنا هيكل أمة
بلا محتوى ومسلمة تجهل الإسلام رغم تدين معظمها لكنه تدين غريزي يتعبد بعضه
بالإسلام ويرفضه على حقيقته أنه نظام سياسي اقتصادي ومنهج حياة، لا لشيء وإنما لأنهم
يخشون أي جديد أو أي تغيير حتى يفرض نفسه، والإسلام لا يفرض نفسه لأنه خطاب
للمنظومة العقلية عند الإنسان، وتجاوز البعض لهذا المنطق يوقعه فريسة الغرائز من
حب السيادة والتملك والاعتداء على أهلية الناس الآخرين، وهذا ما حصل فعلا مع ظهور
الحركات التي تطرفت واستغلت لاحقا لتدمير المجتمع ومنع قيام الإسلام بسلوكياتها
التي أعطت نموذجا عدميا لا يعترف إلا بما تعتقده.
لذا فإن أمتنا
بحاجة إلى ترميم، وهذا يأتي بالنظر إلى الواقع ودراسة البيئة والممكنات والعواقب
لكل حركة، ورص الأمة لذاتها، فهي بغير الإسلام مجموعات بشرية وليست مجتمعا،
والمجموعات نفسها مجموعات أصغر وأصغر فلا توجد روابط حقيقية لأمة وإنما روابط هابطة
متضادة في مصالحها لا تقيم دولا بل تخرب الحياة نفسها. وعندما أقول الإسلام هنا لا
أتحدث عن عبادة بأركان الإسلام، وإنما أتحدث عن منهج حياة وثقافة ودولة بسياسة وقيادة
تنهض بالمدنية عبر العصور ومجتمع متعدد المعتقدات والأعراق، وتبنى الأمة
بائتلافها على المنهج واحترامها لبعضها حبا لا تقية، وهذا يأتي بالقناعة وإعمال
التفكير وفهم الإسلام الغائب.
الحالة الجديدة تبنى على صفحات الزمن المر بإعادة الاصطفاف وتقام معاهدة تبقي السلم بين الجميع، كمعاهدة وستفاليا التي حوت في الحقيقة عدة معاهدات في الأمور السياسية والمعتقدات والاقتصاد، وأوقفت الحروب بعد ثلاثين عاما 1618-1648من الهراء؛ حيث تمر أمتنا في أحداث مقاربة لها من الهول والتفاهة
حلول مؤلمة للتقليدية
إن لم يك هذا
ممكنا، فلا بد للعودة إلى دراسة الواقع والبيئة وبناء الأمة بطريق مختلفة لا تنظر إلى
سايكس بيكو ولا غيرها وإنما إلى روابط التاريخ والجغرافية فيعاد تنظيم البلدان
بحيث تكون أمما مستقرة متوافقة، وأخشى أننا نقترب من هذا إن لم تظهر الحكمة عند
الناس وتقود الأمة أفضلها وليس أدناها وهو أمر صعب لكن ليس مستحيلا، وكما بُنيت
سايكس بيكو على واقع عثماني، فالحالة الجديدة تبنى على صفحات الزمن المر بإعادة الاصطفاف
وتقام معاهدة تبقي السلم بين الجميع، كمعاهدة وستفاليا التي حوت في الحقيقة عدة
معاهدات في الأمور السياسية والمعتقدات والاقتصاد، وأوقفت الحروب بعد ثلاثين عاما 1618-1648من
الهراء؛ حيث تمر أمتنا في أحداث مقاربة لها من الهول والتفاهة.
إن دعوة بلا
نموذج ليست إلا كلاما يجتهد فيه الجهلاء فيزيدون الأمل تحطيما، ولا بد أن نتعامل
مع البيئة وليس بتطبيق قوالب أحلامنا على حقيقة مختلفة.