إنما الفقه الرخصة من ثقة وترشيد التفقه
أثارت تدوينة للدكتور أحمد الريسوني حول تعاطي
كرة القدم من لدن
النساء لغطا كبيرا من بعضهم.. وتناول الدكتور الريسوني القضية تناولا مقاصديا حول
هذه السائلة من خلال أسئلة تدعو للتفكير قائلا: "النقاش الدائر بين بعض الإخوة حول
لاعبة كرة القدم المتحجبة نقاش مفيد ولا بد منه لتدقيق الفهم وترشيد التفقه..
قبل أيام سألتني سائلة عبر الواتساب عن هذه اللاعبة.. وهل ذلك
جائز؟ فأجبتها باقتضاب بهذه الكلمات: "يمكن أن يقال: لا بأس، لا مانع.. لكن ماذا وراء ذلك؟ وماذا بعد ذلك؟ فالأمور
بعواقبها ومجمل آثارها وانعكاساتها..".
وهذا يعني أن الحالات لا تستوي؛ لأننا لا نحكم فقط على ما يجري في
الملعب من تداريب ومباريات، بل على ما قبلها، وما بعدها، وما خلفها.. وتأثير ذلك
على حياة اللاعبات وزواجهن وأمومتهن ومستقبلهن في كهولتهن وشيخوختهن.. وهذا نقاش
وتشاور عائلي لا بد منه قبل الإقدام..
لكننا حين نتحدث عن حالة لاعبة معينة.. قد اخترقت وصمدت وارتقت، ولا
علم لنا بما سوى ذلك، لا يسعنا إلا أن نقدر لها قدراتها وحفاظها على حجابها،
وإعلانها الاعتزازَ به رغم التشويش والضغط، باعتباره تكليفا من تكاليفها العينية،
وباعتباره رمزا ولواء، له دلالات وإيحاءات إيجابية متعددة، تزداد رمزيتها وأهميتها
وفوائدها بالنظر إلى طبيعة المجال والبيئة والجمهور، حيث توجد وتظهر وتشاهد هذه
الفتاة المحجبة.. فذلك هو أهم ما يستحق الاعتبار والتقدير."
وعند التأمل في هذا الجواب ستكتشف أنه جواب متوازن لم يسارع إلى
الإباحة المطلقة ولا إلى أو التحريم المطلق.. ولكن الأمور بعواقبها وأن الحالات لا
تستوي.. ولكن حين يتعلق الأمر بحالة صمدت وارتقت وحافظت على حجابها رغم الضغط
والتشويش فلا يسعنا يقول الريسوني إلا أن نقدر لها قدراتها وحفظها على حجابها ..
والمتأمل في جواب الريسوني يجد أنه جواب دقيق، وأنه لم يسارع إلى
الإباحة المطلقة ولا إلى التحريم المطلق، وأن الحكم يرتبط بكل حالة حسب الظروف العائلية والقدرة على التوفيق ثم قدرة الحالة
على الارتقاء.. والقدرة على الصمود وعلى التزام اللاعبة بالحجاب وعلى فرض اختيارها
واقتناعها واجتهادها على التوفيق بين هذه المطالب التي تبدو متعارضة..
وهنا استحضرت مقولة العلماء: "إنما الفقه الرخصة من ثقة أما التشديد فيجيده كل واحد".
بعض ردود الفعل والتعقيبات لم تستسغ صدور مثل هذا الجواب من الريسوني وصارت تتساءل: "هل اللباس
الذي ظهرت به اللاعبة زينة تتوفر فيه مواصفات
الحجاب؟ وماذا عن مصافحتها لمدرب
الفريق الوطني بعد الانتصار.. وهلم جرا !".
والواقع أنني لا أريد أن أدخل في تفاصيل هذا النقاش ولا أن أقدم
جوابا فقهيا لا أعتبر نفسي مؤهلا له.. ولكن لي ملاحظة وهي أن جرعة من التشدد
والورع تبدو زائدة عند عدد من الملتزمين كلما تعلق الأمر بقضايا المرأة والأحكام
المرتبطة بها في لباسها وخروجها ودخولها وأنشطتها العامة وغير ذلك... كما أن عددا
من الأسئلة والتحوطات تظهر حين يتعلق بمشاركة النساء في أنشطة عامة فيها اختلاط
بين الجنسين وفي ملبسهن ومظهرهن أكثر مما تظهر حين يتعلق الأمر بالرجال.. مما يظهر معه الرجال وكأنهم أقدر على
إيجاد الأعذار لأنفسهم ونظرائهم !..
