السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، سيصبح يوما من
الأيام التاريخية في الصراع مع الكيان الصهيوني، وهذا ليس استنتاجا أكتبه في ذروة
عاطفية ممزوجة بالحماسة، بل لأن ثمة شواهد ودلالات تؤكد هذه السطور.
لقد كان معتادا أن يكون العمل العسكري
الفلسطيني
محشورا في زاوية رد الفعل، وأعني بذلك المنطلق من منطقة قطاع
غزة، لكن حملة "طوفان
الأقصى" كسرت هذه القاعدة بإطلاق أكثر خمسة آلاف صاروخ على الأراضي المحتلة
في الساعة الأولى من الهجوم المباغت. وحتى معركة سيف القدس 2021 التي كسرت قواعد
الاشتباك لفترة من الزمن، سبقها تحذيرات للاحتلال ولم تكن مباغتة ومندفعة كهذه
الحملة، وهذا ليس انتقاصا منها بقدر ما هو مقارنة مع "طوفان الأقصى".
من غير المستبعد حاليا الحديث عن هدنة كحال المعارك
السابقة، فالدلائل تشير إلى أننا أمام عمل عسكري منظم أُعد ليمتد لفترة طويلة.
وسأسوق هذه الدلائل تباعا.
أولا: لم يحدث في تاريخ المقاومة، أن تمكن المقاومون
الفلسطينيون من اقتحام البلدات المحتلة وقتل وأسر جنود ومستوطنين واغتنام آليات
عسكرية، وهذا الحدث المفصلي يعد فشلا ذريعا للكيان الصهيوني وزلزالا معنويا كبيرا
لمواطنيه، وقد يضطر المقاومون للانسحاب أو يستشهد بعضهم لكن بعد أن أحرزوا بصنيعهم
ضربة قاتلة في الحالة المعنوية والمخابراتية
الإسرائيلية.
ثانيا: ظهور قائد كتائب القسام محمد الضيف، وإعلانه
البيان الأول للحملة العسكرية وتسميتها، يعني أن الحملة تختلف عن سابقاتها، حيث
كان يوكل إلى أبي عبيدة أو البيانات الصحفية أن تعلن عنها، وهذا يؤكد أن الحملة
العسكرية تحمل أهدافا كبيرة أهمها ما عبر عنه الضيف بـ"كنس الاحتلال"،
فهي وإن لم تكنسه من الأرض فإنها تدق مسمارا كبيرا في الجسد الصهيوني، هو الأشد
إيلاما منذ عقود.
ثالثا: تتزامن حملة طوفان الأقصى مع الذكرى الخمسين
لحرب أكتوبر 1973، وتشتركان في عامل مفاجأة الاحتلال، ومهاجمته في عقر داره،
والأهم أن الحملة تأتي في ظل سباق أنظمة عربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني ووأد
القضية الفلسطينية. وهذه الحملة هي رسالة لهذه الأنظمة بوجود شعب يستطيع قلب طاولة
التطبيع والتأكيد على حضوريته وعدم استسلامه، وفي هذا الإطار تأتي دعوة الضيف
للشعوب العربية والإسلامية للتحرك، كرسالة رفض على ما تقوم به النظم العربية
الوظيفية من خيانة للقدس والأقصى.
من المبكر جدا، الحديث عما ستؤول إليه حملة طوفان
الأقصى، لكن ما يهم الآن هو أنها أحدثت زلزالا في الداخل الصهيوني، وطعنة مميتة في
مسار التطبيع العربي الصهيوني، كما أنها أنعشت آمال المسلمين في التحرر والخلاص من
الظلم الذي يطالهم في أكثر من مكان، وفي مقدرتهم على طرد الاحتلال واستعادة القدس
والأقصى.