فلماذا إذن يميل أغلب المسلمين وبالأخص كثير من الملتزمين منهم إلى
التماس الأعذار وقبولها للرجال الذين يتساهلون مثلا في ملبسهم ومواصفاته وكثيرا ما
يصف ويشف!!، أو لا يعفون لحاهم أو يأخذون منها بشكل مفرط بحيث لا يطبقون الأمر والهدي النبوي بالإعفاء مع حق الشارب؟
كيف نقبل هذا التساهل ونتجاوز عنه ونتشدد مع المرأة المسلمة ولا تقبل
منها أعذارا ولا نقدر أوضاعها أو اجتهاداتها في ظروف صعبة وأوساط لا ترحب باحتجاب
المرأة المسلمة؟
علما أن الوسط الكروي
المغربي من فريق الجيش الملكي والمنتخب الوطني
ومدربه الأجنبي لم يتدخلوا في اختيار اللاعبة بل إن انفنتيو رئيس الجامعة الدولية
لكرة القدم قد احتفى بزينة كأول امرأة تمارس كرة القدم مع ارتداء الحجاب.
من الغريب أيضا أن تلتقي في إدانة اللاعبة المغربية التي أصرت على
الظهور بما اعتبرته حجابا أصوات من
المسلمين تستنكر فعلها هذا مع موقف عتاة العلمانيين الفرنسيين الذين لم يستسيغوا أن
يشاهدوا على تلفازهم نقل مقابلة الربع حيث ستظهر اللاعبة "زينة" في أحد
سافر لعتاة العلمانية الفرنسية المتطرفة..
ليتها تقع.. ولعلكم تعرفون عما أتحدث!!
وكان يكفي أن يصدر هذا الموقف من العلمانيين كي يفقه بعضنا أن مظهر
اللاعبة بن زينة يشكل تحديا للعلمانية الفرنسية المتطرفة التي لا تقبل أدنى مظهر
يذكر بالإسلام ويكشف عورة العلمانية المتطرفة.
للأسف الشديد باسم الغيرة الدينية غفل بعضنا عن عدد من المعاني.
من الغريب أيضا أن تلتقي في إدانة اللاعبة المغربية التي أصرت على الظهور بما اعتبرته حجابا أصوات من المسلمين تستنكر فعلها هذا مع موقف عتاة العلمانيين الفرنسيين الذين لم يستسيغوا أن يشاهدوا على تلفازهم نقل مقابلة الربع حيث ستظهر اللاعبة "زينة" في أحد سافر لعتاة العلمانية الفرنسية المتطرفة..
ثانيا نسي أصحاب الغيرة الدينية المزعومة أن منهج الإسلام والتوجه
العام لشريعته يقوم على حث الناس على الاجتهاد قدر الاستطاعة في الطاعات.. والحث
على الارتقاء فيها كما أن الإسلام درجات: الإسلام والإيمان والإحسان.
ثالثا من يزعم من الرجال
أن مظهره الحالي لباسا ولحية وتعاملا.. قد بلغ فيه الرجال الكمال؟ لا احد يزعم أنه في لحيته ولباسه قد
بلغ الكمال في الاقتداء بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
رابعا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع من تاب
إلى الله وقصد الإسلام لكنه بحكم بدايته لا يمكن أن ننتظر منه التزام السابقين..
وهو ما تدل عليه عبارة السلف: "أسلم وحسن إسلامه".
ولعل موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الأعرابي الذي تبول في
المسجد نموذج عملي على حكمته صلى الله عليه وسلم لاحتضان المبتدئين والنهي عن زجرهم
والغلظة عليهم.. فكاد الصحابة أن يفتكوا به فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم
قائلا: "لا ترموه!! أي لا تعنفوه وتقطعوا عليه قضاء حاجته !! وقع
هذا في المسجد!! "أريقوا على بوله
سحلا من ماء!!. وماء طهور!! لكنه أولا وقبل كل شيء كان ماء
الحكمة والاحتضان !!
ولم يكن سلوكا أرعنا يحول دون الناس ودون رحمة الإسلام وحكمته في
احتضان المبتدئين في طريقهم إلى الله أو الذين حيلت بينهم وبين اتباع هديه صلى
الله عليه وسلم موانع قاهرة بلغت إلى حد إعلان الكفر به رغم اطمئنان القلب
بالإيمان!! كما حدث مع عمار بن ياسر الذي
أكره على الكفر بلسانه وسب النبي صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى: "إن
عادوا فعد ".........
ما تعانيه " زينة" من تنمر باسم الغيرة على الدين لا يختلف
كثيرا عن فعل من قاموا يريدون البطش بالإعرابي.. المشار إليه .. رغم أن هناك بونا
شاسعا بين الحالتين!!!
ولا يختلف هؤلاء كثيرا ممن
يعتبرون أنفسهم "سدنة" للمساجد الذين يطاردون الأطفال منها حرصا على
سكينتها ونظافتها..!!!
ومن الصور التي بقيت عالقة بذهني ما فعله بي أحد قيمي مسجد
"اسباتة" وقد كان من أهم انشغالاته مطاردة الأطفال ومنعهم من دخول المسجد.. !!!
حدث ذات يوم أنني دخلت الصلاة مع الجماعة... سجدت مع الساجدين.. لكن
قيم المسجد رحمه الله (باكبور) رفعني وأنا ساجد ورمي بي خارج المسجد!!! صورة لا
تنسى.. لكنها تعكس غيرة على نظافة المسجد.. لكنها قد تنفر جيلا كاملا من المسجد لا
قدر الله!!